مرّ عام واحد على قدومها إلى الحياة، لكن وجه طيبة يحمل علامات مرض جلدي ينتشر في قريتها النائية في جنوب العراق حيث يؤثر ارتفاع درجات الحرارة وتلوث المياه ونقص الخدمات الطبية اللازمة، على الصحة العامة.
ويواجه أفقر سكان العراق خطرا صحياً متزايدا، في بلد هو من بين أكثر خمس دول في العالم تأثرا ببعض تداعيات التغير المناخي، وهم مهددون بأمراض جلدية مثل الليشمانيا والإسهال المزمن والربو الناجم عن العواصف الرملية والكوليرا.
يقول والد طيبة، ناجح فرحان البالغ من العمر 39 عاماً، فيما يشير إلى طفح جلدي على وجه ابنته الصغرى "إنه مرض جلدي، حبة بغداد".
و"حبة بغداد" هو الاسم الشعبي لمرض الليشمانيا الجلدية الذي ينتقل إلى الإنسان عبر لدغات أنثى ذباب الرمل الفاصد المصابة.
ويضيف هذا الأب لسبعة أطفال من قرية الزوية في محافظة الديوانية أن "أخاها الثاني أصيب بداء الصفراء، ولا يرى بعينيه، وأيضاً بمرض جلدي".
وما يزيد الأمر سوءاً، هو أنه "لا يوجد مركز صحي قريب من هنا وأي خدمات متوافرة لنا"، على ما يقول فرحان.
في تقرير لها منتصف أيلول/سبتمبر، رأت منظمة الصحة العالمية أن "صعوبة الوصول إلى العناية الطبية الملائمة في المناطق النائية" تعدّ من العوامل المساهمة في تفاقم الليشمانيا في العراق.
في العام 2022، أحصت المنظمة 8 آلاف إصابة بهذا المرض، لكنها في العام 2023 لحظت ظهور "أول إصابة" به في شمال البلاد "في محافظة دهوك الخالية تقليدياً من ذباب الرمل".
واعتبر ممثل منظمة الصحة العالمية بالوكالة في العراق وائل حتاحت في حديث لوكالة فرانس برس أن هذا التطوّر "مقلق"، إذ أن ظهور المرض في شمال البلاد "لا يمكن تفسيره إلّا بالتغير المناخي".
ارتفاع درجات الحرارة
وشرح حتاحت أنه "تاريخياً، فإن ذباب الرمل لم يكن موجوداً في الشمال لأن درجات الحرارة والبيئة لم تكن مواتية له".
وبالتالي، فإن ظهور المرض في تلك المناطق من العراق يعود "خصوصاً إلى ارتفاع في درجات الحرارة وتغير نمط هطول الأمطار"، وفق المسؤول.
وتابع حتاحت أن "ذباب الرمل مثل أية حشرة أخرى، يزدهر وسط درجات حرارة ومستويات رطوبة معينة"، موضحاً أنه حينما يحصل التغير المناخي وتتلاقى تلك العوامل قد ينجم عن ذلك تصاعد في أعداد الحشرات "وقد يزيد ذلك من مستوى الإصابات".
للتعويض عن النقص في الخدمات الصحية في المناطق النائية، أطلق الهلال الأحمر العراقي في حزيران/يونيو حملةً واسعةً في تسع محافظات في الوسط والجنوب هي "الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية"، وفق عضو الهيئة الإدارية في الهلال الأحمر حيدر كريم.
وتضمّ الحملة نحو 150 متطوعاً وأكثر من 25 طبيباً وطبيبة من وزارة الصحة، وخمسة مستشفيات متنقلة من أجل "تقديم الخدمات الصحية" و"إطلاق حملات توعية عن الأخطار والأمراض التي من المحتمل أن تصيب الأهالي كالأمراض الجلدية".
خلال جولة الهلال الأحمر في الديوانية، تجمّع سكان قرية العياش والقرى الصغيرة الأخرى المجاورة، من نساء ورجال وأطفال، قرب سيارات الإسعاف لتلقي الاستشارات الطبية.
أمام سيارة إسعاف بابها مفتوح، وقفت نساء مرتديات الملابس التقليدية السوداء ينتظرن دورهنّ لفحص طفل. ومن سيارة أخرى، أخرج متطوعو الهلال الأحمر علب دواء لتوزيعها على السكان.
لحظت الصيدلانية رغدة إحسان المشاركة في هذه الحملة أن غالبية الأهالي "مصابون بأمراض الالتهاب المعوي بشكل كبير وملحوظ وكذلك أمراض جلدية والتهابات المجاري البولية".
وتضيف أن "كل هذه الأمراض ناتجة عن التغير في البيئة والاحتباس الحراري وتلوث المياه هنا وبسبب الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشونها والخدمات المتردية".
وفي بلد بنيته التحتية متهالكة بعد حروب ونزاعات استمرت لعقود، ويعاني موجة جفاف للسنة لرابعة على التوالي، يعدّ تلوّث المياه مصدر قلق حقيقيا.
وقال ماك سكيلتون الباحث في علم الإنسان الطبي إن "انخفاض منسوب المياه مرادف لتركّز إضافي للمياه الآسنة والملوثات الصناعية في إمدادات المياه، بمستوى لا يمكن للبنية التحتية الخاصة بمعالجة المياه في العراق، التعامل معه بشكل كافٍ".
مياه ملوثة
وأضاف سكيلتون مدير معهد الأبحاث الدولية والإقليمية في الجامعة الأميركية في السليمانية في العراق أن "المياه الملوثة مرتبطة بمجموعة من الأمراض، مثل الكوليرا والأمراض المعوية وأمراض الجلد والإسهال".
ويرى أنه "من الضروري تحسين البنى التحتية الخاصة بمعالجة المياه...وتطوير أنظمة الصحة العامة".
في منتصف أيلول/سبتمبر، أقرّ مسؤول في وزارة البيئة أن "أنابيب الصرف الصحي الثقيلة في بغداد تطرح مخلفاتها إلى نهر دجلة مباشرة مما حوله إلى مستنقع".
وأضاف مدير قسم التخطيط في دائرة بيئة بغداد حيدر يوسف محمود في حديث لجريدة الصباح الرسمية أن مياه الصرف الصحي تطرح في النهر من دون معالجة.
في شمال البلاد، ينتشر مرض الكوليرا، لا سيما في السليمانية ثاني أكبر مدن إقليم كردستان. وحتى 12 أيلول/سبتمبر 2023، سجّلت السليمانية 152 إصابة بالكوليرا وفق منظمة الصحة العالمية.
وقال صباح هورامي مدير عام الصحة في المحافظة، إن "السبب الرئيسي لتفشي المرض يعود إلى استخدام المياه غير الصالحة للشرب".
واتخذت تدابير صارمة من أجل منع انتشار الداء، مثل تشديد القيود في المطاعم وعلى الصهاريج وفي المساجد، وفق المسؤول الذي أضاف أنه يتمّ "أيضاً فحص مصادر المياه الحكومية للتأكد من أن المياه تحتوي على الكمية المناسبة من مادة الكلور".
وقال هورامي إن "المصابين بالإسهال والقيء حالياً يعالجون كحالات كوليرا"، مؤكداً أن مستشفيات المنطقة تستقبل يومياً عشرات المصابين بهذه الأعراض.