في كتاب «الحياة مشيا تحت سماء أريحا»… ملامح المدينة وبدايات الكاتب

2023-07-10

في كتاب «الحياة مشيا تحت سماء أريحا»… ملامح المدينة وبدايات الكاتب

موسى إبراهيم أبو رياش

صدر حديثا للكاتب الأردني/الفلسطيني محمود الريماوي كتاب «الحياة مشيا تحت سماء أريحا/ جوانب من سيرة ذاتية/موضوعية» عن دار فضاءات في عمّان، متضمنا عتبة وواحدا وتسعين عنوانا، توزعت على 217 صفحة.

في عتبة هذه السيرة يوضح الريماوي عزوفه – سابقا – عن كتابة سيرته الذاتية لأسباب عديدة منها: أسوة بعشرات المبدعين الكبار؛ الذين يرون أن «سيرة المبدع تتسرب إلى نصوصه، وأن تلك النصوص تعكس شخصيته وعالمه الداخلي وتحولاته وتجاربه الواقعية والروحية في الحياة». وسبب ثانٍ أن كتابة السيرة تُشعر الكاتب بنهاية المسيرة وأن لا متسع للإنجاز. وسبب ثالث أن بعض النقاد يشككون في فن السيرة الذاتية، وأنها لا تخلو من تخييل ومخاتلة وتكتب بوعي الراهن؛ متهمة في موضوعيتها ومصداقيتها. وسبب رابع أنه شاع أن السيرة الذاتية لا بد أن تتضمن اعترافات جريئة، أي أنها تتطلب قدرا من الإثارة، وهذا ما يعارضه الريماوي، فالكاتب لا يجلس على كرسي اعتراف، ومن حقه أن يكتب ما يراه مناسبا ومؤثرا في حياته. وسبب خامس وأخير ميل بعض كتبة السيرة الذاتية إلى النرجسية وتضخيم الذات، وأن حياتهم في غاية الأهمية، زاخرة بالإنجازات. ويعلل الريماوي عدوله وكتابته سيرته الذاتية على الرغم من الأسباب السابقة؛ أن هذا الكتاب جاء تحية لمدينة «أريحا» التي عاش فيها طفولته وفتوته، وهي أقدم المدن المأهولة في التاريخ، وعانت من الاحتلال الصهيوني البغيض، وضمت بين جنباتها مخيمات اللاجئين. والسبب الثاني أن حوارا في مجلة «نزوى» العُمانية نبش بعض سنوات عمره الأولى وحياته وظروفها، فانفتحت سيرته، وكان لا بد لمزيد من الإضاءات والتفاصيل.

ملامح أريحا

من يقرأ سيرة الريماوي، يلاحظ بوضوح أنها تختلف عن كثير مما عهده من السير الذاتية، وهذا ما أشار إليه في عتبة الكتاب بقوله: «أقوم بالتعريف بنفسي من خلال المكان، وعبر نمط الحياة في المدينة، وكذلك من خلال الآخرين الذين عايشتهم من قرب وبدرجات متفاوتة». فهو لا يتحدث عن نفسه بشكل مباشر، ولا يعنيه تسليط الضوء على ذاته، ولا يحفل بإنجازاته، ولا مركزية له في النص، فهو جزء من كل، ولا وجود له بغيره، معني أن يتحدث عن أريحا المكان والإنسان والثقافة والطقوس والألعاب والعادات، يتحدث عن حركة الحياة في أريحا ببساطتها وأريحية أهلها ومتانة نسيجها الاجتماعي رغم تنوعه. تحدث الريماوي عن بعض الألعاب التي كان يمارسها مع أقرانه مثل: كرة القدم، المشي على حافة جسر ضيق، سيارة الأسلاك، لعبة الإكس، الحبلة، الأرجوحة (المرجيحة) صيد العصافير، البحث عن إبليس، الدراجة الهوائية، وغيرها. كما تحدث عن صندوق العجب، وباعة الترمس والأسكيمو والبوظة والهريسة، وعن الراديو الكبير في المنزل، ثم راديو الترانزستور والتلفزيون، وعن النوم على السطح، وعن موت زميله، وعن جغرافية أريحا وبساتينها ومستنبتها وأشجارها وأمطارها وواديها الذي يفيض شتاء ومدارسها ومطاعمها ومتنزهاتها ومقاهيها ودور السينما فيها ومخيماتها، وتناول بعض الشخصيات التي علقت في الذاكرة، وجانبا من طقوس أهل المدينة ونشاطات أهلها وبعض عائلاتها وتجاراتهم، وأخيرا هزيمة 1967 التي قذفتهم شرقا.

بدايات القراءة والكتابة

في كل ما سبق، كان الريماوي ساردا وموثقا، وفي بعض الأحيان مشاركا، وبرز بوضوح واستقلالية في حديثه عن القراءة والكتابة وعلاقاته مع بعض الكتاب، حيث كانت بداياته مع القراءة في سن التاسعة، عندما كان يقلب الصحف القديمة في دكان جده، ويقرأ الحكايات والخواطر والتعليقات، ويطلع سريعا على صحيفتي «الدفاع» و«الجهاد» اليوميتين. وفي أواخر الخمسينيات صدرت صحيفة «المساء» المسائية، فأرسل لها مشاركة، سرعان ما نشرتها مذيلة باسمه وعنوانه، وتشجع وأرسل عددا من المشاركات نشرت جميعها، ولاقت استحسان وثناء والده وتشجيعه. وبعد توقف صحيفة «المساء» صدرت في أوائل الستينيات صحيفة «عمان المساء» فأرسل إليها الريماوي مشاركاته فنشرت كلها، ولا ينسى الريماوي أن يذكر فضل نشأت جميل شاكر، الذي شجعه واهتم بما كتب ونشر له في «عمان المساء». وحدثت الانعطافة نحو القصة القصيرة، إثر تلقيه رسالة من الأديب خليل السواحري، ينصحه بكتابة القصة القصيرة لما لمس لديه من موهبة، وأرسل إليه الريماوي قصته الأولى فنشرها السواحري في صحيفة «المنار» مع نقد قاسٍ، وكانت بداية لصداقة جمعته مع السواحري. ويصف الريماوي شعوره بالغربة في مدينته الجميلة المنسية «أريحا» وأنه لا يجد من يتبادل معه الآراء والانطباعات والاهتمامات الأدبية والثقافية، يقول: «بت شخصا حالما وأثيريا، أعيش في مكان بعينه، بينما تهيم روحي في فضاءات بلا حد. وأخذت أعيش مع ما أقرأ وأتخيل، بأكثر مما أعيش حياتي الواقعية». وأثر ذلك على دراسته وطعامه وتوجهه نحو التدخين، إلى أن أدرك أن الصداقة يجب أن لا تكون متطلبة، وأن خصلة إيجابية واحدة تكفي لبناء صداقة، ووجد ضالته مع صديق أرمني كان مرحا محبا للحياة.

صداقات أدبية

ويذكر الريماوي عن إصداره وزميله في المدرسة محمد الملكاوي صحيفة «الرسالة» الحائطية لمدة سنة دراسية، وبعدها مجلة «الرسالة» التي صدر منها عدد وحيد بأربع وعشرين صفحة. وتحدث عن مفاجأة كبيرة عندما زاره في أريحا صديق المراسلة فايز محمود وصديقه محمود كساب قادمان من المفرق، وكانت مفاجأة أيضا لفايز محمود أن وجد الريماوي «مجرد ولد ويستقبله بالشورت» لكنها صداقة امتدت وتجذرت حتى وفاة فايز محمود.

ويبدي الريماوي إعجابه بمقالات أمين شنار في صحيفة «المنار» التي «تنبض بالشاعرية المرهفة وتزخر بالبلاغة الحديثة» ثم إصداره مجلة «الأفق الجديد» حيث تتسم افتتاحياته فيها «بنزعة ناقدة حداثوية مع لغة كلاسيكية مشرقة» فزاره في مكتبه في القدس، فاستقبله أمين شنار ببشاشة وترحاب، وحدثه الريماوي عن إعجابه بما يكتب، ورغبته بالنشر في «المنار» فرحب شنار بذلك ونشر له. ثم زاره ثانية بعد شهر، وتعرف عنده إلى الشاعر فايز صباغ، حيث ترافقا في طريق العودة؛ الريماوي إلى أريحا، وصباغ إلى عمّان.

وذكر الريماوي أنه قرأ قصصا لرشاد أبو شاور في صحيفة «القدس» التي يعمل فيها القاص محمود شقير محررا أدبيا، وبعد ذلك علم الريماوي أن رشاد أبو شاور يقيم في مخيم «النويعمة» في أريحا، فتواعدا والتقيا وتعارفا وتبادلا الحديث والأخبار والريماوي آنذاك في السابعة عشرة ورشاد في الثالثة والعشرين، وربطت بينهما صداقة متينة ما زالت إلى يومنا هذا.

وتحدث الريماوي عن مخيم «عقبة جبر« المجاور للمدينة، والذي خرجت منه أسماء لامعة كثيرة منها: «الشاعر محمد الظاهر، والروائي جمال ناجي، والرسام محمد أبو زريق، والقاص إبراهيم العبسي، والأكاديمي الباحث عمر الساريسي، والكاتب مفيد نحلة، والتشكيلي إسحق نحلة، والكاتب معن البياري، والإعلامي عمر خشرم، والرسام والناقد التشكيلي مروان العلان».

وبعد؛ فإن الريماوي في هذه السيرة لجأ إلى الإيجاز، وقطف الموضوعات، منحازا للمكان وناسه، ولم يتطرق إلى شخصه وذاته إلا قليلا؛ مؤكدا أن هذه السيرة كتبت خصيصا «تحية ومحبة وشوقا لأريحا» وهذا يعني أن دلو الريماوي ما زال ممتلئا، وأن جعبته تعد بالمزيد من سيرته الذاتية في المراحل ما بعد هزيمة 1967، وهي حياة ثرية زاخرة بالإنجازات وتفاصيل الحياة وأحداثها في الكويت والأردن ورحلاته شرقا وغربا.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي