الشخصية العلمية: العالم الباكستاني البروفسور عبدالقدير خان

خاص - شبكة الأمة برس الإخبارية
2010-10-29

يعتبر أحد أهم علماء الفيزياء والذرة المسلمين في أيامنا هذه ، وقصته مع بناء أول مفاعل نووي في باكستان والعالم الإسلامي ، وثانيا القنبلة النووية ، قصة جديرة أن تروى جيلا بعد جيل ، فقد استطاع هذا العالم المسلم العبقري أن يتغلب على كافة الصعاب والعقبات والمكائد التي واجهته أثناء بنائه لمشروعه السلمي والأمني المهم ، بطرق تكاد تكون أقرب إلى المستحيل ، لكنه لم ييأس ولم يستسلم حتى أكمل مهمته التي أنذر لها عمره على أكمل وجه مما جعله واجهة وقامة علمية في تاريخ العلوم الحديثة ، يمكننا الإشارة إليها بكل مشاعر الفخر والإحترام.

9- الشخصية العلمية :


البروفيسورعبد القدير خان : العالم الباكستاني المسلم الذي صنع أول سلاح ردع للأمة الإسلامية في هذا العصر


عبد القدير خان أو عبد القادر خان هو عالم باكستاني (1 أبريل 1936 بوبال في الهند). مهندس في علم السبائك، يعتبر عبد القدير خان الأب الروحي للبرنامج النووي الباكستاني حيث أنه المؤسس له والعنصر الأبرز في وجود أول قنبلة نووية باكستانية.
نشأته
ولد في بوبال في الهندعــام 1936 أثناء فترة الاحتلال البريطاني وقبل أنفصال باكستان عن الهند. لا يصغره سوى أخت واحدة من بين خمسة من الإخوة واثنتين من الأخوات. كان والده عبد الغفور خان مدرسًا تقاعد عام 1935، لذا نشأ الابن عبد القدير تحت جناح أبيه المتفرغ لتربيته ورعايته.
كانت زليخة بيجوم والدة خان سيدة تقية تلتزم بالصلوات الخمس ومتقنة للغة الأوردية والفارسية، لذلك نشأ الدكتور عبد القدير خان متدينًا ملتزمًا بصلواته.
تخرج من مدرسة الحامدية الثانوية ببوبال ثم هاجر إلى باكستان في عام 1952 بحثا عن حياة أفضل. توفي والده في بوبال عام 1957، حيث أنه لم يهاجر مع أبنائه إلى باكستان.
تخرج من كلية العلوم بجامعة كاراتشي عام 1960، وعمل في وظيفة مفتش للأوزان والقياسات، وهي وظيفة حكومية من الدرجة الثانية، إلا أنه استقال منها بعد ذلك.
العمل في الخارج
سافر عبد القدير خان من جديد لاستكمال دراسته فالتحق بجامعة برلين التقنية، حيث أتم دورة تدريبية لمدة عامين في علوم المعادن. كما نال الماجستير عام 1967 من جامعة دلفت التكنولوجية بهولندا ودرجة الدكتوراه عام 1972 من جامعة لوفين البلجيكية.
لم يكن ترك الدكتور عبد القدير خان لألمانيا وسفره إلى هولندا سعيًا وراء العلم. بل كان بسبب رغبته الزواج بالآنسة هني الهولندية -ذات الأصل الأفريقي- التي قابلها بمحض الصدفة في ألمانيا. وبالفعل تمت مراسم الزواج في أوائل الستينيات بالسفارة الباكستانية بهولندا.
حاول الدكتور عبد القدير مرارًا الرجوع إلى باكستان ولكن دون جدوى. حيث تقدم لوظيفة لمصانع الحديد بكراتشي بعد نيله لدرجة الماجستير، ولكن رفض طلبه بسبب قلة خبرته العملية، وبسبب ذلك الرفض أكمل دراسة الدكتوراة في بلجيكا؛ ليتقدم مرة أخرى لعدة وظائف بباكستان، ولكن دون تسلم أية ردود لطلباته. في حين تقدمت إليه شركة FDO الهندسية الهولندية ليشغل لديهم وظيفة كبير خبراء المعادن فوافق على عرضهم
في ذالك الحين كانت شركة FDO الهندسية على صلة وثيقة بمنظمة اليورنكو- أكبر منظمة بحثية أوروبية والمدعمة من أمريكا وألمانيا وهولندا. كانت المنظمة مهتمة أيامها بتخصيب اليورانيوم من خلال نظام آلات النابذة Centrifuge system.التفاصيل التقنية المستخدمة لنظام الآت النابذة تعتبر سرية لأنها قد تستخدم في تطوير القنبلة النووية. تعرض البرنامج لعدة مشاكل تتصل بسلوك المعدن استطاع الدكتور عبد القدير خان بجهده وعلمه التغلب عليها. ومنحته هذه التجربة مع نظام الآلات النابذة خبرة قيمة كانت هي الأساس الذي بنى عليه برنامج باكستان النووي فيما بعد.
في عام 1974فجرت الهند قنبلتها النووية الأولى في حينها كان الدكتور عبد القدير خان قد وصل إلى مستقبل مهني ممتاز بكونه واحد من أكبر العلماء الذين عملو في هذا المجال وأيضا كان له حق الامتياز في الدخول إلى أكثر المنشأت سرية في منظمة اليورنكو وكذلك إلى الوثائق الخاصة بتكنولوجيا الآلات النابذة.
على اثر تجارب الهند النووية أرسل الدكتور خان رسالة إلى رئيس وزراء باكستان "ذو الفقار علي بوتو" قائلا فيها: أنه حتى يتسنى لباكستان البقاء كدولة مستقلة فإن عليها إنشاء برنامج نوويّ". دعاه الرئيس لزيارة باكستان بعد تلك الرساله بعشرة أيام ثم دعاه مره أخرى في عام 1975 وطلب منه عدم الرجوع لهولندا ليرأس برنامج باكستان النووي.
أبلغ الدكتور زوجته الهولندية بالخبر والذي كان سيعني تركها لهولندا إلى الأبد وافقت هي على قراره عندما علمت برغبته في تقديم شيء لبلده
تقول التحقيقات التابعة للسلطات الهولندية في ذالك الحين أنهم توصلوا إلى أن الدكتور عبدالقدير خان قد نقل معلومات عالية السرية لوكالة الاستخبارات الباكستانية إلا أنهم لم يتوصلو إلى أي دليل يثبت ان كان الدكتور قد أرسل منذ البداية إلى هولندا كجاسوس أو أنه هو الذي عرض ذلك على السلطات الباكستانية فيما بعد.
في عام 1975 ترك الدكتور خان هولندا بشكل مفاجئ وفي عام 1976 عاد إلى باكستان ومنذ ذلك الحين استقرت عائلة خان في باكستان
تطوير الاسلحة النووية
في عام 1974 أطلقت مفوضية الطاقة الذرية الباكستانية(PAEC)برنامج تخصيب اليورانيوم. وفي عام 1976 انضم خان الي المفوضية الا انه لم يستطع انجاز شيء من خلالها.
لذا في شهر يوليو من نفس العام أسس معامل هندسية للبحوث في مدينة كاهوتا القريبة من مدينة روالبندي بعدما أخذ الموافقة من رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو بأن تكون له حرية التصرف من خلال هيئة مستقلة خاصة ببرنامجه النووي. في عام 1981 وتقديرًا لجهوده في مجال الأمن القومي الباكستاني غيّر الرئيس الأسبق ضياء الحق اسم المعامل إلى معامل الدكتور عبد القدير خان للبحوث.
أصبحت المعامل بؤرة لتطوير تخصيب اليورانيوم حيث عمل خان على العديد من المشاريع لتطوير الأسلحة الباكستانية النووية.
يتلخص إنجاز الدكتور عبد القدير خان العظيم في تمكنه من إنشاء مفاعل كاهوتا النووي في ستة أعوام-والذي يستغرق عادة عقدين من الزمان في أكثر دول العالم تقدما- وكان ذلك بعمل ثورة إدارية على الأسلوب المتبع عادة من فكرة ثم قرار ثم دراسة جدوى ثم بحوث أساسية ثم بحوث تطبيقية ثم عمل نموذج مصغر ثم إنشاء المفاعل الأولي، والذي يليه هندسة المفاعل الحقيقي، وبناؤه وافتتاحه. قام فريق الدكتور خان بعمل كل هذه الخطوات دفعة واحدة.

استخدم فريق الدكتور خان تقنية تخصيب اليورانيوم لصناعة أسلحتهم النووية. هناك نوعان من اليورانيوم يوليهما العالم الاهتمام: يورانيوم-235 ويورانيوم 238. ويعتبر اليورانيوم235 أهمهما؛ حيث هو القادر على الانشطار النووي وبالتالي إنشاء الطاقة. يستخدم هذا النوع من اليورانيوم في المفاعلات الذرية لتصنيع القنبلة الذرية.
ولكن نسب اليورانيوم 235 في اليورانيوم الخام المستخرج من الأرض ضئيلة جدا تصل إلى 0.7 % وبالتالي لا بد من تخصيب اليورانيوم لزيادة نسبة اليورانيوم 235؛ إذ لا بد من وجود نسبة يورانيوم 235 بنسبة 3-4% لتشغيل مفاعل ذري وبنسبة 90 % لصناعة قنبلة ذرية. يتم تخصيب اليورانيوم باستخدام أساليب غاية في الدقة والتعقيد وتمكنت معامل كاهوتا من ابتكار تقنية باستخدام آلات النابذة، والتي تستهلك عُشْر الطاقة المستخدمة في الأساليب القديمة. تدور نابذات كاهوتا بسرعات تصل إلى 100ألف دورة في الدقيقة الواحدة.
يقول الدكتور عبد القدير خان في إحدى مقالاته: أحد أهم عوامل نجاح البرنامج في زمن قياسي كان درجة السرية العالية التي تم الحفاظ عليها، وكان لاختيار موقع المشروع في مكان ناءٍ كمدينة كاهوتا أثر بالغ في ذلك. كان الحفاظ على أمن الموقع سهلا بسبب انعدام جاذبية المكان للزوار من العالم الخارجي، كما أن موقعه القريب نسبيًا من العاصمة يسر لنا اتخاذ القرارات السريعة، وتنفيذها دون عطلة. وما كان المشروع ليختفي عن عيون العالم الغربي لولا عناية الله تعالى، ثم إصرار الدولة كلها على إتقان هذه التقنية المتقدمة التي لا يتقنها سوى أربع أو خمس دول في العالم. ما كان لأحد أن يصدق أن دولة غير قادرة على صناعة إبر الخياطة ستتقن هذه التقنية المتقدمة".
أيضا وقد قالت رئيسة الوزراء السابقة بنذير بوتو أنها هي أيضا لم يكن يسمح لها بزيارة معامل خان للبحوث.

قام الفريق الباكستاني لمعامل الدكتور عبد القدير خان للبحوث بتصميم النابذات وتنظيم خطوط الأنابيب الرئيسية وحساب الضغوط وتصميم البرامج والأجهزة اللازمة للتشغيل.استغرق العمل على مشروع بناء اللآلات النابذة ثلاث سنوات فقط.
امتدت أنشطة معامل خان البحثية لتشمل بعد ذلك برامج دفاعية مختلفة؛ حيث تصنع صواريخ وأجهزة عسكرية أخرى كثيرة وأنشطة صناعية وبرامج وبحوث تنمية، وأنشأت معهدا للعلوم الهندسية والتكنولوجية ومصنعًا للحديد والصلب، كما أنها تدعم المؤسسات العلمية والتعليمية.
في البداية كان يقوم الدكتور عبد القدير خان بشراء كل ما يستطيع من إمكانات من الأسواق العالمية بفضل صِلاته بشركات الإنتاج الغربية المختلفة لكن حين علم العالم بتمكن باكستان من صناعة القنبلة النووية ثار على الحكومة الباكستانية وبدأت الضغوط تمارس على الحكومة من جميع الجهات ما بين عقوبات اقتصادية وحظر على التعامل التجاري وهجوم وسائل الإعلام الشرس على الشخصيات الباكستانية. كما تم رفع قضيةعلى الدكتور عبد القدير خان في هولندا بتهمة سرقة وثائق نووية سرية وحكم عليه غيابيا بأربع سنوات لكن في الاستئناف تم تقديم وثائق من قبل ستة أساتذة عالميين أثبتوا فيها أن المعلومات التي كانت مع الدكتور عبد القدير خان من النوع العادي، وأنها منشورة في المجلات العلمية منذ سنين. تم بعدها إسقاط التهمة من قبل محكمة امستردام العليا. يقول الدكتور عبد القدير خان: إنه حصل على تلك المعلومات بشكل عادي من أحد أصدقائه؛ إذ لم يكن لديهم بعد مكتبة علمية مناسبة أو المادة العلمية المطلوبة.
بعد هذا الهجوم بدأ المشروع في إنتاج جميع حاجياته بحيث أصبح مستقلا تماما عن العالم الخارجي في صناعة جميع ما يلزم المفاعل النووي.

تحدث الدكتور خان عن هذه الفترة قائلا: في حين كان العالم المتقدم يهاجم برنامج باكستان النووي بشراسة كان أيضًا يغض الطرف عن محاولات شركاته المستميتة لبيع الأجهزة المختلفة لنا! بل كانت هذه الشركات تترجّانا لشراء أجهزتها. كان لديهم الاستعداد لعمل أي شيء من أجل المال ما دام المال وفيرًا!
وتعدّ التجارب النووية الست التي قامت بها باكستان في مايو1998 بمثابة تأشيرة دخول باكستان إلى النادي النووي، وأصبح عبد القدير خان بسببها بطل باكستان الثاني بعد محمد علي جناح -أول رئيس لباكستان- كما أطلقت عليه الصحافة لقب " أبو القنبلة الذرية الإسلامية "، وامتلأت شوارع المدن الباكستانية بصوره، خاصة مع المجهودات الخيرية التي كان يقوم بها مثل إنشاء العديد من المدارس، وحملته لمكافحة الأميّة. وفي تلك الفترة، نال خان13 ميدالية ذهبية من معاهد ومؤسسات قومية مختلفة، ونشر حوالي 150 بحثًا علميًا في مجلات علمية عالمية، كما مُنح عام 1989 " وسام هلال الامتياز". وفي العام 1996 نال " نيشان الامتياز" ـ وهو أعلى وسام مدني تمنحه دولة باكستان ـ تقديرًا لإسهاماته المهمّة في العلوم والهندسة.
 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي