الجزائري حمزة شرقي يشكّل من فن الفيلوغرافيا لوحات تحتفي بالكتلة والفراغ

2021-10-12

تناغم المسامير والأسلاك يمنحان الفيلوغرافيا خصوصيته الفنية

الجزائر – لا يستهوي فن الفيلوغرافيا، أو فن الرسم بالمسامير والخيوط والأسلاك، الكثير من الفنانين، كونه يتطلّب الصّبر والنَّفس الطويل، وهو الأمر الذي يفتقده الناس في عصر السُرعة والتحوّلات المُتسارعة.

ومع ذلك لم يجد الفنان الجزائري حمزة شرقي حرجا في الاتجاه إلى هذا الفن، وجعله هواية يتسلّى بها ويصنعُ من خلالها لوحات لم يستخدم في تشكيلها سوى المسامير والخيوط الملوّنة والرُقع الخشبية.

ويقول شرقي إن حبه للفن عموما نابع من ميوله وموهبته الفطرية التي كبُرت مع الأيام. أما توجهه إلى فن الفيلوغرافيا، بصفة خاصة، فيعودُ إلى رغبة في إيجاد فسحة للتعبير عن مكنونات نفسه وترجمة ذاته عبر الفن.

ويؤكّد الفنان الجزائري أن مستواه التعليمي المتواضع (سنة أولى من التعليم الثانوي) لم يحُل بينه وبين تعلُّم أبجديات فن الفيلوغرافيا عن طريق الإنترنت، فأقبل على مشاهدة العشرات من الفيديوهات التعليمية التي تأخذ بأيدي المبتدئين في هذا الفن إلى أن يتقنوا الجمع بين توليفة من الخيوط الملوّنة والمسامير والرُقع الخشبية، لتُصبح لوحات فنية.

وعن مراحل إعداد اللوحة يقول شرقي “تمرّ عملية إنجاز اللوحة في فن الفيلوغرافيا بعدد من المراحل، أولاها تحضير قالب الشّكل المُراد رسمه، والذي قد يكون لوحة من الخط العربيٍ أو شكلا فنيا، ثم يقوم صاحب العمل الفني بدقّ المسامير على حواف الشكل باستعمال المطرقة، قبل أن يُجري عملية الوصل بين المسامير باستخدام أسلاك نحاسية أو خيوط ملوّنة. كما يُمكن استخدام فن الفيلوغرافيا في تزيين بعض الأغراض المنزلية، كالمرايا والمزهريات أو الصواني”.

ويضيف “من الصعوبة تشكيل لوحة بصورة جيدة بسبب الدقّة التي يتطلبها الدقّ على المسامير والأسلاك الملوّنة واحدا تلو الآخر لإنتاج اللوحة بشكل متناغم، ثم يتم لفّها من الأسفل والأعلى، وهناك تقنية خاصة للّف في المرحلة الثالثة”.

ويستخدم الفنانون عادة شجر الحور في اللوحة التي تُدقّ عليها المسامير ثم يضعون جلدا مصطنعا أو قماشا لتغطية أرضيته إن لزم الأمر، وبعد مرحلة التغطية يتمّ لف ورق من أوراق الصحف، لتوضع عليه الورقة المصوّرة أو القالب الذي يُراد العمل عليه، ثم يشرع الفنان في دقّ المسامير على القالب الموضوع، وهو في الغالب يكون شكلا أو خط إسلاميا، ليدقّ حولها مسامير على بعد مسافات معينة لتشكيل القالب، وبعدها يُمسك القالب بالمقلوب دون نزع أو فكّ الأوراق، ويتمّ طلاؤه بطلاء لامع، وذلك منعا لتآكل وصدأ المسامير.

وعلى الفنان ترك الطلاء لمدة يومين أو ثلاثة حتى يجف، وبعد ذلك يقوم بنزع الأوراق، ثم يقوم بلفة أولية ثم أخرى، حيث وجب عمل اللفتين وإلاّ انهارت الطبقة السفلى، أي أنه يقوم بعمل لفة من الأسفل ومن الوسط ومن الأعلى، وبهذا تكون قد اكتملت مراحل اللوحة الفنية.

ويقول شرقي “يستغرق صنع فن الخيط الجيّد وقتا وصبرا ومعرفة بالأدوات التي يجب استخدامها حتى لا تنهار تحفتك الفنية، حيث يُعدّ اختيار المسامير المناسبة أحد العوامل الحاسمة التي ستمنح قطعتك الفنية المظهر المطلوب”.

ويضيف “هناك عدد من الأدوات والمعدات يمكن استخدامها في فن رسم الخيط حول المسامير، كالمطرقة والمقص، بينما المواد المستخدمة هي عبارة عن قطعة من الخشب ومسامير مشمّع يعتمد العدد الذي تحتاجه على حجم مشروعك وخيط التطريز والشريط وصورة للتخطيط”.

 

ويجسّد شرقي في لوحاته أشكالا فنية بسيطة أشبه بوردة أو نجمة أو كليهما معا وهما متعاضدان ومتصلان وملتحمان، وكأنها سفينة مشرّعة تستقبل الريح بثقة التماسك الحاصل بين الخيط والمسامير المغروسة في عمق الخشبة/ اللوحة.

أشكال بسيطة أساسها المسامير والأسلاك والخيوط، يُبرز من خلالها الفنان الكتلة والفراغ والظل والنور بألوان خيوطه المُتشابكة والمتعدّدة لتغدو رسوماته بتناغمها الشكلي واللوني أقرب إلى “السترينغ آرت”، ومعناه بالعربية “الخطوط الوترية”، وهي عبارة عن مسامير على لوحة خشب، يجري العمل عليها بالخيط لإنتاج أعمال فنية متنوّعة مثل اللوحات الفنية التي تجسّد شخصيات حقيقية أو خيالية كما تشمل أيضا الهدايا للعرائس أو للزينة في المطابخ داخل المنازل.

والسترينغ آرت يُعتبر من فنون “الهاند الميد” (الفنون اليدوية)، ويتميّز بجمال منتجه النهائي وتوافر لمسة جمالية به، حيث يمكن من خلال هذا الفن إنتاج لوحات فيها صور تذكارية تحمل ذكريات لأشخاص تربطهم علاقات اجتماعية متنوّعة مثل الصداقة أو الزواج، بالإضافة إلى إنتاج منتجات تصلح للاستخدام المنزلي في المطبخ لها شكل جمالي مثل الصواني، أو لوحات في شكل فواكه تعلّق على جدران المطبخ أو أشكال جمالية مثل الورد تعلّق على الجدران في المنزل بشكل عام، وهو ما اختصّ فيه شرقي بشكل خاص، أي اللوحات المحتفية بالورود بجميع ألوانها وأشكالها.

ومع ذلك يوضّح شرقي أنّه لا يستطيع تسويق جل الأعمال التي يُنجزُها لقلّة الطلب عليها، فيلجأُ عادة إلى إهدائها لمعارفه، أو بيع بعضها عن طريق عرضها على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويعزو الفنان عدم إقبال الناس على لوحات الفيلوغرافيا إلى كون هذا الفن في طريق الاندثار، وقد بدأ يلفّه النسيان، مشيرا إلى أنه نشأ في العهد العثماني، وظهر أولا في السجون، حيث كان بمثابة الطريقة المثلى لتسلية المساجين في انتظار انتهاء فترات عقوبتهم.

وتؤكّد الدراسات أن فن الفيلوغرافيا يُساعد الإنسان والفنان على التخلّص من الضغوط النفسية، خاصة أنه فن مناسب لكلّ الأعمار، وبإمكان الجميع ممارسته والتحكّم فيه بشرط التحلّي بالصبر والأناة.

 

المصدر:العرب







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي