عتيقة بنزيدان ترتقي معراج الحب في ديوان «أحلق في سماء العشق»

2022-06-20

أسامة الصغير

الكاتبة الروائية والشاعرة عتيقة بنزيدان من مواليد مدينة الرباط، امتزجت تجربتُها الإبداعية بين الشعر، حيث صدرت لها خمس مجاميع شعرية، والشعرِ الغنائي في جُملةٍ من الأعمال الوطنية والعاطفية المُغَنّاة، فكان لها أن حصلت على الجائزة الكُبرى لمهرجان الأغنية الوطنية عن رائعَتها «أعز الناس»، كما انفتحت على الكتابة الروائية، وأصدرت روايةً بالفرنسية وسَمَتْها Résilienteثم رواية «حين يُسدل الستار». وها هي تُصدِر عملَها الجديد من خلال ديوانٍ شعري عَمَّدَته باسم «أحلّق في سماء العشق».

جاء الديوان في شكلٍ مُرَبَّع، من القطع المتوسط يَتقاربُ فيه حجمُ الطول والعرض، بغلافٍ صَقيل يَحمل لوحةً للأُفق الشَّفَقي لحظةَ المَغيب، كأن الذات المؤلفة بعد نُضجِ السنوات وتَخَمُّرِ الكتابة تُعيد النظرَ، أو بالأحرى تؤُوبُ إلى لحظةِ تأمُّلٍ واستغراقٍ في أعماق الذات، بعد أن سكنتْ وهدأتْ. من هذا المكان آثَرَتِ الشاعرةُ الخَطَّ العربي العثماني لترسُمَ دَزِينةَ قصائِدِها، وبلونٍ قُرمزي رَصَّعَتْها على امتدادِ صفحاتِ الكتاب الثلاث والتسعين. إن اختيار نمط هذا الخط، هُو دلالةٌ سيميائية على الولَع والارتباط بالأشعار والتآليف الصوفية التي تَعتبر الخطَّ علامةَ وجود وآيةَ عشقٍ.

بدأت طلائعُ الديوان الأولى بقصائد تُصَوِّرُ تجربةَ الحب المنسَجمة بفيضٍ من مشاعرِ الاستقرار والتوازُن في العلاقة بين الذات والطرف الآخر، لكن ومع توالي النصوص والمَشاهد، نكون مع قصائد تَرصُد الانقلابَ الفُجائي، هنا يَتغيَّر إيقاعُ النصوص ولونُ الصور، فيَتغيَّرُ المُعجَم الشعري من عبارات: يغمرُني، دفء، عطر، شعاع، ثمار، إلى عبارات: انكسار، خريف، خيانة، الشقاء، الرماد. هي إذن تنويعات على الحب، ليست دائما تلك العلاقة المُنسَجمة المُتَوادَّة، بل تَقف على تناقُضات الحب/ الحبيب، وما قد يَنجم عنها من خيانات وتكسيرِ أُفق الانتظار التي تَصطَلِي بها المرأةُ الصادقة في عشقها. إننا نُطالِعُ كتابةً تَتأنَّقُ في لغةٍ قَشِيبة، وتنتصرُ لمعاني حبٍّ أشبَه بالاتحاد الصوفي مع المحبوب، وقد اختارت المُبدعةُ موضوع الحب لأنه قيمةُ القيم، ودرْعٌ للاحتماء من قُبح الذهنيات والعلائق الاجتماعية، فجاءت العبارةُ مُرهَفة، تَطلع عفوَ الخاطر الشعري، مُنْساقة للدَّفْقة، لذلك فهي تَخلُق إيقاعَها بتلك الشفافية والروح الناصعة، وتَخلُق صورةً شعرية عبر دمْجِ المحسوس بالرمزي، كما في قولها:

حين تداعب أناملُك الرفيعة

خصلات الشعر النافرة

تهتزُّ أوتارُ الفؤاد

وهي بهذا الاختيار الجمالي تَمنح القارئ إمكانيةً ليَرى ويحِسَّ بالمُجرَّد، بحيث ونحن نُطالع الومضات الشعرية، نستطيع أن نرى مشاعرَ الشوق، اللهفة والارتباك، أمام أعيُنِنا عبر قوةِ الصورة الشعرية، فنخرُج عن دائرةِ المألوف، وهل الإبداعُ غير أن نَخرق المألوف؟ إن تجربة الكتابة لا تكون بالضرورة ذاتية، أي نابعة بشكلٍ خالص من وقائع الذات الكاتبة، بل إن وظيفةَ الكتابة هي التقاط المُشترَك الإنساني والارتقاء به إلى عُمق الإبداع، ليكون القارئ/ المتلقّي مُشارِكاً في إنتاجِ وصياغةِ المعنى الجمالي، لأنه يَجد ذاتَه هناك، لذلك فإن التجارب والمشاعر التي ترصدُها قصائدُ الديوان ليست مُنحَصِرةً على الحياة الشخصية للشاعرة، وإنما هي مَشاعٌ شعوري لتجارب المرأة في علاقَتها بالرجل.

لقد اختارت الشاعرةُ قصيدةَ «أحلق في سماء العشق» وجعلَتها عنوان الديوان/ الأُضمُومة الشعرية، ويبدو أنه اختيارٌ فريد، لأن هذه القصيدة مَزيجٌ من تَراتيلِ العشق كباقي النصوص الأخرى، وحوارٌ ضمني مع الشعر وأفانينِه:

تُحلِّق في سمائي أحرفُ الهوى

أشكالا وألوانا

وأُبحرُ في موج عينيك.

كما أننا نلاحظ درجةً من التداخُل بين الشعري والسردي، فعبْر القصيدة تُرْوَى لنا قصصٌ ومشاهدٌ سردية من قصص الحب تتأرجح بين الوفاء والخيانة، كأننا أمام مُوزاييك إبداعي وتَطريزٍ جمالي لمَشغولات فَنّية شَفيفة.

نلفت الانتباه إلى الوحدة الموضوعية للديوان، فجميعُ النصوص تُعالِج موضوع / ثيمة الحب في مقاماتٍ وجدانية مختلفة، ومن منظورات وحالات شعورية متعدّدة، وتتجسد وحدةُ الموضوع أيضا من خلال الانسجام في الحقل اللغوي الدلالي، بحيث إن نصوص الديوان/ القصائد تتأطر ضمن مجال الطبيعة البحرية، وهو ما ينسجم أيضا مع لوحة الغلاف. كل هذه العناصر تؤكد أن الكاتبة تنطلق من رؤيةٍ ودرايةٍ جمالية في هذا المُنجَز الشعري الجديد.

كاتب مغربي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي