البشرية على كف عفريت في قصص «أطفال آليون»

2023-08-23

موسى إبراهيم أبو رياش

مستقبل قاتم ينتظر البشرية، تحذر منه مجموعة «أطفال آليون» للقاص السوري محمد إبراهيم نوايا؛ إذ تصوّر قصصها الست عشرة، اعتمادا على الفانتازيا والخيال العلمي، مصائر دستوبية سوداوية لا فكاك منها إذا استمر البشر على هذه الوتيرة من اللهاث خلف التقدم العلمي، دون ضوابط أو أخلاقيات، ودون تبصر بعواقب ومآلات هذا التقدم الذي قد يقودنا إلى الهاوية. تتناول قصص المجموعة مصير الإنسان وبرمجته والتحكم فيه، ومصير الأرض ودمارها، وتغوُّل الآلة على الإنسان. وتحاول هذه القراءة تسليط الضوء على مصير الإنسان والأرض، في ظل سطوة الآلات الذكية، وانفلات التطور العلمي.

برمجة الإنسان

في قصة «عيون لاصقة»، يتم تركيب عدسات إلكترونية، يتم التحكم من خلالها برؤية البشر وتوجيههم حسب أوامر وتعليمات السلطة الحاكمة، أي أنهم يرون الناس والأشياء كما يُراد لهم وليس على حقيقتها، وبعد جرائم لا إنسانية ضد دولة جارة، تتكشف الحقائق، وتثار ضجة عالمية، والمفارقة أنه عندما تعطل نظام العدسات، ورأى الناس الأمور على حقيقتها الواقعية، ثاروا مطالبين بإصلاح النظام؛ والإبقاء على العدسات. وتشير قصة «Anti-Virus» إلى خطورة الأفكار على السلطة؛ حيث يطلق الباب الإلكتروني في المطار صوتا على الرغم من أنه أخرج كل شيء معه، وحتى بعد خلع ملابسه كلها، ومع ذلك لم يتوقف الصوت، فاضطروا لاعتقاله والتحقيق معه، وبعد إجراء فحص دقيق بالأجهزة، يقول له المحقق: «لا تخف، ستخرج من هنا قريبا؛ علينا أولا سحب ذاكرتك لفحصها، ووضعها على قارئ إلكتروني خاص لتحديد مصدر هذه الأفكار لمعالجتها من جذورها، ثم سنقوم بعملية فرمتة لكامل عقلك، وتنصيب برنامج للحماية حديث ومضمون؛ غير قابل للاختراق». وتحذر قصة «عالم محاذٍ» من قضية استبدال الأعضاء، خاصة الأدمغة بين شخص وآخر؛ من أجل تحكم القوى المسيطرة وتحقيق مصالحها دون معارضة، وكلما اصطدمت بعائق بشري، ما عليها إلا استبدال دماغه.

إن برمجة البشر، لم تعد خيالًا، بل واقعا معاشا، ليس شرطا عن طريق عدسات إلكترونية، أو استبدال أعضاء أو برمجة الذاكرة؛ فثمة ألف وسيلة لذلك؛ منها الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والفنون والنمط الاستهلاكي، وتوجيه أنظارهم تجاه نجوم التفاهة والسفاهة، وإشغالهم بما يزيدهم تيها وضياعا، وتسويق الأغذية والأدوية وأنماط الحياة التي تضعف أجسادهم وعقولهم، وتحولهم إلى خيالات لا خوف منها، بل لا قيمة لها، فهي مجرد أرقام صفرية تتناسل دون تأثير. أما استبدال الأعضاء، في قصة «عالم محاذٍ»، فليست بعيدة عن الواقع، وربما يتحقق ما تحذر منه قريبا، إن لم يتحقق فعلا في المختبرات. ومجرد تخيل شيوع هذا الأمر يجعلنا نعيش في رعب وربما نتساءل مثل بطل القصة: «ما الذي يجري؟ من أنا؟».

اختلال الأرض

في قصة «تجاذب» يُحلّق البشر والأشياء في الفضاء، يتبعثرون ويتباعدون، وتبقى الجبال والأشجار والأبنية في أماكنها، ويحاول بطل القصة أن يحلل السبب دون نتيجة، وعلى النقيض منها، ولكن المصير ذاته، قصة «صعود»، يلاحظ بطل القصة صعود أحدهم إلى سطح بناية عالية، ثم يلقي بنفسه إلى الأرض منتحرا، ووسط ذهوله يتتابع المنتحرون من أعلى العمارات الأخرى، وعندما يحاول النزول إلى أسفل تجنبا لمصير الآخرين، تمسك به الجاذبية، وعبر نافذته المرتفعة ترشقه على الأرض.

يترك القاص لخيال القارئ أن يعلّل السبب؛ هل هو العبث بالأرض وجاذبيتها؟ هل هي قوى خارجية تسحب الناس أو تهوي بهم؟ أم هناك شيء آخر؟ أيا كان السبب فالمصير ضبابي. نعم، هو مجرد خيال علمي، لكنه يُحذر من العبث، والخروج عن نواميس الكون، وخطورة توظيف العلم لتدمير البشر.

تتناول قصة «غروب مُشرق»، بناء جدار عازل بين الشرق والغرب بارتفاع آلاف الأمتار، مزود بكل التقنيات المتطورة، وعند افتتاح العمل بالجدار، توقفت الأرض عن الدوران، واحتكر الغرب الشمس، وما هي إلا أيام، حتى بدأت كوارث طبيعية لم يتنبأ بها زعماء الغرب، مثل البراكين والزلازل وارتفاع أمواج البحر والأعاصير المدمرة، والفيضانات، وانتشار الأمراض والأوبئة، وحدوث المجاعات، وأدى كل ذلك إلى نشوب الحروب، وما لبث الجدار أن تهدمت معظم أجزائه، ولكن المفاجأة الأكبر، أن الأرض أعادت حركتها باتجاه معاكس. وفي قصة «ثقب أسود» ترتفع درجات الحرارة بشكل كبير، وتتعرض الثلوج للذوبان، ووسط ذهول بطل القصة، يطل الرئيس مبشرا بأنهم نجحوا في تحرير الأرض من سيطرة الشمس، وأنها ستنطلق في الفضاء في مدار جديد بين المجرات.

تحذر القصتان من المصير المجهول للأرض وسكانها بسبب جنون البعض وعبثيتهم، وتلاعبهم بنواميس الكون، ظانين أن لهم الحق المطلق في الاختيار والاحتكار، وإن كان على حساب القوانين والحقائق الكونية؛ فالإنسان مخوَّل باستثمار خيرات الأرض لمصلحة البشرية، ولكن ليس له الحق أن يتعدى حدوده، ويحاول السيطرة على الأرض نفسها حسب أهوائه ورغباته.

في قصة «دوران»، يصل إنسان إلى كوكب زحل قادما من المشتري، ولكن موظف الجوازات يستوقفه، ويمنعه من الدخول، بعدما حلّ في الأرض من حروب وانفجارات وتفجر الكوكب وتبعثر أهله في الفضاء، ونجاة القليل منهم، ويقول له: «للأسف، قانون المجرات الذي نلتزم به؛ يتعامل مع جميع الناجين من كوكب الأرض كمصدر خطر وتهديد كوني محتمل، ولا يوجد أي طريقة نستطيع إدخالك بها»، والمشكلة أنه لا يستطيع العودة إلى المشتري، ما يعني أنه سيبقى دائرا بين الكواكب، دون أن يجد مستقرا؛ فمن يؤوي كائنا ملوثا، يمكن أن يسبب العدوى للآخرين!

تحذر القصة من عاقبة الصراع بين الدول، وهيمنة الدول الكبرى وفرض سيطرتها على الآخرين، وأن أسلحة الدمار الشامل، قد تؤدي إلى تدمير الجميع دون تمييز، وقد تحدث أضرارا غير محسوبة تنتج، كوارث عظيمة لا يمكن السيطرة عليها، وأن سكان الكواكب الأخرى – إن وجدوا – لن يشفقوا علينا، بل سيعتبروننا أمراضا وأوبئة يجب تجنبها والقضاء عليها.

تغوُّل الروبوتات

يؤسس الروبوتات دولة مستقلة مقتصرة عليهم في قصة «روبوتيا»، ولما يحاول سامر اللجوء إليها هربا من النزاعات العرقية والطائفية والإقليمية بعد أن سُدَّت في وجهه أبواب الهجرة إلى أوروبا، يتدارس المجلس الأعلى للدولة طلب سامر، ثم أصدر قرارا من أجل سامر ومن سيتبعه من البشر: «أي إنسان يريد الدخول إلى روبوتيا بغرض اللجوء أو الإقامة، عليه أن يتعلم مسبقا؛ كيف يصبح روبوتا». ويحاكم أحد البشر في قصة «تكافؤ»، بتهمة القتل العمد، من قبل محكمة الروبوتات، لتفكيكه أحد الروبوتات، وحضه على العنف، وإخلاله بالسلم المجتمعي والمساواة بين الكائنات.

في قصة «USB» يُزرع مسمار معدني لتجبير كسر لأحد الرجال بعد ممانعة وتردد، وبعد فترة يلاحظ أن رجله المزروعة بالمسمار أصبحت ثقيلة بلون معدني، ومع الأيام تتحول رجله الأخرى للون، وهكذا تدريجيا إلى أن تحول كلية إلى رجل معدني، ليس هو فحسب، بل حتى الحشرة التي كان يهشها عن أنفه.

المفارقة في هذه القصص؛ أن الروبوتات التي صنعت لخدمة البشر، أصبحت تتحكم بهم، وتضع شروطها لقبولهم تحت سلطتها، ولا تقبل أن يحتفظوا ببشريتهم، وربما ذلك يذكرها بصانعها الأول وصاحب الفضل عليها، ولا تقبل بأي تدخل من طرف الإنسان بشؤونها. والواقع، أن كثيرا منا يتصرف كالروبوت، تتحكم به الآلات ولا يخرج عن سيطرتها، ولا يستطيع العيش دونها؛ فكم نسبة البشر الذين يستطيعون العيش دون أجهزة خلوي وإنترنت وسيارات وثلاجات ومكيفات و…؟

ويبدو أنه بدلًا من زرع المشاعر الإنسانية في الرجال الآليين، من الأسهل تحويل البشر إلى آليين لتحقيق المساواة، وسهولة البرمجة والسيطرة من السلطة الحاكمة على رعيتها التي ستتحول إلى قطيع مطيع.

وبعد؛ فإن قصص المجموعة الصادرة في عمّان، عن الآن ناشرون وموزعون، نجحت في إيصال رسالتها التحذيرية بصوت مرتفع صاخب، وأدخلت القارئ في أتون مشاهد مستقبلية سوداوية، تنذر بكارثة للأرض والبشر إن لم يتكاتف العقلاء في كل المجالات وفي كل مكان لكبح جماح التطورات العلمية غير المنضبطة، التي قد تنفلت من عقالها، وتصبح وبالا على البشر، وتجعل مصيرهم على كف عفريت.

كاتب أردني







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي