وجد باحثون من جامعة "أكسفورد" البريطانية أن دواء يُستخدم في علاج الإمساك ربما يمكنه تعزيز القدرة على التفكير بشكل أكثر وضوحاً، وعلاج الأعراض المعرفية المرتبطة بالأمراض النفسية الشديدة.
وربما يكون للاضطرابات النفسية الشديدة تأثير مدمر على حياة المريض، فالإعاقات المعرفية، التي تتراوح بين انخفاض الانتباه والذاكرة العاملة إلى اضطراب الإدراك الاجتماعي واللغة، تنتشر عند الإصابة بالاضطرابات النفسية المتنوعة؛ مثل الاكتئاب الشديد، والفصام، والاضطراب ثنائي القطب.
لكن التعامل مع هذه المشكلات الشائعة بالأدوية الحالية يجري بشكل سيئ، وغالباً ما يكون لها تأثير كبير على حياة الناس، ولذلك يبحث العلماء عن سبل لتحسين أو استعادة هذه الوظائف.
وبحسب الورقة البحثية التي نوقشت، السبت، في مؤتمر الجمعية الأوروبية لعلوم الأدوية النفسية والعصبية، المقام في مدينة لشبونة البرتغالية، أظهرت الدراسات السابقة على الحيوانات أن الأدوية التي تستهدف أحد مستقبلات "السيروتونين" (مستقبلات 5-HT4)، تؤدي إلى نتائج واعدة في تحسين الوظيفة الإدراكية
و"السيروتونين" هو الناقل العصبي الذي تستهدفه معظم مضادات الاكتئاب. ومع ذلك، فقد كان من الصعب ترجمة هذه النتائج على الحيوانات إلى البشر، بسبب المخاوف من الآثار الجانبية.
علاج الإمساك
واختبر مجموعة من الباحثين في المملكة المتحدة عقاراً معتمداً حالياً، وهو عقار "بروكالوبرايد" الذي يستهدف مستقبلات 5-HT4، ووجدوا أنه قد يحسّن الإدراك.
يُوصف "بروكالوبرايد" بشكل أساسي لعلاج الإمساك، وله مستوى مقبول من الآثار الجانبية إذا تم تناوله تحت إشراف طبي.
شارك 44 متطوعاً صحياً، تتراوح أعمارهم بين 18 و36 عاماً في التجربة، وأُعطي 23 منهم دواء "بروكالوبرايد"، بينما أُعطي 21 دواء وهمياً. وبعد 6 أيام خضع جميع المتطوعين لفحص الدماغ بالرنين المغناطيسي الوظيفي.
وقبل الدخول إلى جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي، عُرض على المتطوعين سلسلة من الصور للحيوانات والمناظر الطبيعية، ثم شاهدوا تلك الصور بالإضافة إلى صور مماثلة أثناء الفحص.
وبعد الفحص، أجرى المتطوعون اختباراً للذاكرة، إذ طُلب منهم تمييز الصور التي رأوها قبل وأثناء الفحص، من مجموعة صور جديدة تماماً.
"نتائج مفاجئة"
وقال أستاذ مساعد في الأمراض العصبية والنفسية بجامعة أكسفورد، أنجراد دي كاتس، وهو المؤلف الرئيسي للدراسة، إن أداء المشاركين الذين تناولوا عقار "بروكالوبرايد" لمدة 6 أيام أفضل بكثير من أولئك الذين تلقوا العقار الوهمي في اختبار الذاكرة.
وحددت مجموعة "بروكالوبرايد" 81% من الصور التي تم عرضها مسبقاً، مقابل 76% في مجموعة الدواء الوهمي.
وتشير الاختبارات الإحصائية إلى أن هذا كان تأثيراً كبيراً إلى حد ما، ومثل هذا التحسن المعرفي الواضح مع الدواء "كان مفاجأة".
وجد الباحثون أنه مقارنة بأولئك الذين تناولوا الدواء الوهمي، كان المتطوعون الذين أخذوا "بروكالوبرايد" أفضل بشكل ملحوظ في اختبار الذاكرة بعد الفحص، وكان لديهم أيضاً نشاطاً في نتائج فحوص الرنين المغناطيسي الوظيفي، ما يشير إلى تعزيز النشاط في مناطق الدماغ المتعلقة بالإدراك.
وأوضح الباحثون أن النشاط المتزايد كان في مناطق مرتبطة بالذاكرة، مثل الحُصين (وسط الدماغ) والتلفيف الزاوي الأيمن (باتجاه مؤخرة الدماغ).
وتوفر الدراسة أدلة مبكرة مثيرة في البشر على نهج جديد ربما يكون وسيلة مفيدة لعلاج الأعراض المعرفية المرتبطة بالأمراض النفسية.
وليس للدواء آثار جانبية كبيرة إذا تم تناوله تحت إشراف طبي، على الرغم من أن الأطباء يحذرون من احتمال حدوث صداع وأعراض معدية معوية، مثل آلام البطن والغثيان والإسهال والتعب أو الدوخة. لم تظهر أي آثار جانبية كبيرة من قبل أي من المتطوعين الذين تناولوا عقار "بروكالوبرايد" في هذه الدراسة.
تسلط النتائج الضوء على إمكانية مثيرة للاهتمام ومطلوبة بشدة لإعادة استخدام العقاقير للمساعدة في الخلل الوظيفي المعرفي الذي يرتبط غالباً بالاضطرابات النفسية.