«بهاء طاهر وآخرون: قراءات في المتن الروائي العربي»

2023-06-15

صدر للناقد إبراهيم خليل كتاب جديد عن دار الخليج للطباعة والنشر والتوزيع بعنوان «بهاء طاهر وآخرون: قراءات في المتن الروائي العربي». يتضمن هذا الكتاب دراسة في أربع روايات لبهاء طاهر، أولاها رواية «نقطة النور» وقد سلط فيها الضوء على نسقية الفتح والإغلاق. أما رواية «الحب في المنفى» فقد سلط فيها الضوء على جدلية العلاقة بين الأنا والآخر، ففي هذه الرواية ثمة شخصيات غير عربية تضامنت مع ضحايا مذبحة صبرا وشاتيلا في سبتمبر/ أيلول عام 1982 تضامنا أحرى بالتقدير من موقف بعض الشخصيات العربية في الرواية، أظهرت اللامبالاة إزاء الجرائم الإسرائيلية، وبدلا من أن تتضامن مع الضحايا، دأبت على دعم الجلاد الصهيوني المدان بكلّ اللغات. وفي تناوله لرواية «قالت ضحى» يبين الناقد، من خلال التحليل النصي كيف أن سيد القناوي، وهو من الشخصيات المهمَّشة في المجتمع المصري في ستينيات القرن الماضي، عبّر عن الروح الثورية الحقيقية لهذا المجتمع، وتمكن من أن يعري أئمة الفساد، على الرغم من أنه بدأ في الرواية عاملا في موقف سيارات، لا حول له ولا قوة. وفي تناوله لرواية «واحة الغروب» أفاد التحليل الداخلي للحوادث وللشخوص وللزمن، بشقيه: التاريخي والحالي، وللأمكنة، كيف تعبر الرواية التاريخية عن الحاضر، مثلما يؤكد جورج لوكاش، مع أنها تبدو رواية تاريخية تروي وقائع عن الماضي، من خلال إبرازه شخصية اليوزباشي الذي ينتمي لأقلية ما في مصر ما تزال تستأثر بحقوق المصريين منذ أيام المماليك.

ويقف بنا المؤلف أيضا إزاءَ روايتين أردنيتين ناضجتين؛ أولاهما لفادية الفقير، وهي رواية «أسمي سلمى My Name is Salma «التي لقيت ـ أي سلمى- حتفها في جريمة شرف لا يد لها فيها، وإنما كانت هي الضحية مرتين، مرة حين تخلى عنها (حمدان) ومرة حين أطلق عليها أخوها محمود الرصاص، وأرْداها قتيلة. والدراسة تسبر غور البناء الفني، ولا تتوقف إزاءَ الموضوع النسوي وحده، مثلما يُظن، فقد تطرّق المؤلف لاستخدام الكاتبة تقنيات جديدة كالمونولوج، والتداعي الحرّ للوقائع والمواقف وسبْرها غور الشخوص بالتغلغل في الأجواء، والمناخات النفسية، لسلمى تارة، والأم تارة، ولم تخلُ دراسة الرواية من تسليط الضوء على جدلية العلاقة بين الأنا والآخر. فهي رواية تهتك الحجاب عن وجوه من المعاناة التي تقاسيها المرأة في الشرق، وقياس ذلك بالمساحة الكبيرة من الحرية الشخصية التي تتمتع بها المرأة في إكستر، وغير إكستر، في بريطانيا وغير بريطانيا من دُول الغرب. ولهذا فإنَّ مجتمعا كالمجتمع الإنكليزي يتيح للمرأة أنْ ترتقي، وأن تضاهي الرجل في المنازل، والرُتب، في حين أنها في الشرق العربي تحيا رهينة العباءة السوداء، والمِدْرَقة، والوَحْدة بين أربعة جدران، ولا تعرف عن الحياة الخارجية إلا ما تشاهدُهُ في التلفزيون. بهذه القوة تُلقي الرواية «اسمي سلمى» الضوءَ على معاناة المرأة، ولعلَّ أكبر شاهدٍ على هذا ما تتعرض له الأم الحاجّة أمينة، ونورا، وسلمى، والطفلة ليلى، التي وُئدت بذنبٍ لم ترتكبه.

وهذا شيءٌ يتكرر تقريبا في تناول المؤلف لرواية «لا تشبهُ ذاتها» للكاتبة ليلى الأطرش في فصل شيّق بعنوان ليلى الأطرش والبحث عن أفق، مشيرا لما تكاملَ بين يدي الراحلة من مقوّمات كتابة الرواية، إن كان الأمر من حيث الحكاية المتخيلة، أو الوقائع المرويَّة، التي تقع في أمكنة شتى من العالم: أفغانستان تارة، ولندن تارة، وعمان تارة أخرى، وفلسطين تاراتٍ أخر، أو من حيثُ جمعُ المعلومات التي تضفي على خطاب الرواية السردي المزيد من التوثيق المبنيِّ على مصداقية الوقائع التاريخية.

عدا عن هذه الفصول، يقفُ المؤلف في فصل من الكتاب حيال رواية عاطف أبوسيف «مشاة لا يعبرون الطريق» وفي آخر يتوقف عند رواية «طقوس المنفى» للفلسطيني إلياس أنيس خوري، وفي فصل آخر يقف بنا إزاء رواية غسان زقطان الموسومة بعنوان «عربة قديمة بستائر» وفي آخر يتناول رواية «عصفور الشمس» لفاروق وادي. كما يتناول رواية هاشم غرايبة «البحار بين الذاكرة والتشظي، ورواية «البكاءُ بين يديْ عزرائيل» لحسام الرشيد، ورواية «أدارج الإسكافية» لفداء الحديدي، ورواية «سمعت كل شيء» للعراقية سارة الصراف. ويختَتِمُ المؤلف كتابه بفصل عن رواية «بقايا ثلج» للراحل عصام سليمان الموسى.

ويقول المؤلف في خاتمة الكتاب: يتّضح لبعض القراء، من هذه المقالات، أن بعض الكتاب يكتبون حكاياتٍ بهدف التسلية لا أكثر، ولا تشغلهم في ما يكتبونه قضيةٌ ما، لذا تدفع بهم الرغبة في التسلية لتكديس المرويات التي تبدو شتيتا مبعثرا غير متجانس، وهي، في أحسن الأحوال، أقربُ إلى حكايات التنكيت والتبكيت. مع أنها لا صلة لها بحبكة الرواية، التي تقوم على مراعاة المنطق الروائي، وهو أنْ لا ُيذكر شيءٌ إلا ولذكره سببٌ مقنِعٌ، وألا يصدر عن الشخصية أيّ تصرفٍ، إلا إذا كان منسجما مع طباعِها، مُتوَقَّعا أنْ يصدُر عنها، وأنْ لا يُروى ما هو متوقَّع، إلا إذا كانتْ المرويات الأخرى تضعُه في دائرة المحتمَل، والممْكِن.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي