كتاب «ما التفكير؟» … الحياة الذهنية بالمعنى الواسع

2023-11-02

صدر للباحث المغربي المهدي مستقيم كتاب جديد بعنوان «ما التفكير؟» عن منشورات بيت الفلسفة ـ الفجيرة ـ الإمارات العربية المتحدة 2023، ويشير هذا المفهوم الغامض، حسب الباحث، إلى الحالة التي تصير فيها النفس واعية بذاتها مدركة لها (الحياة الذهنية بالمعنى الواسع) من جهة، وإلى أسمى إنتاجاتها من جهة أخرى. ولعلَّ ديكارت(1650-1596) أول من قدم فهما شموليا لمفهوم (التفكير) وأرسى إوالياته؛ إذ ما لبث يعُيّن مجموع التعديلات التي من شأنها أن تؤثر في النفس التأثير الحاسم، تلك التي تعبر دون تحفظ عن طبيعة هذا الجوهر: «أنا جوهر لا يقوى على تحديد ماهيته أو طبيعته في كليتها إلا بتوسل التفكير». هكذا، تنظر الأطروحة الديكارتية في مختلف المشاعر (وقبلها الأحاسيس) بوصفها أنماطا فكرية، كما تنظر في الأفكار، بوصفها مصدر المعرفة وأساسها. ومن أجل ذلك، يعد موقف ديكارت من مفهوم (التفكير) محور العقلانية الكلاسيكية.

إن الحاجة الملحة إلى إخضاع العقل Ratio والعقلانية إلى محك الشك، هي ما دفعت هايدغر 1889) ـ 1976) إلى طرح سؤاله الفاضح: «أيقوى العلم على التفكير؟» بل إنه لم يتردد في التصريح بجوابه العنيف: «العلم لا يفكر» في المحاضرات التي جمعت في مصنفه: «ما هذا الذي نسميه تفكيرا؟» «إنَّ العبارة «العلم لا يفكر» التي خلفت كثيرا من الضجيج إثر نطقي بها، تعني أنَّ العلم لا يشتغل في إطار الفلسفة، إلا أنه، ومن غير أن يعلم، ينشدّ إلى ذلك الإطار. فعلى سبيل المثال: إنَّ الفيزياء تشتغل على المكان والزمان والحركة. إلا أنَّ العلم، بما هو كذلك، لا يمكنه أن يحدد ما هي الحركة، وما هو المكان، وما الزمان. العلم، إذًا، لا يفكر، بل إنه لا يمكن أن يفكر في هذا الاتجاه باستخدام وسائله. لا يمكنني، على سبيل المثال، أن أقول ما هي الفيزياء باتباع مناهج الفيزياء، ماهية الفيزياء لا يمكنني أن أفكر فيها إلا عن طريق سؤال فلسفي. يبدو أنّ العلم، حسب هايدغر، لا يقوى على درك الافتراضات المسبقة التي منها ينطلق. لذا، يجدر بنا التمييز بين الفكر والتمثل Représentation، أو بالأحرى بين الفكر والعقل؛ الفكر بما هو سمة الفلسفة التأملية من جهة، والعقل بما هو انكشاف النشاط العقلي للعلوم والعقلانية العلمية من جهة أخرى.

لقد أسهم المنجز الذي خلفته الأنثروبولوجيا الوضعية، في تجاوز ضروب التحيز الذي يربط على نحو وثيق بين الفكر المنطقي والعلمي من جهة، وانبجاس الذات (الديكارتية) الحديثة من جهة أخرى؛ إذ تلح الأعمال التي راكمها ليفي ستراوس (1908 ـ 2009 ) أثناء فحصه مسارات الفكر المتوحش، على ضرورة استناد حقل الأنثروبولوجيا إلى ضرب من المنطق؛ إذ من شأن هذا الأخير أن يكشف عن ثوابت بنيوية في جميع التكوينات الأسطورية. وتأسيسا عليه، كفت الأنثروبولوجيا كما بلورها ليفي ستروس، عن النظر في الفكر المتوحش بوصفه فكرا في مرحلة الطفولة، وباشرت النظر فيه، بوصفه شرطا لكل فكر؛ إي بما هو حالة سابقة للشكلانيات Formalismes الأكثر تقدما.. لا يكون شرط نظام الأشياء أس الفكر الذي نسميه بدائيا إلا لكونه أساس الفكر كله.

هكذا، يرمي المهدي مستقيم من خلال مصنفه الأخير إلى الإجابة على عدة تساؤلات: ما الدلالات الفلسفية التي ينطوي عليها مفهوم التفكير؟ ما المسارات التي قطعها الفكر عبر تاريخ الفلسفة؟ وهل يتأسس التفكير على نموذج واحد، أم أن نماذجه متعددة ومختلفة؟ ما العوائق التي تعترض الذات أثناء محاولتها تقديم وصف لنفسها؟ أنحن في حاجة إلى تأمل تجاربنا الذاتية، بوصفها واقعة مشتبكة اشتباك تأثير وتأثر مع التجربة الأخلاقية والتاريخية التي نعد شهودا عليها؟ كيف تتشكل الذات؟ وما علاقة هذا التشكل بالأخلاق من جهة وبمفهوم المسؤولية من جهة أخرى؟ ألا يساهم المكون الأخلاقي في تحفيز الذات على ممارسة النقد على ذاتها؟ ألا تعد الخلقية عاملا جوهريا في تقرير فاعلية الذات وإمكانية الأمل؟ فيم تتجلى أبرز مظاهر أزمة التفكير؟ وذلك من خلال معالجة المحاور التالية:

في معنى التفكير – تاريخ الفكر

هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟

الذات، من التفكير في ذاتها إلى وصفها

تفكير الأزمة وأزمة التفكير








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي