«ترنيمة حُب»: شهادة المخرج هاشم النحاس عن سينما نجيب محفوظ

2023-06-22

كمال القاضي

في كتابة «ترنيمة حُب» الصادر عن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي منذ عدة سنوات، يقدم المخرج هاشم النحاس، المُتخصص في الأفلام التسجيلية بانوراما موسعة عن عالم الكاتب نجيب محفوظ السينمائي، موسعاً حيز الرؤية بما يتفق مع نظرته الشاملة لإسهامات الأديب السينمائية، مع دمج الرؤية الشخصية والثقافية له عن عالمه الروائي الفلسفي والإنساني.

لم تقتصر نظرة النحاس على مجرد السرد التقليدي لأفلام نجيب محفوظ، والمقارنة بين كل منها، وإنما تجاوز هذا المفهوم ففتح نافذة جديدة للرؤية كي ينظر من خلالها القارئ لتجليات وأبعاد ومكونات سينما نجيب محفوظ النوعية، بادئاً من أول تجربة له في كتابة السيناريو، حيث فيلم «مُغامرات عنتر وعبلة» عام 1945 وفيلم «المُنتقم» عام 1947.

زتكررت الكتابات ما بين القصة والسيناريو والحوار والرؤية السينمائية، ليصل مجموعها إلى نحو 25 فيلماً، أعمل فيها مهاراته وفكره وأفصح عن موهبة كبرى اختفت سنوات خلف اهتمامه الأصلي بالإبداع الروائي، فلم يكن محفوظ مشغولاً بهذا النشاط قبل أن يجذبه إليه المخرج صلاح أبو سيف، فيجد فيه مُتنفساً آخر لكتابة إبداعية مُختلفة.

وقد أورد هاشم النحاس في كتابة المذكور «ترنيمة حُب» عدد الأفلام التي تميزت موضوعاتها بفضل نجيب محفوظ، سواء التي كتب لها السيناريو والحوار، أو تلك المأخوذة عن رواياته الأدبية، وقطع بأنها 63 فيلماً حاز معظمها إعجاب الجمهور والنقد، فضلاً عن أن 17 فيلماً منها أدرجت ضمن قائمة أحسن مئة فيلم في السينما المصرية.

كما نوه الكاتب أيضاً في كتابة المهم بالدور الذي لعبة الأديب لدعم السينما المصرية والعربية، من خلال إبداعه الروائي الذي تحول جزء منه إلى أفلام، بالإضافة إلى المناصب التي شغلها وكان لها أثر مباشر في الرُقي بصناعة السينما ودورها وأهميتها، حيث شغل في الفترة ما بين عامي 1959 و1971 عدة مناصب حيوية من بينها مدير الرقابة على المُصنفات الفنية، ثم مدير عام لمؤسسة دعم السينما، ثم مستشار لوزير الثقافة لشؤون السينما، ما جعله قريباً من دوائر صُنع القرار في ما يتصل بالقضايا السينمائية والإبداعية ذات الصلة.

ويحكي نجيب محفوظ بنفسه عن ظروف دخوله عالم السينما، حسبما كتب هاشم النحاس فيقول: عرفني فؤاد نويره على المخرج صلاح أبو سيف، الذي كان قد قرأ لي رواية «عبث الأقدار» وأعجب بها ورأى أن يستفيد من موهبتي في الكتابة على نحو مُختلف، فطلب مني التعاون معه في كتابة السيناريو، مؤكداً أن المهمة ليست شاقة وأن كتابة السيناريو تشبه كثيراً كتابة الرواية، وبالفعل بدأت التجربة بكتابة فيلم «عنتر وعبلة» وكان فؤاد نويره يراجع ما أكتبة ومعه الشاعر عبد العزيز سلام كاتب الحوار والأغاني.

وحول صلته بالسينما قبل البدء في كتابة السيناريو يقول نجيب محفوظ، لم يكن لي أي صله بالسينما غير كوني مُتفرجا فقط، استمتع بالأفلام الكوميدية والبوليسية، وقد أمضى الأديب نجيب محفوظ فترة لا تقل عن 15 سنة في الكتابة للسينما إلى أن جاء فيلم جميلة الجزائرية «جميلة بوحيرد» للمخرج يوسف شاهين، فاشتهر شهرة واسعة أدت بدورها إلى دعم موهبة محفوظ في كتابة السيناريو، واكتسابه ثقة المخرجين والمُنتجين، ولم يكن حينئذ قد تم تحويل أي من رواياته إلى فيلم سينمائي، ولم يحاول هو من جانبه استغلال نجاحه ككاتب سيناريو في أن يفرض على المُنتجين والمخرجين رواياته، ولم يحاول القيام بعمل مُعالجة سينمائية لأي منها على الإطلاق، بل ترفع عن ذلك وترك هذا الشأن لمن يرغب من كُتاب السيناريو الآخرين.

وبعد تهافت السينما على أعماله الأدبية، لم يفرض أي نوع من الوصاية على الكُتاب والمخرجين وظل بعيداً تماماً إلا في حدود المشورة فقط، وقال عبارته الشهيرة ـ أنا مسؤول عما أكتبه في الرواية، لكني غير مسؤول عن المُعالجات السينمائية لكُتاب السيناريو، أي أنه كان يؤمن بالتخصص، ويكفل حرية الإبداع والتصرف لمن يقومون بتحويل رواياته وقصصه إلى أفلام.

وكثيراً ما دار جدل حول الترجمة السينمائية لبعض رواياته، خاصة السياسي منها مثل «الكرنك» و»ثرثرة فوق النيل» و»السمان والخريف» لكنه كان يرفض التعليق ويرى أن الرواية طالما خرجت من يده وذهبت ليد السيناريست والمخرج، فهي ملك لهما شريطة أن لا يكون هناك تغيير كلي في البنية الروائية وهدم للفكرة الأساسية، أي أن يُصبح التصرف في الحدود المقبولة، حتى في الثلاثية لم يُبد اعتراضاً على طريقة التوظيف الدرامي للشخصيات، بل أعجب كثيراً بأداء الفنان يحيى شاهين في تجسيده لدور السيد أحمد عبد الجواد. إنه تواضع الأديب الفنان ورقيه وإيمانه بحرية التعبير.. خصال جديرة بالتوثيق وموهبة تستحق أن يُكتب عنها الكثير.

كاتب مصري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي