مارك كوري.. سيرةٌ فكرية لمفهوم الاختلاف

2022-10-01

إذا كان مفهوم الاختلاف واحداً من أكثر المفاهيم الفلسفية حضوراً في النقاشات الفكرية المعاصرة، فإن نظرة إلى تاريخ الفلسفة تكفي لنعرف أن الأمر لم يكن دائماً كذلك، وأن هذا المفهوم لم يرَ النور ــ في شكلٍ مختلف عن معانيه التي يتّخذها اليوم ــ إلّا في فلسفات الحداثة، لدى كانط وهيغل ولاينتز على سبيل المثال، ولا سيّما في نقاشاتهم لمسائل الهوية والذات، حيث نتحصّل على المختلِف والآخر بشكل سلبي، انطلاقاً من تعيين لماهيّة الذات.

على أنّ المفهوم لم يكتسب غِناه الذي نعرفه اليوم إلّا خلال القرن الماضي، حيث حلّ بوصفه فكرةً مركزية في لسانيات فردينان دو سوسور، الذي قال بأن المعاني لا تقوم على هويّات ثابتة وجاهزة للكلمات والأصوات، إنما على تمايُز واختلاف بين بعضها؛ وهي فقرةٌ تلقّفها من بعده مفكّرو البنيوية ومن ثمّ جاك دريدا، الذي بات هذا المفهوم مرتبطاً باسمه إلى حدّ بعيد.

عن دار "التكوين" في سورية، صدرت حديثاً النسخة العربية من كتاب "مفهوم الاختلاف" للباحث والأكاديمي مارك كوري، بترجمة باسل المسالمة.

يتوزّع الكتاب على ستّة فصول يبدأها الباحث بمقدّمة حول العلاقة بين الهوية والاختلاف، شارحاً انتقال المفهوم من النقاشات المنطقية إلى الأبحاث اللسانية التي يتوسّع في شرح مقاربتها للمفهوم في الفصل الثاني، وهو فصلٌ يناقش قضايا مثل إحالة اللغة على الواقع، وعِلم الدلالات، ونظرية السرد، والشعرية وغيرها.

ويعرض الباحث، في الفصل الثالث، الفروقات في فهْم الاختلاف بين الفيلسوفين الفرنسيين جاك دريدا وجيل دُلوز، حيث تتركّز محاولة الأوّل على ضرورة إخراج مفهوم الاختلاف من ثنائيات ميتافيزيقية مثل الهوية ــ الاختلاف، أو الأنا ــ المختلِف (أو الآخر)، في حين يهتمّ دُلوز بالاختلاف انطلاقاً من بُعده الزمني، وهو ما يعبّر عنه عنوان كتابه "الاختلاف والتكرار".

ويعرّج المؤلّف، في الفصول الثلاثة الأخيرة، على تمظهر مفهوم الاختلاف في مجمل الحقول الكتابية والفكرية، من الأدب إلى التاريخ ودراسات الجندر، مروراً بالاختلافات الطبقية والثقافية، التي يعرّج عليها عبر قراءة نقدية للعلوم الاجتماعية المولودة في نهايات القرن التاسع عشر، مثل الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والإثنولوجيا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي