كيف تتلاعب الحكومة الصينية بـ«فيسبوك» و«تويتر»؟

Buying Influence: How China Manipulates Facebook and Twitter
2021-12-23

صورة مؤرخة في 29 نوفمبر 2021 تظهر علم الصين قرب أحد المباني في بكين (ا ف ب)

في عام 2018، شرعت الحكومة الصينية في حملة جديدة تهدف إلى احتجاز مستخدمي «تويتر» داخل الصين، وهم أصحاب الحسابات الذين وجدوا طُرُقًا للتحايل على عمليات الحظر التي تفرضها الحكومة، وإجبارهم على حذف حساباتهم

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تحقيقًا شارك في إعداده مويي تشياو، وهي صحافية في قسم التحقيقات المرئية بالصحيفة الأمريكية، وباول موزور، مراسل الصحيفة الذي يركِّز على التكنولوجيا والجغرافيا السياسية في آسيا، وجراي بلتران، الكاتب بالصحيفة، حول الوثائق التي تثبت تلاعب الصين بـ«فيسبوك» و«تويتر».

يستهل التحقيق بسيناريو تقوم فيه بإغراق وسائل التواصل الاجتماعي العالمية بحسابات زائفة تُستخدم لدفع أجندة استبدادية، واجعل هذه الحسابات تبدو حقيقية وزِدْ في عدد متابعيها،ثم ابحث عن منتقدي الدولة عبر الإنترنت، واكتشف ماهيتهم ومحل إقامتهم.

حملة لتلميع صورة بكين

يلفت التحقيق إلى أن الحكومة الصينية أطلقت حملة عالمية عبر الإنترنت لتلميع صورتها وتقويض الاتهامات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وهناك قدْرٌ كبير من هذا الجهد يُبذَل في الخفاء، تحت ستار شبكات آلية تُنتِج منشورات آلية وأشخاص يصعب تتبُّعهم عبر الإنترنت.

والآن، تكشف مجموعة جديدة من الوثائق التي استعرضتها صحيفة «نيويورك تايمز» بتفصيل دقيق كيف يستغل مسؤولون صينيون شركات القطاع الخاص من أجل إنتاج محتوى تحت الطلب واجتذاب متابعين وتتبُّع الناقدين وتقديم خدمات أخرى لأغراض تنظيم حملات إعلامية. وتُنفَّذ تلك العملية على نحوٍ متزايد على منصات دولية مثل «فيسبوك» و«تويتر»، اللتين تحظرهما الحكومة الصينية داخل البلاد.

ووفقًا للتحقيق، تقدِّم هذه الوثائق، التي كانت جزءًا من طلب خاص بتقديم عروض من شركات، لمحة نادرة عن كيفية نجاح البيروقراطية الضخمة في الصين في نشر الدعاية وتكوين رأي عام عبر وسائل التواصل الاجتماعي العالمية، وقد حُذفَت هذه الوثائق بعد أن أخطرت صحيفة «نيويورك تايمز» الحكومة الصينية عنها.

وفي 21 مايو (أيار)، نشر قسم تابع لشرطة شنغهاي إشعارًا عبر الإنترنت يسعى فيه للحصول على عروض من شركات خاصة بشأن ما يُعرَف بين المسؤولين الصينيين باسم إدارة الرأي العام، واعتمد المسؤولون على شركات التكنولوجيا لمساعدتهم على مواكبة وسائل التواصل الاجتماعي المحلية وتشكيل الرأي العام تشكيلًا فعَّالًا من خلال الرقابة ونشر المنشورات الزائفة داخل البلاد، وفي الآونة الأخيرة فحسب، وجَّه المسؤولون والقائمون على إدارة الرأي العام اهتمامهم إلى خارج الصين.

مئات الحسابات الزائفة

ويضيف التحقيق: تتطلَّع شرطة شنغهاي إلى إنشاء مئات الحسابات الزائفة على «تويتر» و«فيسبوك» وغيرهما من منصات التواصل الاجتماعي الرئيسة، ويؤكد قسم الشرطة أن هذه المهمة تتعلَّق بإطار زمني مُحدَّد، ما يشير إلى أن القسم يريد أن يكون مستعدًّا لإطلاق الحسابات بسرعة لتوجيه دفَّة النقاش عبر وسائل التواصل.

وأسفرت شبكات الحسابات شبه الآلية، مثل الحسابات التي تريد شرطة شنغهاي أن تشتريها، عن ارتفاعٍ حادٍّ في التفاعلات المؤيدة للصين عبر الإنترنت على مدار العامين الماضيين. وفي بعض الأحيان، تدعم منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشرها تلك الشبكات الحسابات الحكومية الرسمية من خلال الإعجابات أو إعادة نشر المنشورات. وتهاجم هذه الشبكات في أحيانٍ أخرى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين ينتقدون سياسات الحكومة الصينية.

وفي الآونة الأخيرة، حذف «فيسبوك» 500 حساب بعد أن استُخدِمت في نشر تعليقات صادرة عن عالم أحياء سويسري يحمل اسم ويلسون إدواردز، الذي أفادت مزاعم أنه كتب أن الولايات المتحدة تشترك في الجهود التي تبذلها منظمة الصحة العالمية من أجل التعرُّف إلى مصدر جائحة فيروس كورونا، ونفت السفارة السويسرية في بكين وجود شخصية ويلسون إدواردز على أرض الواقع، ولكنَّ وسائل الإعلام الحكومية الصينية نقلت بالفعل اتهامات هذا العالِم الزائفة.

تغيير التكتيكات

ويؤكد التحقيق أن الجهود التي تبذلها شرطة شنغهاي في مجال وسائل التواصل الاجتماعي لا تقتصر على كونها لعبة أرقام، ويُبرِز هذا الجزء من الوثيقة الجهود المبذولة للتحوُّل من تكتيكات القوة الغاشمة مثل استخدام الجيوش الآلية إلى تكتيكات أخرى أكثر تخريبية.

ويسعى قسم شرطة شنغهاي إلى رفع مستوى التطور والقوة: بمعنى امتلاك مجموعة من الحسابات التي تضم متابعين حقيقيين، ومن ثم يمكن تحويلها إلى أهداف حكومية عند الضرورة.

وأشار الطلب، بحسب التحقيق، إلى أن مسؤولي الشرطة أدركوا الحاجة إلى وجود تفاعل قوي مع الجمهور من خلال هذه الملفات الشخصية المأجورة. ويضفي التفاعل الأكثر عمقًا مصداقيةً على الشخصيات الزائفة في الوقت الذي تحذف فيه شركات وسائل التواصل الاجتماعي على نحوٍ متزايدٍ الحسابات التي تبدو غير موثوقة.

ويقول خبراء مكافحة المعلومات المُضلِّلَة إن الشبكات الآلية التي ارتبطت بالحكومة الصينية من السهل أن تُلاحَظ بسبب افتقارها إلى التفاعل مع حسابات أخرى، وعلى الرغم من أنه يمكن استخدامها في التصيُّد ضد الآخرين وزيادة عدد الإعجابات على المنشورات الحكومية الرسمية، فإن معظم هذه الحسابات الآلية لا تتمتَّع بتأثير كبير على مستوى الأفراد نظرًا إلى قلة عدد متابعيها.

مطاردات وتهديدات الحكومة الصينية

وينوِّه التحقيق إلى أنه نظرًا إلى الوتيرة المتزايدة لمستخدمي الإنترنت الذين يعبِّرون عن آرائهم، طاردتهم شرطة الإنترنت الحكومية وهدَّدتهم، وفي البداية، ركَّز وكلاء شرطة الإنترنت على منصات التواصل الاجتماعي المحلية. وفي عام 2018، شرَعوا في حملة جديدة تهدف إلى احتجاز مستخدمي «تويتر» داخل الصين، وهم أصحاب الحسابات الذين وجدوا طُرُقًا للتحايل على عمليات الحظر التي تفرضها الحكومة، وإجبارهم على حذف حساباتهم.

وتوسَّعت الحملة الآن لتمتد إلى المواطنين الصينيين الذين يعيشون خارج الصين. وتوضِّح الوثيقة كيف تريد شرطة شنغهاي اكتشاف هويات الأشخاص الذين يقفون وراء بعض الحسابات وتعقُّب علاقات مستخدميهم بالوطن الأم، ويمكن أن يهدِّد ضباط الشرطة الصينيين بعد ذلك أفراد الأسرة في الصين أو احتجاز أصحاب الحسابات عند عودتهم إلى البلاد من أجل إجبار الناقدين عبر الإنترنت على حذف المنشورات أو حتى الحسابات بأكملها.

ويلمح التحقيق إلى أنه في أثناء الحملات الإعلامية السابقة التي أطلقتها الصين، استُخدمَت الحسابات شبه الآلية لإضافة عدد غير واقعي من الإعجابات والتغريدات إلى المنشورات التي تتعلَّق بالحكومة والدولة عبر وسائل الإعلام؛ ما قد يؤدي إلى زيادة فرص عرض المنشورات من خلال خوارزميات الاقتراحات على كثير من مواقع التواصل الاجتماعي ومُحرِّكات البحث.

وفي الأسابيع الأخيرة، ظهر نمط مماثل من شبكة تتكون من حسابات شبه آلية تروِّج للأدلة التي أصدرها صحفيو وسائل الإعلام الحكومية، بدعوى إظهار أن لاعبة التنس بينج شواي كانت آمنةً، وتتناول وجبة العشاء بحرية في بكين وتحضر بطولة التنس للشباب (كانت اللاعبة قد كتبت على حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي المحلي (ويبو) أنها تتَّهم نائب رئيس الوزراء السابق تشانج جاولي بإجبارها على ممارسة الجنس معه، ومن ثم اختفت ومصيرها غير معروف حتى الآن).

وينوه التحقيق إلى أن قسم شرطة شنغهاي يوضح بكل جلاء ماهية الخاصية التي يرغبها (ضمن المستندات التي حصلت عليها الصحيفة الأمريكية)؛ ما يدلِّل على الإلمام بخوارزميات الاقتراحات على وسائل التواصل الاجتماعي، ويؤكد النهج الذي يتَّبعه القسم على شيء يعرفه مسؤولو الدعاية تمام المعرفة: أي يمكن أن تتسبَّب مجموعة من الحسابات العشوائية في انتشار منشور واحد صادر من حساب رسمي، ما يمنحه مزيدًا من الظهور ويضفي عليه المصداقية.

وبالنظر إلى تطوُّر حملات الدعاية الصينية الخارجية، أصبحت هذه الحملات تعتمد بصورة أكبر على وسائل الإعلام المرئية، ويبحث المسؤولون الصينيون عن شركة لا تكتفي بالاحتفاظ بالحسابات الزائفة ونشرها، بل تُنتِج أيضًا محتوًى أصليًّا، كما يظل الطلب على إنتاج مقاطع الفيديو مرتفعًا.

تحقيق النفوذ عبر مقاطع الفيديو

في السياق ذاته، تُظهِر وثيقة منفصلة استعرضتها صحيفة «نيويورك تايمز» أن قسم شرطة شنغهاي المحلي ذاته اشترى خدمات إنتاج مقاطع فيديو من شركة أخرى في نوفمبر (تشرين الثاني)، وطلبت الشرطة من المورِّد توفير ما لا يقل عن 20 مقطع فيديو شهريًّا ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي المحلية والخارجية، وأشارت الوثيقة إلى هذه المهمة بوصفها تُمثِّل إنتاج مقطع فيديو أصليًّا يمكن استخدامه لخوض «معركة رأي عام».

وفي وقت سابق من هذا العام، وفقًا للتحقيق، أظهر تحليل أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» وموقع «برو بابليكا» كيف أصبحت مقاطع الفيديو، التي تصوِّر أفرادًا من أقلية الإيغور العِرقية يعيشون حياة سعيدة وحُرَّة، جزءًا أساسيًّا من حملة إعلامية نسَبَهَا «تويتر» في نهاية المطاف إلى الحزب الشيوعي الصيني، وعندما حذف «تويتر» الشبكة التي تقف وراء تلك المنشورات، حذف الموقع أيضًا الحسابات المرتبطة بشركة قال إنها ساعدت في تصوير مقاطع الفيديو الدعائية، هذا وقد رفض متحدث باسم «تويتر» التعليق على هذا الإجراء.

وتُظهِر الوثائق أنه بعد مرور ثلاثة أسابيع على الإعلان عن طلب قسم شرطة شنغهاي، فازت شركة تُسمى «شنغهاي كلاود لينك» (Shanghai Cloud Link) بالمناقصة. وفي أثناء العرض الذي قدَّمته، وصفت الشركة نفسها بأنها تضم 20 موظفًا فقط، ووفقًا لصفحة مؤسسها ويي جولين على موقع «لينكد إن»، تتعاون الشركة مع شركات متعددة الجنسيات وتقدِّم خدمات في مجال «الحكومة الرقمية» و«المُدُن الذكية».

ولم يرُد السيد ويي على طلب الإدلاء بتعليق لصحيفة «نيويورك تايمز»، كما لم يرُد مكتب الأمن العام في شنغهاي بودونج على طلبٍ أُرسِل عبر الفاكس للإدلاء بتعليق.

ويشير التحقيق إلى أن العمل الذي تقدمه شركة «شنغهاي كلاود لينك» لا يُمثِّل على الأرجح سوى غيض من فيض؛ إذ قدَّمت الحكومات المحلية والشرطة في جميع أنحاء الصين طلبات مُماثلة للحصول على خدمات تتيح التأثير في وسائل التواصل الاجتماعي خارج البلاد، ولكن غالبًا ما يكون ذلك بعبارات غامضة.

ومن حين لآخر، يُكشَف عن التفاصيل، ففي عام 2017، على سبيل المثال، اشترت الشرطة في منطقة منغوليا الداخلية برامج مكَّنت المتصيدين الحكوميين من كتابة منشورات مباشرة على عديد من مواقع التواصل الاجتماعي داخل الصين وخارجها، وفقًا لوثائق استعرضتها صحيفة «نيويورك تايمز»، وفي حالة أخرى، أجرت إحدى الشركات تنزيلاتٍ لمئات من بيانات اعتماد الوصول إلى موجزات عامة لموقع «فيسبوك»؛ ما أتاح لها جمع بيانات عن الأشخاص الذين علَّقوا على المنشورات ووقت تعلقيهم عليها، ولم يُعلِّق «فيسبوك» على هذا الأمر.

ويتيح العرض الفائز الذي قدَّمته شركة «شنغهاي كلاود لينك» إطلالة على التكلُفة المُحتملة لبعض أنواع الخدمات المتعلقة بالمعلومات المُضلِّلَة هذه.

ويختم الكُتَّاب تحقيقهم بالقول: تسعى شركات التكنولوجيا في كثير من الحالات إلى بيع الأجهزة والبرامج للسلطات الصينية بصورة مباشرة، وفي هذه الحالة، ألمح عرض شركة «شنغهاي كلاود لينك» إلى نموذج جديد قائم على تقديم الخدمة، وهو نموذج يدفع فيه المسؤولون للشركة على أساس شهري، وهو نوع من الاشتراك من أجل التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي