مستقبل الماركسية: ترويج إعلاني لمنتجات رديئة الجودة

2023-08-01

عاطف محمد عبد المجيد

في مقدمته لكتابه «مستقبل الماركسية» الصادر بترجمة زين العابدين سيد عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر في القاهرة، يقول أندرو ليفن إنه مهما كانت صحة الادعاء بأن فكر ماركس قد تلاشى منذ زمن في الثقافة الفكرية السائدة، وأن كل شيء آخر قد ثبت خطؤه، من خلال الشك المنطقي، إلا أن تراث الماركسية كان شديد الثراء.

بداية يتساءل ليفن قائلاً هل للماركسية مستقبل؟ ويجيب أن هذا السؤال يبدو مفرطا في الرومانسية، في وقت من الصعب فيه أن يكون لها حاضر، خاصة والكل يدرك في هذه الأيام أن الماركسية قد عفا عليها الزمن، ويواصل فيقول إنه بالرجوع إلى فترة الثمانينيات كان البعض يؤمن بالماركسية، في ما كان البعض الآخر يصب عليها اللعنات، لكن أحدا لا يجادل في أنها ستظل جزءا لا يتجزأ من التركيبة السياسية والثقافية لفترة غير محدودة، وقد تعرضت الماركسية لعدة أزمات آنذاك، لكن زوالها لم يكن متوقعا. أيضا يؤكد ليفن أن الماركسيين التحليليين أكثر من خصومهم التقليديين أو المعاصرين، اكتشفوا أو أعادوا اكتشاف كل ما هو حيوي في الفكر الماركسي، وبالنسبة لهم كان التحول شيئا ضروريّا إذا أرادوا أن يستمروا في عمل ماركس. مستقبل الماركسية كما يراه ليفن كحاضرها يعتمد على الثقافة السياسية المحيطة التي توجد في سياقها، وفي الوقت نفسه نجد أن الثقافة السياسية اليوم قد تشكلت، إلى حد ما، من خلال ماضي الماركسية. ويعترف ليفن بأنه ليس لديه ما يقوله بخصوص وضع الماركسية اليوم، غير أنه سيغامر بعرض بعض الملاحظات على الموقف العام التي ينغمس حاضرها في طياته.

تدهور الفكر السياسي

كذلك يؤكد ليفن أنه من الإنصاف القول إنه في السنوات الأخيرة، أو الألفية المنصرمة، أخذ الفكر السياسي، في كل مكان، في التدهور، إضافة إلى الادعاء الذي يقول إن المؤسسات السياسية في الغرب دخلت عليها تعديلات جذرية، وكان هذا تطورا كبيرا، ومفاجئا، وربما يكون أكثر وضوحا من سقوط الماركسية المدوّي. وكما هو الحال في التاريخ الإنساني من قبل، على حد قول ليفن، ستعود عقارب الساعة إلى الوراء، لكن في حالة تفادي الكوارث الخفية، وسرعان ما تطل التغيرات الهائلة برأسها، ولأن الفكر السياسي متقلب، يصبح العالم عرضة للمخاطرة بشكل يفوق الذي تكالبت عليه في السنوات القليلة الماضية. من جهة أخرى يرى ليفن أن التدني الذي ألمَّ بالحياة السياسية في وقتنا هذا واضح تماما، لاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصبحت المنافسة الانتخابية شبيهة بالترويج الإعلاني لمنتجات رديئة الجودة. وفي أغلب الأحوال وحسب الفكر التقليدي، كما يقول ليفن، نجد أن الجانب الإيجابي من الماركسية، تم استيعابه في الفكر السائد، أما الجانب الآخر وهو التوافه والمهاترات التي كانت في يوم من الأيام موضع اهتمام لم يعد يُلتفت إليها، واليوم يوجد التقدميون الذين يعتقدون أن كل أفكار اليسار تستحق الخلود، وسرعان ما تأصّل هذا المعتقد في الفكر السياسي، وبالتالي يصبح اليسار، أو اليسار الجديد هو الضحية، ليس بسبب فشل الفكر، إنما بسبب نجاحه. هنا أيضا يرى ليفن أنه ربما ينتعش الاهتمام بالماركسية، في حالة تغير الظروف، وقد يكون هذا أساسا لنهضة ماركسية جديدة، وعلى الرغم من وضع الماركسي في خانة سيئ السمعة، في كل مراحل الماركسية التاريخية، ربما تكون الاتجاهات الحديثة في الفلسفة الماركسية بداية لتجديد النظرية الاشتراكية. في «مستقبل الماركسية» يتحدث ليفن عن الثورة الفرنسية، التي يقر فيه بأنها كانت حدثا ذا أهمية تاريخية للنظرية السياسية، وقد أقرت الثورة الفرنسية مبدأ تكافؤ الفرص والوظائف المتاحة للموهوبين، مثلما يذكر أن الاشتراكيين دافعوا عن مبدأ المساواة أكثر مما دافع عنه الليبراليون، وقد أظهرت الماركسية ازدواجية وتأرجحا في ما يخص مبدأ المساواة، وهو أحد الأهداف الثلاثة التي أعلنها الثوريون وهي الحرية، المساواة، الإخاء.

الاشتراكية العلمية

ليفن يرى أيضا أنه من سوء الحظ أن مصطلح « الاشتراكية العلمية « قد استخدم بشكل سيئ في القاموس الاشتراكي بين عامي 1870 و1880، عندما توقف ماركس ليصبح اتجاها واحدا فقط بين الآخرين في سياق الحركة الاشتراكية الواسعة، ليصبح شكلاً شموليّا لفكرة كاملة المعالم سُميت بـ»الماركسية» التي تقيّد بها معظم الاشتراكيين، وحدد الآخرون مواقفهم ضدها. وقد تعايشت الاشتراكية العلمية مع الفكرة القائلة بأن التاريخ يكون مفهوما فقط بشكل غائي، وهي فكرة تم اقتباسها من هيغل، الذي يُوصف فكره بأنه غائي وعلماني. في السياق ذاته يقول ليفن إن الماركسيين التحليليين، على عكس ماركس وإنجلز وألتوسير، لم يهتموا على الإطلاق باختلاف رؤيتهم عن رؤية أصحاب الاتجاهات الاشتراكية الأخرى.

وفي حديثه عن اليسار الجديد يرى أن ظهوره كان مفاجئا في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، غير أنه تألق على نطاق ضيق قبل أن يهوي إلى عالم النسيان في السبعينيات، ومع بداية عهد ريغان، ثاتشر، أصبح في عداد الموتى. لقد كان اليسار الجديد، يقول ليفن، أثرا فكريّا لأناس يتميزون نسبيّا بفضل مرجعيات فكرية وثقافية عن الجيل الذي ولد في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وطرق أبواب المراهقة في آخر أيام المد الرأسمالي بعد الحرب. في «مستقبل الماركسية» يتحدث أندرو ليفن عن اليسار الأخير، عن ألتوسير والفلسفة، عن الماركسية التاريخية، وعن التحول التحليلي، مؤكدا أنه إذا كان هناك فريق يؤمن بالماركسية، فهناك أيضا فريق يُلحق بها اللعنات، وسوف تظل جزءا من الواقع الثقافي والسياسي لأمد غير معين. ونهايةً، ورغم أن الكتاب ممتع ومفيد في مجاله، إلا أنه يحمل جانبا مؤلما بالنسبة لي على الأقل، وهو أنه صدر بعد رحيل مترجمه الذي اجتهد ليصل إلى القارئ بهذا الشكل الجيد. لقد رحل المترجم الشاب زين العابدين سيد قبل أن يرى ثمرة جهده الذي استمر لأيام طويلة هي مدة ترجمته لهذا الكتاب.

كاتب مصري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي