محمد بن يعيش.. أرسطو في الحضارة العربية الإسلامية

2023-06-07

عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر كتاب "المنطق الإسلامي: حضور المنطق الأرسطي لدى مفكّري المشرق الإسلامي" لأستاذ الفلسفة والباحث المغربي محمد بن يعيش.

أمام ما يعرِّفه مؤلّفُ الكتاب بـ"حقيقتين تاريخيّتين"؛ هما أوّلًا: كثرة من اشتغلوا بعلم المنطق في الحضارة العربية الإسلامية من أفذاذ العلماء، وانتشارهم في أصقاع البلاد الإسلامية، وتنوّع أديانهم، وأصناف تخصّصاتهم العِلمية ونتاجاتهم، تأليفًا وحواشيَ مسهبةً وترجماتٍ ومختصراتٍ وشروحًا وأرجوزات، وثانيًا: إقراره بما لقيه هؤلاء العلماء من مضايقات وتجريح واتهامات وملاحقات. يطرح الكتاب إشكاليةَ البحث، المتمثّلةَ بالحيثيات التي رافقت استقبال المسلمين علمًا دخيلًا على العلوم الإسلامية كالمنطق وتعاملهم معه، ومراحل تردّده بين الرفض والقبول في البيئة الجديدة، وأوجه الجِدّة لدى العلماء الذي ساهموا في تكريسه لغويًّا (الفارابي وابن سينا) ودينيًّا (الغزالي).

وقد دفع "الحضور" الأرسطي لدى مناطقة الشرق الإسلامي الكاتبَ إلى تبيان مساهمة أرسطو - ضمن عناصرَ مساهِمة كثيرة - في تكريس خطاب إسلامي عقلاني جديد، وتشكيل المعالم الكبرى والجزئية لفلسفة هؤلاء المناطقة، التي تعبّر برأيه عن "تواصل" بين الفكرين اليوناني والإسلامي بدلًا مما يُحكى عن الانفصال والقطيعة والطلاق البائن، متجنِّبًا الانحياز إلى أحد طرفَي الأزمة، المشنِّعين الذين يقذفون المنطق بشتى التُّهم، كإثارة الشبهات والباطل والرجم بالغيب من جهة، والقائلين بمادية فيلسوف اليونان وعقلانيته في مقابل لاعقلانية المسلمين وظلامية فكرهم، مع تشديده على تميّز خطاب مفكّري المشرق ضمن تاريخ الفلسفة المرافِق لهذا التواصُل. وقد أتاح الجهد البحثي المبذول الانفتاحَ على أفق منطقي غير مدرسي اتبعته مجموعة من مفكّري العالم الإسلامي، في محاولة لتكريس نظرة جديدة إلى التراثين اليوناني والإسلامي، متوسِّلًا لبلوغها كثرة الاستشهاد بنصوص المناطقة المشرقيّين التي يُستدعى فيها أرسطو وسيلةً لإثبات حقيقة العلاقة بين الخطابين بطريقة عِلمية أمينة، وفق المؤلّف.

يعرض الفصل الأول المسألة المنطقية الأرسطية في محاولة لكشف سر انتقالها إلى العالم الإسلامي، كما يستعرض ترجمة الفكر اليوناني إلى السريانية ثم إلى العربية، بأقلام النصارى بدايةً ثم بجهد المسلمين بعد ذلك، وما سبَّبه حلول هذا العلم الدخيل من ردود أفعال رافقت انتشاره في العالم الإسلامي عبر مراكز الترجمة، كما يورد أسماء بعض أشهر المترجمين إلى العربية. ويتعرّض الفصل لمسألة تقبُّل الفلاسفة وبعض الأصوليّين العِلم الجديد ورفضه من أغلب الفقهاء الأصوليين إلى درجة تحريم تداوله، وكيف كان قصْرُ عبد الوهاب السبكي التحريم على من ضعُفت معرفته بقواعد الشريعة سببًا في دمج العلماء من بعده المنطقَ بعلوم المسلمين عبر الترجمات في العصرين الأموي والعباسي، وبالأخص في عهد الخليفة المأمون، الذي أمر مترجميه بنقل العلوم اليونانية، ومنها كتب المنطق، إلى العربية، ولتشكِّل حصيلة أعمالهم القاعدةَ التي ارتكز عليها كلّ من الفارابي وابن سينا والغزّالي وابن رشد في تطوير علم المنطق اليوناني وتبيئته إسلاميًّا.

ويستعرض الفصل الثاني آراء أرسطو في المقولات: "الحدّ"، و"الجوهر"، و"الكم"، و"الإضافة"، و"الكيف"، و"المكان/ الأين"، و"الزمان/ المتى"، و"الوضع"، و"الملْك"، و"الفعل"، و"الانفعال"، وآراء كل من أرسطو وابن سينا في "الألفاظ" و"المعاني" و"الحدود"، وانعكاسها لدى الغزّالي، الذي عمل على تبيئتها إسلاميًّا وإضافة "أقسام الوجود وأحكامه" إليها، شارحًا قوانين الحد الخمسة كلًّا على حدة.

ويتناول الفصل الثالث لشرح "القضية" عند أرسطو والفارابي وابن سينا والغزّالي، فهي تُعتبر العنصر الأساسي في الاستدلال عند أرسطو، وقد قسّمها إلى: قضية حملية وقضية ذات جهة، أما الفارابي فالقضية عنده ثلاثة أنواع: حملية وشرطية وذات جهة، وهي عنده تتقابل بين موجبة وسالبة بشروط بيَّنها، أما ابن سينا، فالقضية عنده بحسب نوع الكلام (جملة خبرية أو جملة إنشائية) خمسة أقسام: قضية حملية وقضية شرطية وقضية مطلقة وقضية ضرورية وقضية ممكنة، وقد عرّفها مستعينًا بأمثلة رمزية وأمثلة من اللغة العربية.

أما القضية عند الغزّالي، فقد عرّفها بـ"المعاني المفردة، إذا رُكبت حصلت منها أقسام، حصيلتها الخبر، ويسمى قضية، ويتطرق إليه التصديق والتكذيب"، وقد بحث القضية في أحد كتبه في ستة أقسام: حملية وشرطية، موجبة وسالبة، شخصية ومهملة ومحصورة، ممكنة وممتنعة وواجبة، باعتبار نقيضها.

ويتضمّن الفصل الرابع تصور مناطقة الشرق الإسلامي للنظرية القياسية الأرسطية، مستعرضًا بتوسُّع أشكال الأخيرة وضروبها، ثم تصور الفارابي لها وتقسيمه القياس إلى حملي وشرطي واقتراني حملي بسيط. يليه تصور الغزالي للقياس وتقسيمه إياه إلى حملي وشرطي منفصل وشرطي متصل وقياس الخلف، وأفرد بندًا مطوَّلًا لشرح القياس الشرطي بأنواعه المختلفة عند كل من أرسطو والفارابي وابن سينا والغزالي.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي