بناء الصراع في «تلال اللافندر» للمصرية مروة طلبة

2023-06-25

عايدي علي جمعة

يطالعنا عنوان رواية «تلال اللافندر» للكاتبة المصرية مروة طلبة من خلال كلمتين ظاهرتين: الأولى تلال والثانية اللافندر، وكانت العلاقة بينهما هي علاقة الإضافة، ومن المعروف أن علاقة الإضافة من أقوى العلاقات بين الكلمات. وقد جاءت الكلمة الأولى/ تلال جمعا، كما أنها كلمة حسية، والكلمة الثانية هي اللافندر، وهو نوع من النبات له فائدة فائقة للإنسان، وترتبط كلمة تلال بالأساس بالجماد، ولكنها هنا تضاف إلى نبات له قيمة كبيرة جدا في حياة البشر.

تظهر البنية الكبرى لهذه الرواية من خلال سعي حاكم جزيرة بدائية لتحديثها، بإرسال ابنه ليتعلم في البلاد المتقدمة، ويعود لكي يحكم الجزيرة على أسس علمية حديثة تجعلها تخرج من حالتها البدائية إلى حالة من التحديث، مستغلا بطبيعة الحال ثرواتها الطبيعية المهولة في ذلك التحديث، ويرصد له كنزا يساعده في ذلك.

ولكن هناك منظمة مشبوهة تعرف طبيعة الكنز وما في الجزيرة من ثروات، وتدس لهذا الحاكم جاسوسا فتظن الأسرة الحاكمة أنه قريب منها، ولكنه في الحقيقة يعمل ضد مصلحة الجزيرة. تتم مراقبة الابن في بلاد الغربة مراقبة صارمة، ويتم زرع فتاة فائقة الجمال في طريقه فيقع في حبها، ولكنها في النهاية تخلص له وتساعده على التخلص من رقيب هذه المنظمة المشبوهة، ويتم حكم الجزيرة بالعدل ومحاولة تمدينها.

وقد كان السارد الخفي هو النمط المعتمد في هذه الرواية، وهو سارد غير مشارك في الأحداث، وإنما يراها ويصورها ويستخدم الضمير الثالث «هو» في السرد. وتطالعنا شخصيات مختلفة في هذه الرواية ويمثل ابن حاكم الجزيرة شخصية محورية وتشاركه البطولة فتاته الجميلة، وهي شخصية متطورة لأنها ظهرت في البداية باعتبارها داعمة للمنظمة المشبوهة، تنفذ اهدافها اللعينة ضد الجزيرة، ولكنها في النهاية تتحول تحولا تاما وتخلص في حب ابن حاكم الجزيرة إخلاصا شديدا، ويظهر الجاسوس الذي زرعته هذه المنظمة باعتباره بطلا شريرا، ويظل شريرا من البداية حتى النهاية، وهذا البطل المضاد له شخصيات داعمة لشره، ولكنه في النهاية لا ينجح في مسعاه ضد الجزيرة. وتظهر البنية المكانية من خلال بنيتين كبريين: البنية الأولى هي أرض الجزيرة نفسها، وقد استأثرت بكتل سردية كبيرة جدا، ما جعلها ممثلة للمكان المحوري في هذه الرواية، والبنية الثانية هي بنية البلد المتقدم الذي ذهب إليه ابن حاكم الجزيرة من أجل التعلم، وتحديث الجزيرة بالتالي.

وتظهر طبيعة المكان الأول/ الجزيرة باعتبارها أرضا مليئة بالخصوبة والحيوية والكنوز، ولكن رغم ذلك فإن أهل هذه الجزيرة يتميزون بالبدائية، وعدم قدرتهم على استغلال خيرات جزيرتهم الغنية، ما استدعى محاولة حقيقية لتحديثها. كما تظهر طبيعة المكان الثاني باعتباره أرضا مليئة بالعلوم المتقدمة التي يهاجر إليها البشر من كل جنس ولون، ولكنها في الوقت نفسه تكون موطنا لتدابير مؤامراتية لا تعرف معنى الرحمة وتقوم على استغلال الشعوب البسيطة ونهب خيراتها. وكانت البنية الزمنية الخطية هي المهيمنة في هذه الرواية، حيث كانت حركية الزمن فيها بالأساس لها بداية ووسط ونهاية، وكانت منطلقة في الغالب مثل السهم الذي ما إن ينطلق من نقطة محددة حتى يمضي في سيره إلى أن يقف تماما عن الحركة في النهاية. ولكن ذلك لم يمنع من كسر هذه الخطية في بعض الكتل السردية، فظهرت تقنية الاستباق، كما ظهرت أيضا تقنية الارتداد، ولكن كسر هذه الخطية لم يكن هو النمط المعتمد في الأساس.

وما يلفت النظر بقوة في هذه الرواية لغتها، حيث تتميز الجملة عندها بالقصر والرشاقة، وتحمل في الوقت نفسه فائضا للمعنى من خلال عمليات الانزياح اللافت بين مفرداتها، ما جعلها مشرقة بالجمال الأخاذ. كما تظهر بوضوح قدرة مروة طلبة على إدارة الصراع في روايتها، ذلك الصراع الذي ظل مشوقا حتى آخر فقرة فيها. وهذه الرواية تمجد القيم الخالدة وتنتصر لها، رغم تعرض هذه القيم لحرب شرسة من قبل أناس لا يعرفون غير لغة المصالح، ولكن في النهاية تبقى القيم الخالدة. ومن هنا فإن الرسالة التي يمكن استخلاصها من هذه الرواية هي أن الخير ينتصر في النهاية، رغم تعرضه لمؤامرات طاحنة، ومن الممكن استخلاص رسائل أخرى مثل أهمية العلم في حياتنا، ومثل ضرورة العمل الدؤوب من أجل حياة فضلى، ومثل ضرورة الحذر من الأعداء وكشف ألاعيبهم التي تحاول استغلال خيرات الوطن.

وفي النهاية يستطيع القارئ لهذه الرواية «تلال اللافندر» للكاتبة المصرية مروة طلبة أن يلمح من خلالها بعض ملامح السياق الاجتماعي الذي يعرفه، حيث ظهرت في سياقنا الاجتماعي أحداث وأفكار تكشف عن ألاعيب الاستعمار المميتة، والتي تستهدف بالأساس نهب ثروات الشعوب واستغلالها لصالحه. كما أن ملامح البيئة الطبيعية تظهر بوضوح في هذه الرواية، خصوصا في الكتل السردية التي رصدتها الكاتبة للتفاعل مع المكان/ الجزيرة، حيث سجلت طبيعة المكان حضورا كثيفا وتركت بالتالي بصمتها على الشخصيات والأحداث وطبيعة الصراع. ظهرت الطبيعة الخصبة للجزيرة من خلال النباتات مثل، الأشجار على اختلاف أنواعها، وسجل نبات اللافندر حضورا كثيفا جدا، ما جعله يأخذ مركز الثقل في الرواية، وكان هو المحرك الأساسي للصراع الهائل في الرواية بين أصحاب الجزيرة من ناحية، وقوى الاستعمار من ناحية أخرى، نظرا لقيمته الكبيرة بالنسبة للإنسان. كما أن الطبيعة البحرية للجزيرة كانت حاضرة بقوة أيضا فظهرت المياه المحيطة بالجزيرة، وشهدت هذه المياه حركة تنقلات عارمة من الجزيرة وإليها، وأسهمت في ضخ كتل سردية تكشف عن طبيعة الصراع فيها. كما تظهر ملامح البيئة من خلال الطيور والحيوانات في الجزيرة، وأسهم التركيز السردي على طبيعة أهل الجزيرة من حيث البدائية والبعد عن الحضارة في إقامة مفارقة كان لها إسهامها في طبيعة الصراع، وقد ظهرت هذه المفارقة بين أهل الجزيرة البدائيين، وقوى الاستعمار التي تستغل كل شئ لصالحها، دون وازع من ضمير.

ومن هنا فإن رواية «تلال اللافندر» تكشف عن رؤية للعالم تنتصر للخير رغم كل المؤامرات التي تحاك ضده.

كاتب وأكاديمي مصري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي