"الأمن القومي العربي": إحدى عشرة دراسة

2023-07-05

صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "الأمن القومي العربي وتحديات الأمن الإقليمي"، الذي شارك في تأليفه الباحثون: حسن الحاج علي أحمد، وكاظم هاشم نعمة، وخليفة حداد، ومحمد خميس، وسيد أحمد قوجيلي، ومحمد صالح المسفر، وعبد الله الغيلاني، ومحمود عارف جبور، وعلي الذهب، ومروان قبلان، والعنود آل خليفة، ومنى الأشقر جبور، وحرّره مروان قبلان.

ويحتوي الكتاب على إحدى عشرة دراسة تتمحور جميعها حول موضوع الأمن القومي العربي، ويشير التقديم إلى أنّ الغرب يتجاهل الحديثَ عن أمنٍ إقليمي عربي، ويجعل المنطقة العربية جزءًا من إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع دول غير عربية تنطلق منها جلُّ التهديدات التي تُواجه الأمن القومي العربي، وهو أمر مرفوض، ومع ذلك لا بدّ من الإشارة إلى اختلاف المخاطر والتهديدات الأمنية في أقاليم المنطقة العربية (المشرق العربي، المغرب العربي، القرن الأفريقي ووادي النيل، والخليج العربي) بعضها عن بعض، مثل صراع الصحراء الغربية، والحرب الأهلية الليبية، وتهديدات الجماعات المسلّحة في المغرب العربي، والصراع مع إسرائيل، وصراع الدول الكبرى والإقليمية (روسيا - الولايات المتحدة الأميركية - تركيا - إيران) في الحرب الأهلية السورية، والنزاع الحدودي "المصري - السوداني"، ونزاع "السودان - جنوب السودان"، والنزاع (التقارب) "الإثيوبي - الإريتري"، والصراع في الصومال، ونشاط الجماعات المتشدّدة من سيناء إلى الصومال، والقرصنة في خليج عدن وبحر العرب، وحرب اليمن في القرن الأفريقي ووادي النيل... وغير ذلك.

كما يوضّح أنّ الأمن القومي العربي قد تعرّض لنكسات كبرى بدأت مع اتفاقية السلام المصرية المُنفردة مع إسرائيل في كامب ديفيد عام 1979، والتي حصرت مصر بموجبها صراعها مع إسرائيل باستعادة أرضها فقط دون القضية الفلسطينية وبقية الأراضي المحتلّة، ومن ثم أخرَجت نفسها من ميزان القوى العربي - الإسرائيلي. وكانت النكسة الكبرى الثانية مع وقوف سورية وليبيا مع إيران في حرب السنوات الثماني مع العراق (1980 - 1988) وتزويدهما الطرف غير العربي بصواريخ قصفت مدنًا عربية. والنكسة الثالثة، والتي كانت قاصمة للأمن القومي العربي، تمثّلت في الغزو العراقي للكويت عام 1990، واستقدام قمّة القاهرة (1990) قوىً أجنبية حاربت لاستعادة الكويت، وكذلك بمشاركة قوات عربية.

يتجاهل الغرب الحديثَ عن أمنٍ إقليمي عربي، ويجعل المنطقة العربية جزءًا من إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

ويضيف "ثمّ كرّت سبّحة تقطيع أوصال الأمن القومي العربي بعد مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991، فدخلت صاحبة القضية الأساس، منظمة التحرير الفلسطينية، في اتفاق سلام منفرد مع إسرائيل في أوسلو (1993)، ثم تبعها الأردن بتوقيع اتفاق وادي عربة (1994)، وصولًا إلى ما سُمي 'الاتفاقات الإبراهيمية'، وهي اتفاقات التطبيع مع إسرائيل التي قامت بها الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان بصرف النظر عن استمرار احتلالها أراضيَ عربية، بل وصل الأمر ببعضها إلى حدّ إنشاء تعاون أمني وعسكري مع إسرائيل وتحويل صفة 'العدو الرئيس' منها إلى إيران".

ويبيّن أيضاً أنه على الرغم من كل النكسات السابقة والتي قد تلحق بها، يبقى الأمن القومي العربي ضرورة تاريخية وجغرافية وسياسية لا بديل منها، فمصالح الأمة العربية حيوية ومشتركة، والتحديات "الوجودية" التي تواجه أكثر الدول العربية على أكثر من صعيد كانت، ولا تزال، وستبقى على الدوام رابضة تتربّص للانقضاض إن لم تواجَه بموقف عربي صلب يعُيد للأمة "أمنها" ومكانتها بين الأمم.

يعالج مروان قبلان في الفصل الأول تحولات الأمن القومي العربي، بوصفه أحد تجليات النهوض القومي العربي، مرورًا بمأسسته في صيغة عمل عربي موحَّد مع توقيع "معاهدة الدفاع المشترك ضدّ إسرائيل"، وصولًا إلى انحدار مفهوم الأمن القومي العربي مع صعود المصالح القُطرية وانقسام الرؤى حول الصراع مع إسرائيل والعلاقة مع إيران، ثم انهياره مع الغزو العراقي للكويت، وتراجُع الحضور العربي في القضية الفلسطينية، والغزو الأميركي للعراق، وثورات الربيع العربي.

ويناقش محمد خميس في الفصل الثاني الأزمةَ البنيوية التي تُعانيها جامعة الدول العربية في مأسسة الأمن القومي العربي، مُرجِعًا السبب إلى خيار المقاربة التوفيقية بين مطلب الهوية الجامعة والنزعة القُطرية للدول العربية بعد الاستعمار، التي ظهرت في البناء المؤسسي للجامعة وفي الأنماط السلوكية لكل دولة عربية.

في الفصل الثالث، يركّز سيد أحمد قوجيلي على تفسير التعارض النظري بين نظرية تكميل كلّ من الأمن القومي والأمن المجتمعي والأمن الإنساني نظيرَيه وبين الواقع العربي، ويقترح إطارًا نظريًّا يدعوه "الكفاءة الأمنية" لإنجاز المستوى الأعلى المُمكن من الأمن بالمقدار الأقلّ من التكاليف، ويرى أنّها كفاءة تؤمَّن بضمان فاعلية الأجهزة الأمنية العربية في حماية النظام أولًا، وضمان قدرة الأخير على حماية "التحالف" الذي يدعمه ثانيًا، وضمان حماية "المصالح" لكلّ من هذه الأطراف، ثالثًا.

ويحاول كاظم هاشم نعمة في الفصل الرابع إثبات أنّ التطوّرات الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة، كالثورة الإيرانية والحرب العراقية - الإيرانية، وحرب الخليج الثانية (1990 - 1991)، ساهمت في بروز نزعة نحو الأمن الإقليمي الفرعي شكّلت تحديات جليّة، وأدّت إلى تأسيس مجلس التعاون (1981)، واتحاد المغرب العربي (1989)، موضّحًا أن هذه المجالس، وبصرف النظر عما ورد في ديباجاتها من دعوات إلى الوحدة والتكامل والأمن الجماعي، جزّأت الأمن القومي العربي، وغيّرت مصدر التهديد وبؤرته وأولويته، وحوّلته من القومية إلى القُطرية وشبه الإقليمية، ما رتّب عجزًا في تطوير استراتيجية لصدّ التهديدات الأمنية التي تشمل البلدان العربية.

أما عبد الله الغيلاني، فيقسّم في الفصل الخامس المخاطر الأمنية التي تواجهها دول الخليج العربية وفقًا لمستويين: أولهما الانكشاف الأمني واحتمالات تهديده استقرار منطقة الخليج وجوارها، وثانيهما التحدّيات الجيوسياسية المشتركة للدول الخليجية خلال انتقالها من دولة الرفاه الريعية إلى دولة الحداثة، الذي يرتّب استحقاقات سياسية وتحوّلات في أنماط التفكير السياسي وإدارة المجتمع، وهي برأيه تحدّيات أكبر وأبعد أثرًا من المخاطر الأمنية التي ظلّت دول الخليج العربية تواجهها على الدوام منذ نشوئها، وكذلك المخاطر السياسية التي لطالما مثّلت تحدّيًا للأنظمة القائمة.

يتناول محمد صالح المسفر في الفصل السادس مدى تأثير التهديدات التي تواجه مجلس التعاون في المستقبل. وإثر استعراضه موقع الخليج وأهميته التاريخية والمعاصرة، يرى المسفر أن أهميته ازدادت أضعافًا مضاعفة إثر اكتشافات النفط فيه.

ويبحث علي الذهب في الفصل السابع تداعيات التدخّل الإقليمي في حرب اليمن الدائرة منذ عام 2015 بين التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، بصفته مستدعى من الحكومة اليمنية الشرعية المُعترف بها دوليًّا، وبين إيران بوصفها الداعم الأبرز لأنصار الله (الحوثيّين) الذين سيطروا على السلطة بانقلاب مسلّح عام 2014.

أمّا حسن الحاج علي أحمد، فيناقش في الفصل الثامن التنافس الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي ووادي النيل وتكريسه تهديدات أمنية تواجه المنطقة. ويطرح فرضية وجود عاملَين يحركان هذا التنافس الدولي والإقليمي: أوّلهما هشاشة حكومات المنطقة وضعفها، وثانيهما تأثير الأبعاد الجيوسياسية والأمنية فيها.

أمّا خليفة حداد، فيسلط في الفصل التاسع الضوء على التحديات الأمنية في ليبيا منذ ظهور الدولة الوطنية، ويحاجّ بأنه في الحقبتين الملكية والجماهيرية ظلّ دور القبيلة والعشيرة والطائفة، وهي المرجعيات التقليدية، في مصلحة النظام الحاكم مع ما بينها من تناقضات، ظلت كامنةً بفعل السطوة الأمنية للنظام وانتشار ثقافة الغنيمة، وطفت بقوة عند تهاوي النظام الليبي في عام 2011 وظهرت معها التشظيات المتعددة المسارات التي ضربت الهيئة الاجتماعية وفكّكتها، وحوّلت الجغرافيا الليبية إلى ميدان تقاتُل.

وتبيِّن العنود آل خليفة في الفصل العاشر أنّ أمن الطاقة بات من التحدّيات الكُبرى التي تُواجه دول الخليج العربية، وبخاصة مع بروز مشاريع توليد الطاقة النووية في المنطقة. وتطرح للنقاش مسائل الحاجة الاستراتيجية لدول مجلس التعاون إلى تطوير برامج للطاقة النووية السِّلْمية، ومدى تأثير برنامج إيران النووي وتهديداته في السياسة الخليجية النووية السِّلْمية، وإجراءات الأمان النووي التي على دول مجلس التعاون تطبيقها من أجل برنامج نووي سِلمي.

أمّا منى الأشقر جبور ومحمود عارف جبور، فيبحثان في الفصل الحادي عشر ظهورَ أسلحة جديدة غيّرت الشكل التقليدي للصراعات بين الدول وأدخلت إليها لاعبين جددًا، أفرادًا ومنظّماتٍ ومجموعاتٍ، بعد أن كانت مُقتصرة على الدول، كما جعلت مرافق الدولة الحسّاسة عُرضةً للمخاطر الأمنية، ما فرض أنواعًا جديدة من التحدّيات، كالحرب السيبرانية، والإرهاب السيبراني، والتجسُّس السيبراني، التي تشكّل مخاطر ليس العالم العربي بمنأى عنها، إن لم يكن في قلبها، بفعل تطور استعمال تقنيات المعلومات والاتصالات.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي