"دليل أكسفورد للمؤسسات السياسية": نسخة عربية

2022-08-06

ضمن سلسلة "ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدرت حديثاً النسخة العربية من كتاب "دليل أكسفورد للمؤسسات السياسية"، وهو من تحرير ر. أ. و. رودس، وسارة أ. بايندر، وبيرت أ. روكمان، بترجمة علي برازي وابتسام خضرا.

يتضمن الكتاب مسحاً شاملاً لما توصلت إليه دراسة المؤسسات السياسية، مع صعود المؤسساتية الجديدة، ويحتوي على مساهمات حوالى أربعين أستاذاً جامعياً متميّزاً في مجالات عدة من العلوم السياسية من مختلف الجامعات العالمية الرائدة، تتنوع من حيث المفاهيم المتعددة لهذه المؤسسات، إضافة إلى الأسئلة والمناظرات الكثيرة التي تثيرها بخصوص أصول المؤسسات وتطورها وأثرها في الممارسة السياسية وفي السياسات.

يعرض الكتاب مقاربات نظرية عدة كالمؤسساتية المعيارية، ومؤسساتية الاختيار العقلاني، والمؤسساتية التاريخية، والمؤسساتية العالمية وغيرها، ويغطي الاهتمامات التقليدية للعلوم السياسية في مجال الدساتير، والنظم الفدرالية، والإدارات الحكومية، والهيئات التشريعية، والمحاكم، والأحزاب وسواها، ويعكس الاهتمامات المتسعة بالمؤسسات العالمية ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني.

المؤسساتية، بوصفها مصطلحاً يستخدم في هذا الكتاب، تعني ضمناً مقاربة عامة لدراسة المؤسسات السياسية؛ أي مجموعة من الأفكار والفرضيات النظرية التي تتناول العلاقات بين الخصائص المؤسساتية والفاعلية السياسية والأداء والتغيير. وتشدد المؤسساتية على الطبيعة الذاتية النمو والبناء الاجتماعي للمؤسسات السياسية؛ فالمؤسسات ليست مجرد عقود تعكس التوازن القائم بين لاعبين فرادى، أنانيين، ذوي حسابات دقيقة، وليست حلبات للقوى الاجتماعية المتنافسة، إنها مجموعات من الهياكل والقواعد وإجراءات العمل المعيارية التي تمارس دوراً مستقلاً جزئياً في الحياة السياسية.

الفرضية الأساسية الأولى في المنظور المؤسساتي هي أن المؤسسات تخلق عناصر النظام وقابلية التنبؤ، وتصوغ اللاعبين وتعينهم أو تعوقهم في أثناء حركتهم ضمن منطق من الأفعال الملائمة. إنها حاملة للهويات والأدوار، ومؤشر على شخصية الكيان السياسي وتاريخه ورؤاه، وهي توفر روابط تشدّ المواطنين بعضهم إلى بعض، على الرغم من الأشياء الكثيرة التي تفرّق بينهم، كما تؤثّر في التغيير المؤسساتي، وتخلق بعض عناصر "اللاكفاءة التاريخية".

الفرضية الأساسية الثانية تقول إن ترجمة البنى إلى فعل سياسي، وترجمة الفعل إلى استمرارية وتغيير مؤسساتي، تتولدان عبر عمليات قابلة للفهم وروتينية. فهذه العمليات تنتج أنماط فعل ونماذج تنظيمية متكررة. وإحدى الصعوبات أمام طلاب المؤسسات هي شرح كيف يجري إرساء استقرار هذه العمليات أو زعزعتها، وما العوامل التي تديم هذه العمليات الجارية أو تعوقها.

يمكن التفكير في الشبكة على أنها مؤسسة إلى حد أنها تمثّل نمطاً مستقراً ومتكرراً من التفاعل السلوكي، أو التبادل بين الأفراد والمنظمات. وتنظر المقاربة الشبكية إلى الشبكات، وإلى حد بعيد، بالطريقة ذاتها التي وصف بها بيتر هول المؤسساتية، وهي أنها متغيرات وسيطة حاسمة تؤثّر في توزيع السلطة، وفي بناء المصالح والهويات وديناميكيات التفاعل. لا يوجد نموذج واحد لدراسة الشبكات، بل هناك مناقشات متداخلة في العلوم السياسية، ونظرية التنظيم والإدارة العامة، وعلم الاجتماع الاقتصادي.

ومع ذلك، من العدل القول إن هناك أربعة مبادئ عليا، أو فرضيات مشتركة بين تيارات مؤسساتية الشبكات المختلفة. أوّل هذه المبادئ وأكثرها عمومية هو المنظور العلاقاتي للفعل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. في التفسير الاجتماعي، يناقض مصطفى إميرباير المنظور العلاقاتي بالمقاربات الخصائصية؛ ففي هذه الأخيرة، تُفسّر الظواهر على أساس خصائص الأفراد، أو المجموعات، أو المنظمات. أمّا مؤسساتية الشبكات فتؤكّد، على العكس، العلاقات التي لا يمكن اختزالها إلى خصائص فردية، بوصفها وحدة التفسير الأساسية. أما المبدأ الأساسي الثاني من هذه المبادئ، فهو افتراض التعقيد، وفيه يُفترض بالعلاقات التي تربط الأفراد والمجموعات والمنظمات أن تكون معقّدة؛ بمعنى أن الصلات بينها متداخلة ومتشابكة. ليست المجموعات والمنظمات مقيّدة بإحكام، وهي بالتأكيد ليست واحدية، وغالباً ما تكون متداخلة. والمبدأ الأساسي الثالث من مبادئ مؤسساتية الشبكات هو أن الشبكات موارد وتقييدات على السلوك، وهي، بوصفها موارد، قنوات للمعلومات والمساعدة المعبأة سعياً وراء مكاسب معينة، أمّا بوصفها تقييدات، فهي بنى للنفوذ والسيطرة الاجتماعيين اللذين يحدّان من الفعل. وآخر مبدأ عام من تلك المبادئ، أنّ الشبكات تحشد المعلومات، والنفوذ الاجتماعي، والموارد، ورأس المال الاجتماعي، بطرائق متمايزة جداً. وتؤمّن الشبكات وصولاً متنوعاً إلى الموارد والمعلومات والدعم؛ فالعالم الاجتماعي ليس معقداً فحسب، بل هو أيضاً متحيّز جداً.

للمجتمع المدني العابر للقوميات أهميته في مخرجات السياسة العالمية، وفي هذا الإطار تواجهنا ثلاث مسائل بالغة الأهمية لم تحسم، وما زال يتعين على الأبحاث المستقبلية تناولها. المسألة الأولى تتعلق بتفسيرِ كيف ومتى تتجلى أهمية المجتمع المدني العابر للقوميات. أما المسألة الثانية، فهي أن الأدبيات كانت حتى وقت قريب، تركّز، في معظمها، على التفاعلات بين المجتمع المدني العابر للقوميات والدول، أو المنظمات "بين-الحكومية" التي تنشِئها الدول، كما كانت تميل إلى استكشاف الجانب المعاكس من تلك التفاعلات، لكنّ نسق التفاعلات العالمية للمجتمع المدني يتحول؛ فالفاعلون من القطاع العام، والقطاع الربحي، وقطاع المواطنين، يقومون، على نحو متزايد، بعقد شراكات واضحة أحياناً، وضمنية أحياناً أخرى. وفي بعض الحالات، جرى ضمّ فاعلين من المجتمع المدني إلى وفود حكومية مشاركة في مفاوضات رسمية بين- حكومية، وهذه ظاهرة لم تلقَ اهتماماً كبيراً من قبل الباحثين.

المسألة الثالثة، كما تشير كاثرين سيكينك، هي أنه نظراً إلى كون "الحركات" الاجتماعية والشبكات العابرة للقوميات تتحول تدريجاً إلى سمات دائمة للحياة الدولية، يتعين على الباحثين التعامل بمزيد من الاهتمام مع المعضلات التي يسببها وجودُ أولئك الفاعلين غير التقليديين وقوتهم: معضلات التمثيل، والديمقراطية، والتداول، والمحاسبة.

ولكن قد يتطلب الأمر بعض الآليات من هذا النوع، إذا كان للمجتمع المدني العابر للقوميات أن يجد لنفسه موقعاً راسخاً في السياسة العالمية، بوصفه مشاركاً شرعياً. وتتمثل إحدى المشكلات بحالات اللاتماثل العديدة في عالم المجتمع المدني؛ إذ يمكن مواطني الدول الغنية، غالباً، استخدام قنوات المجتمع المدني للمشاركة في عملية صنع القرار العالمية، أكثر مما يمكن مواطني الدول الفقيرة، كما أن القرارات المتعلقة بالشبكات والحملات التي ينبغي تمويلها، وكذلك بالأجندات العالمية التي يرجح أن تشهد تطوراً، من بين الأجندات العديدة الممكنة، تُتَخذ غالباً في مؤسسات توجد فيها دول غنية. وثمة توجّه يتطور حالياً نحو تحقيق المزيد من الإنصاف. انتشرت المنظمات غير الحكومية في كل أنحاء الدول النامية، وأدرك الفرقاءُ في دول الشمال - وهم المساهمون في الحملات العابرة للقوميات - ضرورةَ التعامل مع نظرائهم في دول الجنوب، بدلاً من التعامل باسمهم. ومع ذلك، غالباً ما تجد تلك المجموعات أنها تتنافس على الموارد المتوافرة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي