ميشيل فوكو.. سنةٌ لـ"السؤال الأنثروبولوجي"

2022-06-11

كلّما ظنَّ قرّاء الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926 ــ 1984) أن نشر أعماله الكاملة قد اكتمل، وأن نظرةً شاملة على منجزه كمفكّر ومدرّس قد باتت ممكنة، تأتي عناوين أُخرى لتؤجّل هذه اللحظة، ولتضيف إلى معماره الفكريّ طبقةً أُخرى لا بدّ من التمعُّن فيها وربطها ببقية كتاباتها لفهمها وفهم هذه الكتابات، ربما، على ضوئها.

في طبعةٍ مشتركة عن منشورات "غاليمار"، و"سوي"، ومنشورات "مدرسة الدراسات العُليا في العلوم الاجتماعية" بباريس، صدر حديثاً كتاب "السؤال الأنثروبولوجي: درس عام 1954 ـ 1955"، وهو عبارة عن طبعة لمسوّدة المفكّر الفرنسي من درسه الذي ألقاه في "جامعة ليل" شمال فرنسا وفي "المدرسة العُليا للمعلّمين" بباريس.

لم يكن صاحب "تاريخ الجنسانية" قد بلغ الثلاثين من عمره حينما ألقى هذه الدروس التي تكشف، رغم ذلك، أي رغم حداثة سنّه، عن اطّلاع واسع على تاريخ الفلسفة الغربية يتجاوز الحفظ عن ظهر قلب إلى تكوين نظرة خاصّة حوله، وهو ما تُظهره مقاربته للسؤال الأنثروبولوجي الأساسي: ما الإنسان؟

يقدّم فوكو قراءة تاريخية، أوّل الأمر، في النحو الذي عالجت من خلاله الفلسفة الغربية الحديثة سؤالاً كهذا، ويلاحظ أنّ أوّل الحداثيين، مثل ديكارت ولايبنز، لم يكونوا قادرين على إعطاء هذا السؤال أهمّيته بسبب المعمار الميتافيزيقي الذي كان يحكم نظرتهم، والذي تأخذ فيه فكرة الطبيعة كلَّ حيّزٍ، دون أن تترك هامشاً يمكن من خلاله للإنسان أن يفهم حقيقة نفسه ووجوده واختلافه عن بقية الكائنات حوله.

ويسجّل صاحب "حفريات المعرفة" منعطفاً مع إيمانويل كانط، الذي كان من أوائل الفلاسفة الحداثيين الذين طرحوا السؤال الأنثروبولوجي. ويشرح فوكو، هنا، كيف تحوّل الإنسان مع كانط، ومن بعده مع هيغل وماركس وفويرباخ وديلتاي، من الإقامة على هامش الطبيعة إلى محورها، حيث يتحوّل العالَم والطبيعة إلى ما يشبه شاشة يظهر عليها جوهر الإنسان وحقيقته. ويُنهي فوكو درسه بالالتفات إلى النحو الذي جاء من خلاله فريديريش نيتشه على هذه المقولة، حيث يُخرج الإنسان من القراءة الجوهرانية، الأنثروبولوجية، ليحوّله إلى نتيجةٍ لتاريخ ولعلاقات سُلطة لا تكفّ عن تحديد حقائقه وقيَمه.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي