"بحوث في السيميائيات الثقافية" لتوفيق قريرة

2022-12-01

غلاف الكتاب

صدر عن دار يس للنشر في تونس في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي كتاب لأستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية توفيق قريرة. يحوي الكتاب الذي يمتد على 296 صفحة قسمين كبيرين: القسم الأول منهما مقدمة نظرية تعرف بالسيميائيات، انطلاقا من أشهر مفاهيمها وأبرز أعلامها، وتخصص النظر في السيميائيات الثقافية؛ والقسم الثاني مقالات كان المؤلف قد نشرها في صفحات جريدة «القدس العربي» في عمود يحرره أسبوعيا في الصفحة الثقافية ومدارها السيميائيات الثقافية، وثقها وأعاد تهميشها وربطها بالمصادر.

نقرأ في الكتاب أن هناك اتجاهين في توظيف دراسة العلامات وطرائق إنتاجها في ثقافة معينة أحدهما يسيطر عليه النظر في الكيفية التي توظف بها العلامات اللغوية المكتوبة أساسا على أنها أهم العلامات الثقافية، وهذا ظهر في الدراسات الأدبية ذات الطابع السيميائي بداية من ستينيات القرن الماضي؛ وينفتح الثاني على المنتج الثقافي، بما هو خطاب سمعي بصري يمكن أن يُرى مكتوبا أو مصورا، ويمكن أن يسمع مقروءا، أو مغنى معزوفا في مجالات متعددة من الفنون.

في هذا السياق نشأت سيميائيات كثيرة كسيميائيات الصورة، وسيميائيات اللباس، وسيميائيات الطعام، وغيرها من السيميائيات التي درست المنتج الثقافي المخصوص باعتباره نظاما علاميا مغلقا على ذاته، أو متفاعلا مع غيره من الأنظمة. كان أهم السيميائيين في هذا السياق أولئك الذين استطاعوا أن يمزجوا الاتجاه المنطقي الذي تزعمه شارل بيرس بالاتجاه اللساني الذي زرع بذرته دي سوسير؛ لقد كانوا أكثر السيميائيين نجاحا في فتح الأبواب على قراءة علامات المنتجات الثقافية المختلفة. وفي هذا السياق لا بد من أن نشيد بأعمال الفرنسي بارت والإيطالي إيكو، دون أن نقلل من شأن المدرسة الروسية التي كان لأعلامها مثل يوري ميخائيلوفتش لوتمان الفضل في فهم الثقافة على أنها بنية من النظم الرمزية، ومن النصوص الثقافية وكان فهما مثمرا، ولاسيما في إبعاد الثقافة عن دوامة الدلالة الأحادية.

في الكتاب مقالات عن الأسطورة بما هي علامة رمزية يمكن أن تتخلل السلوك اليومي، أو تدخل حتى الممارسة العلمية، وفيها حديث عن الجسد ثوبا وعن الثوب وقد دجن، وعن العلامات الثقافية المحلية القديمة والحديثة، وحديث طريف عن حياة العلامات الثقافية وموتها، وعن مسترسل العلامات وغيرها من المواضيع التي تشتغل فيها العلامة من غير تمييز ثقافي لا فصل فيه بين علامات الآن وعلامات ضاربة في الزمان. المهم أنك وأنت تقرأ مقالات هذا الكتاب الذي يبسط كثيرا من المفاهيم السيميائية، تجدك بصحبة أحد المشائين الكبار يجول بك الأمكنة والأزمنة، فأنت معه من شاطئ إلى مدينة عتيقة، أو إلى سوق للملابس المستعملة؛ يدخلك مرة على صبية يلعبون في زمان منقطع عن هذا الزمان، ويمشي بك مرة أخرى بين المتسولين.. والرابط الوحيد بين هذه الأماكن والأزمنة ليس اشتغال العلامات، بل هو ما استعار له بيرس من بعض الفلاسفة الأبيقوريين اسم السيميوزيس ومعناه بشكل مبسط فعلا أو تأثيرا، لا تسلطه العلامة وحدها على من يستقرئها، بل تسلطها بتفاعل ثلاثي بين العلامة والغرض منها ومفسرها أو معناها الذي تؤول به.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي