الأزمات في وسط آسيا تؤكد عدم قدرة المنطقة على أن تصبح ديمقراطية

د ب أ- الأمة برس
2022-07-17

ليس لجذور الأزمة اي علاقة بكاراكالباكستان. والأمر كله بدأ عندما بدأ الرئيس شوكت ميرضيائيف بعد أقل من سنة من إعادة انتخابه (أ ف ب)

نيويورك: في الشهور الستة الأخيرة شهدت ثلاث دول في وسط آسيا – هي كازخستان، وطاجيكستان وأوزبكستان- أزمات كبرى. وتطورت الحالات الثلاث على نفس المنوال: توترات واحتجاجات متزايدة، ورد فعل مسلح من جانب الأجهزة الأمنية، وقمع شديد، وتحقيق على أساس دوافع سياسية . ومع ذلك، كانت النتائج بالنسبة لكل دولة مختلفة تماما عنها بالنسبة لغيرها من الدول.

ويقول الصحفي الروسي كيريل كريفوشيف في تحليل نشرته مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن الأزمة الأولى شهدتها كازاخستان في كانون الثاني/ يناير الماضي، عندما تحولت احتجاجات عمال النفط إلى أعمال عنف وامتدت إلى ألماتي، أكبر مدن الدولة. واستغل الرئيس قاسم –جومارت توكاييف الفرصة لزعزعة هيمنة النخب القديمة للأبد، وبعد استقرار الأمور، بدأ عمليات إزاحة رئيس البلاد السابق واسع النفوذ نورسلطان نزارباييف، من دهاليز القوة في كازاخستان ، وإجراء إصلاح دستوري.

وبعد أن طلب توكاييف قوات من منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا للمساعدة في إخماد القلاقل، كانت هناك مخاوف من أن تمثل الأزمة نهاية للسياسة الخارجية متعددة القوى الموجهة، وأن تخضع كازاخستان لموسكو في مقابل المساعدة التي تلقتها من منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

ويبدو أن تلك المخاوف لم يكن لها أساس: ففي مقابلة مع التليفزيون الروسي قبل المشاركة في منتدى بطرسبرج الاقتصادي الدولي في حزيران/ يونيو الماضي أوضح توكاييف تماما أن بلاده لا تعتبر نفسها أنه تم "انقاذها" بواسطة روسيا بأي حال من الأحوال.

ويقول كريفوشيف إن ما سبق يعتبر خلفية ونموذجا للأحداث التي وقعت في بداية هذا الشهر في كاراكالباكستان، وهي منطقة تحمي بضراوة وضعها كـ" جمهورية تتمتع بالحكم الذاتي" داخل أوزبكستان، عندما اندلعت الاحتجاجات بسبب خطط تهدف للحد من حقها في الانفصال. ولقى 18 شخصا حتفهم وأصيب عشرات آخرون عندما اشتبك المحتجون مع قوات الأمن.

وليس لجذور الأزمة اي علاقة بكاراكالباكستان. والأمر كله بدأ عندما بدأ الرئيس شوكت ميرضيائيف بعد أقل من سنة من إعادة انتخابه، التفكير في كيفية البقاء لفترة ثالثة( والدستور يحدد فترتين فقط للرؤساء) . ولم تكن الشكليات القانونية شيئا يزعج سلفه إسلام كريموف الذي حكم أوزبكستان من 1991 حتى وفاته عام 2016، ولكن ميرضيائيف تطلع إلى ما حدث في روسيا، حيث نجح بوتين في إعادة تصفير الساعة بالنسبة لفتراته الرئاسية من خلال تعديل الدستور.

ونظرا لأن دستور أوزبكستان الحالي منح كاراكالباكستان مجموعة كبيرة من الحقوق، بما في ذلك الحق في الانفصال إذا صوت المواطنون لصالح ذلك في استفتاء، بدا ذلك مكانا سهلا يمكن البدء به: وذلك بأن يحل محل الحق في الانفصال صياغة غامضة عن كيفية حكم المنطقة وفقا لدستوري وقوانين أوزبكستان وجمهورية كاراكالباكستان.

ولم تمر هذه المقترحات مرور الكرام على المواطنين، ونظم دوليتمورات تازيموراتوف، وهو مدون وناشط في مدينة نوكوس الرئيسية في كاراكالباكستان اجتماعا للاحتجاج في 5 تموز/ يوليو الحالي ضد التعديلات المقترحة. وكان قد تم القاء القبض عليه في اليوم الأول من الشهر الحالي وتم اطلاق سراحه عندما بدات الحشود تتجمع بالقرب من السوق المركزي في المدينة. وفي اليوم التالي، احتشدت جموع من المواطنين قرب مبنى البرلمان للاستماع له، وتحول الحدث إلى حالة من الفوضى.

وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن أجهزة الأمن بدأت في القاء قنابل الدخان كان المحتجون يسارعون بإعادة إلقائها عليها. واستمر العنف طوال الليل وسط تعتيم إعلامي: حيث تم قطع خدمة الانترنت في المنطقة، بينما تجاهلت وسائل الإعلام الرسمية ما يحدث. وانتهى الأمر بتوجه الرئيس ميرضيائيف إلى نوكوس لطمأنة السكان بأن وضع المنطقة لن يتغير.

وقد قيل بالفعل أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تشرين الأول/أكتوبر إن الإصلاح الليبرالي في أوزبكستان سيتم ابطاؤه بصورة كبيرة إن لم يكن سيتم وقفه تماما. والآن اتضح عدم صحة ذلك، ويُنظر إلى فترة 2017-2019 على أنها " العصر الذهبي" لحرية التعبير في أوزبكستان.

وكان مسرح الأزمة الثالثة التي حدثت في الشهور الأخيرة في وسط آسيا هو منطقة جورنو- باداخشان في طاجيكستان ، وكانت الأزمة اطول أجلا من الأزمتين السابقتين ولم تجتذب اهتماما مثلهما. و جورنو- باداخشان مثل كاراكالباكستان في أوزبكستان، منطقة شاسعة لكن قليلة السكان. كما أنها منطقة منعزلة وفقيرة وتعاني من التمييز عرقيا ولغويا من جانب باقي البلاد، وتتمتع بالحكم الذاتي.

وكانت بذور الصراع متواجدة منذ وقت طويل، ولكن سلسلة الأحداث التي أدت في نهاية المطاف إلى " عملية مكافحة الإرهاب" الأخيرة ترجع إلى بداية عام 2021، عندما تم اتهام نائب المدعي العام من دوشنبه بالتحرش جنسيا بامرأة صغيرة السن في المنطقة. وتولى السكان المحليون أمره بأنفسهم ، ويبدو أنه تم ضربه وبالتالي تم استدعاؤه للعاصمة. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر تم اطلاق النار على رجل/29 عاما/ شارك في الاعتداء على نائب المدعي العام بزعم أنه قاوم إلقاء القبض عليه. ولقي الرجل حتفه. وتحولت جنازته إلى مظاهرة احتجاج، مما دفع السلطات إلى قطع خدمة الانترنت للمنطقة كلها طوال الشهور القليلة الباقية.

واستغلت الحكومة الفرصة لزيادة ضغطها والتعامل مع الزعماء المحليين غير الرسميين بما في ذلك أفراد العصابات الاجرامية. واندلعت فيما بعد احتجاجات جديدة ضد نقاط التفتيش التي أقامتها الأجهزة الأمنية في جميع أنجاء المركز الإداري بالمنطقة. وقوبل ذلك بعملية قمع واسعة النطاق قتل فيها عشرات الأشخاص.

وتشترك كل الأزمات التي اندلعت في وسط آسيا هذا العام في الأسباب الكامنة وراء حدوثها: وهي المؤسسات السياسية الضعيفة، والحكومات التي تتجاهل الإحباط العام حتى يتحول إلى سفك الدماء في الشوارع. ومع ذلك، فإنه بالنسبة لتحديث أوزبكستان وكازاخستان، لاشك أن أنصار نهج" اليد الحازمة" سيخلصون إلى أن تقديم التنازلات للمحتجين سوف يشجعهم على تقديم مطالب جديدة. من ناحية أخرى، فإن طاجيكستان- على خلاف كازاخستان وأوزبكستان- لا تحاول حتى تقديم نفسها كدولة تقوم بالتحديث في إطار عملية أن تصبح ديمقراطية. وشريكها الوحيد هو الصين، التي تقوم حاليا بتشييد مبان حكومية جديدة في دونشبه، والمعروف للغاية اتجاهها بالنسبة لحقوق الانسان.

واختتم كريفوشيف تحليله بالقول إنه لذلك تعتبر قدرة دول وسط آسيا على أن تصبح دولا ديمقراطية محدودة للغاية. وفي هذا الوضع، فإن أفضل ما يمكن أن يؤمل هو أنه خلال هذه العملية، لن يتم طمس الانجازات السابقة تماما.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي