هآرتس.. قبيل الحرب: استخبارات إسرائيل.. بين تقديرات خاطئة وتهميش الإنذار المصري

2023-10-21

هناك أسباب استخبارية وتكنولوجية لهذا العمى، لكن فوقها جميعاً فشلاً أساسياً، وهو أنه لا أحد تخيل في إسرائيل خطة عسكرية من حماس (أ ف ب)ما الذي أدى إلى مفاجأة مطلقة للجيش والاستخبارات صباح 7 تشرين الأول الفظيع؟ كيف حدث أن فشلت منظومة الرقابة المتقدمة التي نشرتها إسرائيل حول قطاع غزة وداخله ولم توفر الإنذار المصيري الذي كان يمكن أن ينقذ حياة الكثيرين؟ بالتأكيد هناك أسباب استخبارية وتكنولوجية لهذا العمى، لكن فوقها جميعاً فشلاً أساسياً، وهو أنه لا أحد تخيل في إسرائيل خطة عسكرية من حماس.

محمد ضيف ويحيى السنوار خططا لهجوم بهذا الحجم اللوائي على جميع مواقع الجيش الإسرائيلي ومستوطنات الغلاف بهدف قتل أكبر عدد من الإسرائيليين واختطاف مئات النساء والأطفال إلى غزة، والتنكيل بالضحايا وزرع الخوف في قلوب من بقوا وجمع معلومات من قواعد الجيش. هذه هي المهمة التي خطط لها قادة حماس، والتي قاموا من أجلها بتدريب وتسليح رجالهم وجمعوا المعلومات لهذه العملية ولاحظوا التوقيت الذي تكون فيه يقظة إسرائيل في الحضيض، في نهاية الأعياد. وحافظوا على أمن المعلومات واستخدموا خطة تضليل ناجحة: القيادة السياسة والأمنية في إسرائيل، بدءاً بنتنياهو فمَن دونه، كانت على قناعة بأن حماس خائفة وتنشغل بالنمو الاقتصادي، وليس في الإعداد لعملية غزو.

إن تعاظم قوة حماس لم يقتصر على الأنفاق وفي الظلام؛ فمخربوها تدربوا بشكل علني في وضح النهار، ولاحظ الطرف الإسرائيلي وتابع أنه وحدات مشاة في غزة تبنى وتتدرب على القتال. ولكن الجيش الإسرائيلي افترض أن قوة حماس تبنى لمحاربة الجيش الإسرائيلي، وقوات النخبة ضد “غولاني”، واعتبروا ذلك إشارة إلى تمأسس حماس وتحولها من منظمة إرهابية إلى جيش نظامي. لم تدرك إسرائيل أن مواجهة الجيش ستكون مهمة ثانوية، وأن الجهود الأساسية ستكون مذبحة عامة لمدنيين في بيوتهم ومهاجمة احتفال في الهواء، على طول كل القطاع في الوقت نفسه.

هكذا عملوا على المستوى التنفيذي عندما حيّدوا مواقع المراقبة واحتلوا القيادات لشل المعلومات الحربية وقيادة للجيش الإسرائيلي وسيطرته، وإبقاء المستوطنات المدنية عديمة الحماية، وهكذا عملوا على المستوى التكتيكي في المستوطنات التي هاجموها. وضعت على المدخل خلية مشاغلة لمنع وصول التعزيزات، وانتقلت القوة الأساسية من بيت إلى بيت ورجالها قتلوا واغتصبوا وأحرقوا ونكلوا واختطفوا.

هذا السيناريو الفظيع لم يلاحظه أحد في إسرائيل كهدف عسكري للعدو. الأحداث التي استعد لها الجيش الإسرائيلي كانت تشبه أحداث الحرب السابقة في 2014: اقتحام قوة صغيرة عبر نفق، ثغرة في الجدار أو عبر قوارب من البحر لموقع إسرائيلي، وربما مستوطنة أو مستوطنتين من أجل قتل واختطاف جنود ومدنيين. وحسب هذا السيناريو، فقد تم نشر القوة الصغيرة لفرقة غزة وتدرب القادة والجنود على ذلك. افترضت هيئة الأركان أنه سيكون هناك إنذار كاف، وأن العائق تحت الأرض والجدار سيحبطان أو يؤخران هجوماً واسعاً، وأن سلاح الجو سيأتي بسرعة من أجل المساعدة.

علمنا فيلسوف العلم كارل بوبر، أن القصة تسبق الوقائع، وكل معرفة جديدة تبدأ بفرضية أولية تعطي أهمية للتفاصيل. عندما لا نفهم القصة، فسوف نخطئ في تفسير الوقائع. كان يمكن أن نشاهد تدريبات حماس وأن نقدر مهنياً مستوى القوات في غزة ومستوى التسلح والمعدات. ولكن إذا أخطأنا في الاعتقاد بأن هذه القوة بنيت لتقاتل ضد الجيش الإسرائيلي أو في عملية صغيرة ومحلية، فمن السهل الاستخفاف بالعدو الذي يرسل سيارات التندر والدراجات والحوامات ضد الدبابات وناقلات الجنود المدرعة وسلاح الجو. إذا فهمنا أن حماس بنت جيشها للانقضاض على المدنيين العاجزين، وأن الاقتحام سيكون في كل القطاع وليس في نقطة أو نقطتين، فإن التهديد الكامن فيه أخطر بكثير.

لو فهمت إسرائيل أن حماس تعدّ لمذبحة واختطاف جماعي وليس مجرد حادثة أخرى جديدة على الحدود، لكان إنذار مصر بأن هناك “شيئاً كبيراً سيحدث في غزة” والأنباء المقلقة التي تدفقت إلى “الشاباك” والاستخبارات العسكرية عشية الاختراق ستأخذ معنى مختلفاً تماماً. ولكنهم فوتوا الفرصة ووضعوا الإنذارات جانباً، حتى وصلنا إلى الكارثة بعيون مغمضة.

 

ألوف بن

 هآرتس 20/10/2023









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي