التكامل اللوني في أعمال التشكيلي العراقي فؤاد هويرف

2022-02-24

جمال العتّابي

يعود الفضل لمجلة «فنارات» التي كانت تصدر عن اتحاد الأدباء في البصرة في التعرف على تجربة الفنان التشكيلي فؤاد هويرف، وتأملها جيداً، في العدد الخامس من المجلة الذي ترافق صدوره مع مهرجان المربد الرابع عام 2007، إذ تضمن العدد ملفاً خاصاً بالفنان هويرف، وعدداً من أعماله الفنية، كما تصدرت الغلاف الأول، لوحة من أعماله، وكذلك الغلاف الأخير، تلك كانت البداية في تتبع التجربة التي بدأها فؤاد، مهتماً بفن الكرافيك، وإدراك مضامين أعماله.
للأشكال التي يقدمها الفنان معالمها الذاتية المتميزة التي تتحدد وفقاً لتوجيه مجموع العناصر المختارة المكونة لها لإعطاء الأثر المطلوب في لوحات قد تسمى أبنية بلغة المجرد، لكن عندما نراها ناتئة على سطح اللوحة، وطبقاً للتداعي الذي تحدثه كل منها: نجمة، مزهرية، شراعا، وجه إنسان أو حيوان، خطوطا، وأشكالا، وعيونا، نقاطا، ومثلثات، تتداخل أو تتقاطع، ويلحق بهذه الأبعاد، بعد آخر يحدد مشكلة المضمون، إن نسباً معينة للخط، وانسجامات معينة في استخدام المادة يحققها اللون، تحمل معها طرزاً تعبيرية بارزة متميزة تامة التميز.

 

إن الحركات الحادة والمنحنية، والمتعرجة، في موقفها المقابل للحركات الملساء والأفقية، تردد أصداءً للتعبير، وغالباً ما يلجأ فؤاد إلى وسط اللوحة، وتركها تسبح في فضاءات بألوان متدرجة، ليس فيها حدّة أو نشاز، واللجوء إلى الظلال الوسيطة، وهي توحي بالوهن والفتور، ويتم ذلك من خلال ضوء بالغ الكثافة، أو بالغ الخفوت، أو عن طريق إثارة الأطياف المرتعشة التي تنبعث من الوسط، من بؤبؤ اللوحة، إن إمكانات مدهشة يقدمها فؤاد في تجمع الألوان، من أجل إحداث التنوع في المعنى، فاللون كقيمة، نغم، الكل يتدرج من نقص إلى إفراط، أو بالعكس، ممتداً في المجال باتساع، أو محدوداً فيه. إن كل تكوين في لوحات فؤاد يملك تعبيره البنائي الخاص، وتشير هذه الوسائل التعبيرية الفعالة بوضوح تام، إلى بعد الأسلوب، الذي يحاول من خلاله التحليق كطائر متشنج فوق الأرض، وهو يحاول تحقيق مبتغاه بالارتفاع فوقها، والاندراج في عالم الحقيقة مدفوعاً بقواه الذاتية الواهنة، ومحرزاً انتصاره على قوى تريد ان تسلب إرادته، وحريته، لا بل تهدد كيانه ووجوده، وهكذا فإن السكونيات والحركات التي تتوإلى على ميكانيكية اللوحة، تتوافق بشكل جمالي مع التباين اللوني الحاد، بالغ التعدد والأهمية. وألوان فؤاد الزيتية شفافة للغاية، تبدو كالألوان المائية، إنه مجرد تأثيرات بحركة الفرشاة على سطح اللوحة، مغمسة بألوان مخففة، يصنع كل هذا البهاء والنقاء .
الفنان هويرف يريد أن يصل بنا مراراً إلى ما يمكن رؤيته على أنه تحطيم تعسفي للأشكال في الطبيعة، إنه أولاً وقبل كل شيء لا يعلق أهمية على الشكل، لأن هذه الأشكال النهائية بالنسبة له، ليست هي المعادل الحقيقي لعملية الخلق، لأنه يضفي كثيراً من القيم الجمالية التي تفعل التكوين، ربما يبدو فؤاد متفلسفاً، دون قصد، فهو وإن لم يكن يرى مع المتفائلين ذلك العالم كأفضل شكل للعوالم الممكنة، ولا يراه في الوقت ذاته قد بلغ مستواه في الرداءة والانحطاط، إنه ما يزال يمعن في النظر والتأمل، كلما أمكنه أن يمدّ بصره من الحاضر، مخترقاً به الماضي نحو المستقبل.


مادة اللوحة في أعمال فؤاد الأخيرة متنوعة، تتكون من الخيش، والقماش خشن الملمس، يكشف من خلالها أوهاماً، أو أشياء فوق الخيال، يخترق فيها الحجب حتى النهاية، تتطلب من المتلقي إحساساً عالياً وواعياً لتفهمها. يبقى الفنان هو من يمتلك مفتاحها السري، يغوص بنا إلى الأغوار، إلى الأعماق البعيدة، حيث منبع كل الأشياء، ما ينبثق من هذا المنبع، أياً كان اسمه، حلماً، فكرة، أم وهماً، يتحول إلى حقيقة فنية تسهم في رفع الحياة، بعيداً عن درجة الرثاثة، لأن هذه الحقائق لا تنفخ فقط مزيداً من الروح في المرأى، لكنها أيضاً تجعل من الرؤى الخفية أشياء ظاهرة للعيان. باستخدام قيم النغم الملونة، الألوان المتكاملة، المتعددة، متوغلاً في الوعي الباطن.
يبقى أن نعرّف بالفنان التشكيلي فؤاد هويرف، فهو من مواليد البصرة عام 1962، أقام معارض عديدة، داخل وخارج العراق، كما شارك في معارض تشكيلية محلية ودولية، ونال شهادات وجوائز تقديرية متعددة.

*كاتب عراقي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي