رواية «حكاية صفية»: صراع الشرف والإنسانية

2023-08-22

رند علي

مبارزة عنيفة بين الشرف والقيم الإنسانية ترفع الستار عن حلبتها الكويتية ليلى العثمان في روايتها «حكاية صفية» الصادرة حديثاً عن (دار المدى) فيجد القارئ نفسه تارةً يتعاطف مع صفية، وأخرى يستنكر أفعالها، والسؤال هنا هل من الممكن (لمرض) زيادة النشاط الجنسي ان يدفع المصاب به إلى التنكر لجميع القيم المجتمعية والعائلية والدينية؟ وإني أضع كلمة (مرض) بين قوسين عمداً، لأن ما أصاب البطلة هنا ليس شيئا طبيعيا فهي طفلة تولد بجسد مشتهي، منذ عمر مبكر ويكبر هذا الجسد وتكبر طموحات صفية معه، فليس للعاطفة دور في حياتها فهي كائن دائم البحث عمن يلبي رغباتها الجنسية منذ طفولتها.

مقابل هذا كله نجد ان العائلة المتمثلة بالأب والأم والأخ عاجزة تماماً عن فهم هذه العلة، وقد حاول الأب معالجة هذا الأمر بالضرب المستمر والتجويع حتى الموت ومحاولة قتل ابنته برميها من السطح على الأشواك، كلها طرق تعذيب تخلو من الرحمة، فإلى متى تستمر جرائم الشرف في مجتمعنا؟ هل هناك نهاية لقتل النساء بحجة الشرف؟ «كلما كبرت صفية سنة صارت أكثر تمرداً، أمي تحتملها وتتستر على شكمها، بينما غضب أبي يكبر، معتبراً هذا التمرد تحدياً لسلطته وقدرته على شكمها، فيضاعف من قسوته وطرائق تعذيبه لها. كنت أعجب كيف تحتمل أختي كل هذه الصنوف من العذاب الذي يحيق بعظامها، بجلدها، بمنابت شعرها الذي كان أبي ينتزع منه خصلاً ويلقيها من يده ساخطاً متوعداً أنه سوف يحشه لتصبح قرعاء وتخجل من اللعب في الشارع. كل هذا لم يؤثر فيها ولم يصلح أعوجاجها». ورغم أن الكاتبة رسمت شخصية بطلتها تخلو من الشعور بالمسؤولية تجاه عائلتها والمجتمع، إلا أن ما تعرضت له من أبشع طرق التعذيب قضى على مستقبلها تماماً عندما زجت ثلاثين عاماً في السجن بأمر من والدها،.وكانت السجون الكويتية قبل سنة 1955 تستقبل النساء اللاتي يزج بهن أولياء أمورهن في السجن خوفاً عليهن من القتل، في مجتمع لا يتسامح مع انتهاك الشرف. اعتدنا السجن كأنه صار بيتنا الأبدي. نمارس فيه شهواتنا التي صارت مشتركة وألعابنا التي لا تفتأ أم عنبر تخترع ما يطرأ على بالها. نمارس استعادة سنوات مضت مليئة بأفراحها وأتراحها وحسراتها فتتساقط الدموع، التي رغم غزارتها لا تجرف الحزن للأبد بين خياشيم الضلوع تظل مثل مطر محبوس بانتظار أن يكبر غيم أرواحنا الداكن حتى يجد له فجوات لينهمر منها».

وحكاية صفية هي بمثابة جرس تنبيه وتوعية (إن لكل جسد غرائزه ودرجة نشاط معينة، فينبغي على الأهل التعامل مع أجساد بناتهم وعقولهن بوعي أكثر، فالضرب والحبس والتجويع وكل هذه الجرائم البشعة ليست حلاً للقضاء على هذه الفورة الجنسية، بل التعامل مع هذا الموضوع الحساس بعقلانية أكثر من خلال عرض المصابات بهذه العلة على الأطباء المختصين وتهذيبهن اجتماعياً ودينياً).

الزمن الداخلي للنص هو الماضي، ولغة الرواية سهلة وبسيطة تتخللها بعض الألفاظ العامية، وتجري أحداث الجزء الأول منها على لسان السارد الغائب العالم بكل شيء، بالإضافة إلى الأخ الأصغر لصفية هلال المتعاطف مع اخته، أما الجزء الثاني، فتسرد أحداثه صفية نفسها، التي تفتح فيه ملف جرائم السجون وما يحدث فيها من علاقات محرمة واغتصاب وشذوذ بين الضباط المسؤولين والسجينات عالم من السقوط، ومن أهم ما يميز الرواية انها لم تستطرد بوصف المشاهد الجريئة، بل اكتفت بتوصيل الفكرة بجمل بسيطة.

وفي النهاية هل تستحق صفية بكل ذنوبها أن تقضي زهرة شبابها في السجن، بعيداً عن الحياة بكل ملذاتها؟ بالتأكيد أنها سارت عكس التيار في البلدان الشرقية المتحفظة، وكانت شخصية بوهيمية فالرواية تخلو من أي لحظة تفكير منطقي لبطلتها لكن مع ذلك لا تستحق صفية كل العذابات التي مرت بها، وما واجهته من حقد وكره من والدها حفزها أكثر على الانحدار إلى المستنقع.

كاتبة من العراق








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي