كلّ مرّة تبدأُ الحفلةُ بصاروخ

2023-05-24

يحيى عاشور

تبدأُ الحفلةُ بِصاروخ

أودُّ لو أقول ما أشعرُ بِه

أو على الأقلِّ، ما يحدُثُ هُنا

لكِنَّ كُلّ فِكرةٍ تخطرُ على بالي

أطرافُها مبتورةٌ ومُبعثرة.

كُلّ أسبوعٍ تقريباً هذا العام

نعيشُ سوياً في حالةٍ مِن الترقُبِ

لـ"تصعيدٍ عسكري"

ونختلفُ فقط على مدى فداحته.

كُلّ مرَّةٍ تبدأُ الحفلةُ بِصاروخٍ

تُسرعُ أُمّي إلى غُرفتي: افتح نافِذتكَ قليلاً

لمْ تُلاحِظ قط ولمْ أُخبِرها ولا مرَّة

أنَّ نافِذتي هِي الوحيدةُ مِن بينِ نوافذِ البيتِ كُلِّه

لمْ تتكسَّر مطلقاً في أيِّ قصف.

هذه المرَّة لا جاءت أُمّي إلى غُرفتي

ولا فتحتُ نافِذتي قليلاً.

في سياقٍ آخر:

لطالما شعرتُ أنَّني لا ألقى أيَّ تقديرٍ في هذا العالمِ

لقاءَ حِسي الفُكاهي الكبير؛

كُلما قُلتُ نُكتةً حسِبوها قصيدة.

■■■

أوَّل أيّامِ الهُدنة

لا أقدرُ على فِعلِ شيء

الآفاقُ مُشوشةٌ ومُكررة

أريدُ المشيَ في السوقِ بِلا أم ولا غاية

ولا أُصادِفَ أحداً أعرِفُه

أريدُ تأملَ وجوهِ الناسِ وتخيلَ قِصصها

من جُملةٍ واحدةٍ أسمعُها في الثانية

التي تخصُّهم خُطواتي بِها.

أريدُ زيارةَ البحرِ

لكنّي أخشى هذهِ المرَّة مواجهته وحدي

أريدُ تنفسَ الهواء

لكنَّ الفجرَ يُفوِّتُني دائماً

أريدُ أن يفُكَّ العالمُ اتصالنا معه بِالإنترنت

إن لمْ يكن بِوسعه فكَّ الحصارِ عنّا.

أريدُ أن يرتاحَ العالمُ مِنّا

أكثر بِكثيرٍ مِمّا أريدُ أن نرتاحَ مِنه.

أريدُ سماعَ الموسيقى الناقصة

بِقدرِ ما سمعتُ صوتَ "الزَّنانة"

أريدُ تأملَ اللوحاتِ التافهة

بِقدرِ ما رأيتُ مِن صورِ الدمار

أريدُ قراءةَ القصصِ المملةِ

بقدرِ ما قرأتُ مِن الأخبارِ العاجلة

أريدُ أن أنسى عائلتي وأصدقائي وأعدائي

أريدُ أن أنسى الماضي والحاضرَ والمستقبل.

أريدُ سريراً على الشاطئ وعِناقاً مِن العدم

أريدُ أن أُقاوِمَ رغبةَ الكتابةِ

بِقدرِ ما أرجو منكم عدمَ القراءة.

■■■

مادة قابلة للنقاش

هذهِ المرَّة

لنْ أكتبَ عن الحربِ ولا عن الهُدنة

لمْ أعد أريدُ الشمسَ ولا ظِلالها.

لن أتفوَّهَ بِكلمةٍ واحدةٍ ولن أقومَ بِأيِّ فِعل

كي لا أصيرَ أُسطورةً على الإنترنت

كي لا يُحاصِرني العالمُ مرَّة أُخرى

داخلَ كُتبهِ ومقالاتِه ومؤتمراتِه.

أريدُ أن أُمجِّدَ التفاهةَ وأُبارِكها

لمْ يعد الغرقُ في الفنونِ يُميت

الفن أصلاً فِكرةٌ نحنُ أبعدُ مِن تناولِها

الجمالُ فِكرةٌ لا تمتُّ لنا بِصلة

كما لا يمتُّ لنا العالمُ بِصلة.

هذه المرة

لن أكتبَ عن أعدائي كلمةً واحدة

لن "أعرِّيهم" أمامَ العالم

لن أسمحَ لهم أن يجعلوا مِن جِراحي

مادةً قابلةً للنقاش.

سأُبادِل العالم صمته

شعوره بِالذنب واليأس

فُقدانه شهيةَ المُتابعة

وبِالطبعِ سأُبادِله عجزه التام.

هذه المرَّة

سأُبدِّلُ كُلّ ما أؤمنُ بِه

بِكل ما لمْ أؤمن به.

■■■

خلاص فردي

أيّامُ الحِصار تجُرُّنا خلفها

تمسحُ بنا بلاطَ البحرِ الذي شرِبناه

وإن أرادت استِعجالَ أمتعةَ الماضي

داست بِعجلاتِها علينا "دونَ قصد".

تنشرنا الأيّامُ بِعذاباتنا على حبل

تُعلِّقُنا بِملاقطِها من أرجُلِنا

حتّى يسقطَ على أحدنا بُرازُ الطيورِ

- المُحلِّقةِ بِالحُريةِ والسلامِ فوقنا -

فيستبشر المُصابُ بِرزقِهِ مِن السماء.

شاعر فلسطيني مقيم في غزّة







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي