هآرتس: كيف نظرت إسرائيل إلى قطر وهديتها لقمة القاهرة؟  

2023-10-22

 

فتحت قطر في 2013 ممثلية لطالبان، حكام أفغانستان، وقبل سنة سمحت لحماس بفتح ممثلية في الدوحة، بعد أن قطعت هذه المنظمة نفسها عن سوريا (أ ف ب)مؤتمر القاهرة للسلام هو عنوان المؤتمر الدولي المثير للانطباع الذي عقد أمس في قاعات المؤتمرات الفاخرة في العاصمة الإدارية الجديدة قرب القاهرة. ولكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، المستضيف، الذي قرر عقد المؤتمر قبل أربعة أيام، سيعلن أن العنوان المتفاخر للمؤتمر وكذلك التصريحات والتوصيات التي قالها الزعماء العرب لمنع “تطور الحرب إلى حرب دينية تجر المنطقة كلها” ستبقى بين جدران القاعة المكيفة. وهو المصير نفسه الذي ينتظر أقوال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، الذي حذر من توسع المواجهة، ودعا لفكرة إحياء المبادرة العربية وحل الدولتين.

المؤتمر أخرج نفس المواقف الفظة من الجارور للمرة الألف، المواقف التي استهدفت إظهار التضامن مع الفلسطينيين، لكنه عكس في هذه المرة تخوفات دول خط المواجهة من تداعيات مرتقبة عليها جراء الحرب، وليس على الفلسطينيين فقط. ويضاف إلى ذلك خيبة أمل هذه الدول من أنه تم إلقاء “المشكلة الفلسطينية” أمامها في الوقت الذي تدار فيه هذه المشكلة على يد منظمة، القليل من هذه الدول تقيم معها علاقات أو تعتبرها تمثيلاً مناسباً وأصيلاً للشعب الفلسطيني.

هذا كان مؤتمراً طارئاً لدول لم تنجح في التوصل حتى الآن إلى حل دائم للمشكلة الفلسطينية، وتجد بعضها نفسها مع اتفاقات سلام وتطبيع مع إسرائيل، التي لا تساوي حتى أداة ضغط على إسرائيل لوقف الحرب، والتي تجبي منها ثمناً جماهيرياً باهظاً، في حين أن قطر بالذات، التي لم توقع على اتفاق سلام مع إسرائيل، تمسك الأوزان الثقيلة بيدها.

مثلما في كثير من المؤتمرات الدولية، ستتبلور النتائج العملية في محادثات الأروقة وعلى الأرض وليس على المنصة المثيرة للانطباع. في الأحاديث المتبادلة، تبدو الشخصية الرئيسية هي حاكم قطر، الشيخ تميم بن حمد، الذي وصل أمس إلى المؤتمر مع هدية مهمة وبحق: إطلاق سراح المخطوفتين، الذي قد يحرك استمرار العمليات. تظهر قطر مرة أخرى كوسيط ناجع تمسك بيدها آليات تأثير، التي تطورت خلال السنين على أساس استراتيجية مخطط لها جيداً. ومن المهم القول إنه رغم تسويق حماس كجهة ترعاها إيران، فإن حماس تفضل إجراء نضالها الدبلوماسي، الأصعب في تاريخيها، بواسطة قطر وليس عن طريق إيران. ذلك له عدة أسباب، أهمها تقدير حماس بأن قطر، مقارنة مع إيران أو تركيا، تملك أدوات تأثير في واشنطن، وبشكل غير مباشر على إسرائيل. ولأن إيران خيبت أمل حماس عندما لم تطبق على الفور استخدام “وحدة الساحات” ولم تضم “حزب الله” بشكل كامل للمعركة. وحسب التقدير العملي لحماس، فإن قطر، وليس أي دولة أخرى ولا حتى مصر، هي التي قد تمنح حماس ضمانات لأي اتفاق سيتم التوصل إليه، إذا نجحت في التوصل إلى اتفاق كهذا.

الدولة الصغيرة التي كانت حتى قبل سنتين سجينة في حصار اقتصادي وسياسي فرضته عليها السعودية والإمارات ومصر والبحرين، حولت نفسها إلى دولة رئيسية إقليمية، في الوقت الذي تدير فيه سياسة خارجية مليئة بالتناقضات؛ فعلى أراضيها قاعدة أمريكية هي الأكبر في الشرق الأوسط، وتمنحها هامش تأثير سياسي في واشنطن. وهي في الوقت نفسه، تدير معركة شديدة ومتشعبة ووثيقة مع عدد من الدول والمنظمات التي تعتبر عدوة للولايات المتحدة: أولاها إيران التي هي شريكة مع قطر في حقل الغاز الأكبر في الخليج الفارسي، وهي في الوقت نفسه عدوة لنظام الرئيس بشار الأسد، وعارضت بشدة عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

فتحت قطر في 2013 ممثلية لطالبان، حكام أفغانستان، وقبل سنة سمحت لحماس بفتح ممثلية في الدوحة، بعد أن قطعت هذه المنظمة نفسها عن سوريا. وهي تمول وتساعد مليشيات إسلامية متطرفة في سوريا تعمل ضد الأسد، وهي تؤيد وتشغل مليشيات مسلحة في ليبيا مع تركيا. وعلى الطريق، استضافت الألعاب الأولمبية في الوقت الذي لها في المقابل قناة حوار مباشرة مع إسرائيل، منحتها امتياز أن تكون الصراف الآلي لحماس.

وهناك أيضاً من يدعو إلى قطع العلاقات بين قطر وحماس وهذه التنظيمات، ولكن ليس لمن يقدمون هذه النصيحة أي طريقة لتطبيق نصائحهم، وليس واضحاً ما فائدة هذه القطيعة لو احتلت دولة أخرى مكان قطر، مثل إيران، التي ستتمكن عندها من تشغيلها كما تشغل “حزب الله” أو المليشيات الشيعية في العراق. هذا مقابل الوضع الذي يمكن فيه لحماس المناورة بين مصر وقطر وتركيا، وتدير شبكة علاقات نفعية مع كل دولة من هذه الدول دون أن تكون ملزمة بأيديولوجية أو استراتيجية أي دولة منها، خلافاً للطريقة التي فيها “حزب الله” ملزم لإيران.

قطر ليست الدولة الوحيدة التي بنت لنفسها شبكة تنظيمات – عملاء، بهدف المضي بأجندة نفوذها. الإمارات مثلاً تؤيد المجلس الانتقالي المؤقت في جنوب اليمن، في تطلع منها إلى إقامة دولة مستقلة في جنوب اليمن، وهي أيضاً تمنح الدعم الكبير للجنرال السوداني المتمرد محمد دقلو (حميدتي)، الإرهابي السابق الذي كان من قادة إبادة الشعب في دارفور.

ولتركيا أيضاً مليشيات إسلامية خاصة بها في سوريا، جندت أعضاءها للحرب في ليبيا. تتضح في كل الحالات فائدة نفوذ وسيطرة قطر، التي توسطت في هذه السنة بين إيران والولايات المتحدة لاستكمال صفقة تبادل الأسرى بينهما، وهي تعمل على استئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي. قبل سنتين تقريباً، كانت قطر هي التي توسطت وساعدت في صياغة اتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان، الذي مكن من انسحاب القوات الأمريكية بصورة سلسة نسبياً. وهي أيضاً التي استوعبت آلاف المدنيين الأفغان الذين عملوا مع القوات الأمريكية واضطروا إلى إيجاد ملجأ جديد لأنفسهم، وهذا عمل حصلت على ثناء كبير عليه من الإدارة الأمريكية.

لكن سيكون من الخطأ القول إن اختبار قطر بدأ عند إطلاق سراح المخطوفتين الأمريكيتين من أيدي حماس. قطر ليست على المحك، سواء أمام إسرائيل أو واشنطن. يجدر النظر إليها كوسيط، نجاحه مرهون بنوعية البضاعة التي سيكون الطرفان على استعداد لوضعها في يدها، والثمن الذي سيوافق كل طرف على دفعه. هذه مهمة تحتاج إلى حسابات؛ فهي مهمة متعبة ومحبطة، نجحت أحياناً وفشلت في أحيان أخرى، حتى على يد وسيط موهوب مثل قطر، التي رغم جهودها لم تنجح في تحقيق مصالحة بين حماس وفتح، أو أن تؤدي إلى إطلاق سراح السجناء وجثامين الجنود الموجودين لدى حماس من فترة عملية “الجرف الصامد”. ولكن مقابل، أحداث الوساطة التي عملت فيها قطر في السابق، فإن مهمتها هذه المرة أثقل بأضعاف، كما قال حاكمها عندما عبر عن انطباعاته من أقوال الضيوف في مؤتمر القاهرة أمس.

تقف على رأس قائمة الأهداف التي وضعها المؤتمر المساعدات الإنسانية لغزة، وهذا موضوع مسؤولة عنه واشنطن ومصر وإسرائيل. إن دخول 20 شاحنة تقريباً أمس من مصر إلى غزة من معبر رفح بعيد عن أن يوفر احتياجات السكان الذين فقدوا بيوتهم وطعام عائلاتهم وعلاج مصابيهم.

بعد أن أظهر كل طرف بادرة حسن النية الإنسانية، يبدو أن ما سيعقب ذلك سيكون مرهوناً بالتسوية التي سيتم التوصل إليها، إذا كانت هناك نية لذلك، بين إسرائيل وحماس. السؤال هو: كيف يتوقع أن تدير حماس خطواتها في موضوع المخطوفين، الذي تحول من قضية إنسانية إلى مشكلة عسكرية، التي هي في الأصل استراتيجية. كسب الوقت الذي يعني تأخير الهجوم البري لإجراء مفاوضات لإطلاق سراح المخطوفين، له ديناميكية خاصة من الصعب توقع نتائجها، لا سيما على خلفية الضغط العام والسياسي في إسرائيل للقضاء على حماس مرة وإلى الأبد وعلى الفور.

هل تستطيع حكومة إسرائيل الوفاء بالطلب الذي وضعته لنفسها إذا أطلقت حماس يومياً سراح مخطوف أو مخطوفة أخرى؟ في هذا الشأن، لا يمكن لقطر أن تقرر بدلاً من حماس، مثلما لا يمكن لواشنطن أن تقرر بدلاً من إسرائيل. هذه ليست المعضلة الوحيدة. إضافة إلى المساعدات السياسية والأمنية والدعم والتأييد السياسي والأخلاقي غير المسبوق الذي حصلت عليه إسرائيل من أمريكا، أوصى الرئيس بايدن إسرائيل بالتعلم من أخطاء الولايات المتحدة وليس تكرارها حين قصد الاحتلال الفاشل للعراق وأفغانستان. فقد كان للولايات المتحدة على الأقل جهة تسلمها هذه الدول عندما قررت الانسحاب منها بتأخير مأساوي. أما إسرائيل فليس لها استراتيجية لليوم التالي، أو دولة أو تنظيم لتسلم غزة منها.

 

 تسفي برئيل

هآرتس 22/10/2023









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي