حمدي عطية يُعيد تشكيل "منطق الطير" برؤى فنية معاصرة

2021-10-03

 سرد بصري للمسكوت عنه في ملحمة "منطق الطير"

القاهرة - افتتحت الأحد قاعة المسار للفن المعاصر بالعاصمة المصرية القاهرة موسم معارض 2021-2022 عبر المعرض الفردي للفنان المصري حمدي عطية، الذي حمل عنوان “منطق الطير: الهدهد لم يخبر سليمان بكل شيء”.

والمعرض هو امتداد وتواصل لأفكار وانطباعات الفنان المستمرّة عن موضوع الصورة الصحافية والهدهد وسليمان، حيث يعتبر عطية أن الهدهد يمثل شخصية المراسل الصحافي في التاريخ، والتي بدأت بمعارض سابقة مثل “جماليات الصورة الصحافية” 2010 و”هكذا تكلم الهدهد” 2018.

ويُقدّم عطية في المعرض ثلاثة وثلاثين عملا جديدا تعكس تعبيره الخاص عن رواية “منطق الطير” لفريدالدين العطار، علاوة على مجموعته الفنية الأخيرة.

وعن المعرض يقول الفنان المصري المخضرم “دعونا نستشفّ المسكوت عنه في ملحمة منطق الطير التي تحكي لنا عن رحلة الإسراء إلى النور الإلهي.. كان الهدهد مرشدا لهذه الرحلة، مختالا بحكمته، مستندا إلى ما أنجزه من أجل سليمان في القصص القرآني.. ولكن هل استرشد الجميع بهذه الحكمة؟ للطير منطق خاص به أيضا يعصمه من التبعية العمياء، فالزرافة والنعامة والجمل مثلا لا تشعر بالحرج من تركيبها الجسدي كما يدّعي الهدهد بل هو مدعاة للتبختر. أما الحمار والبقرة فكلاهما يمتلك روح الطاووس، وكذلك أشجار النخيل التي تحلّت بروح الطير ولحقت بالرحلة”.

ويوضّح “أقدّم في هذا المعرض سردا بصريا مصحوبا بعبارات نصّية، أحاول من خلال هذا السرد رواية القصة على ثلاث مراحل، تشكيل الصورة إلكترونيا، ثم طباعتها بطريقة التحكّم في سيولة حبر الطباعة، ثم إعادة صياغتها بالرسم من فوقها”.

وعن فكرة المعرض يقول الناقد عيسى ديبي “منذ عامين تقريبا، وبمدينة شيكاغو، دعاني حمدي عطية إلى مرسمه لمشاهدة الفيلم الأميركي ‘سوداوية’ للمخرج الدنماركي لارس فون ترايير، ومن إنتاج 2011. وبعد أن شاهدناه سويا، عُدنا إلى مَشاهِد بعينها عدة مرات، لاسيما المشهد الختامي الذي اعتبرناه تجسيدا مُكثّفا لفكرة الفيلم”.

ويسترسل ديبي “يثير الفيلم سؤالا وجوديا مُهما، يمكن اختصاره كالآتي، عندما نعرف يقينا أن هناك أمرا كونيّا عظيما سيقع لنا ويمحو وجودنا للأبد، ماذا يحدث بداخلنا ونحن نعرف يقينا أنه لا سبيل إلى تفادي وقوعه؟”.

وتدور الخيوط المتشابكة للفيلم حول ظهور جُرم سماوي بحجم كوكب المشتري، قادم لا محالة بشكل لا تخطئه الحسابات، وتشير سرعته إلى أنه سيصطدم بالأرض في غضون أيام.

وهكذا تغوص اللقطات على امتداد زمن الفيلم (136 دقيقة) بين زخم الأمواج المتلاطمة للإنكار والغضب والرعب واللامبالاة والسكينة. وفي المشهد الأخير، يجلس طفل بين أمه وصديقتها تحت هيكل هرمي من الحطب قد تمّت إقامته لإيهام هذا الطفل بأنه قارب النجاة من الدمار الشامل.

يقول ديبي “كان حمدي في ذلك الوقت يتساءل كثيرا عن لحظات مثيلة يعيشها أبناء المدن التي تتعرّض للقصف الجوي. وكان يحاول تجسيد تلك التساؤلات عبر مجموعة من الصور التي يقوم بإعدادها إلكترونيا، ثم يقوم بطباعتها بطريقة ‘نزيف الحِبر’، كما يسمّيها، أي عندما يكون الحبر أكثر من قدرة الورق على الامتصاص. هنا تدخل آلية الطبع كشريك في بناء الصورة والتصوّر معا، وليس كناقل لما تمّ بناؤه على شاشة الكمبيوتر. وهنا نغرق نحن أيضا مع أجوبة غير قادرة على مجاراة الأسئلة أو اللحاق بها”.

ويواصل موضّحا “أما في مشروع منطق الطير، فنحن أمام سيناريو مقلوب للفكرة التي يقوم عليها فيلم سوداوية، نرى هنا تصوّرا لجُرم سماوي عرفاني، غنيّ عن السير نحونا. هو تصوّر قد ملك أفئدة وعزائم كوكبة من الطيور والحيوانات، أغواها النور فعقدت عزمها وقرّرت القيام برحلة إلى تلك النار العرفانية، حيث السيمورغ (أحد الطيور الخرافية الذي يكثر ذكرها في الأساطير الآرية الدينية والتاريخية أيضا) في قدس أقداسه”.

وسبق للشاعر الفارسي المتصوف فريدالدين العطار، أن نظّم في القرن الثاني عشر، تفاصيل الرحلة فيما يقارب أربعة آلاف وخمسمئة بيت من الشعر الصوفي، ليعود حمدي عطية عبر مفردات صوره المركّبة تشكيل سيناريو العطار بشكل مقلوب.

ويتساءل ديبي هنا “ماذا يعادل الإنكار والغضب والرعب واللامبالاة والسكينة داخل هذا السيناريو المقلوب؟”، ويجيب “للسؤال سطوة ولتفاصيل الرحلة سطوة، سنرى تجلياتها في ست وأربعين لحظة قد تمّ التقاطها وتسجيلها وتوثيقها عبر ثلاث آليات: غرافيكية الفضاء الإلكتروني، كيميائية حبر الطباعة، وفيزيائية أقلام الرصاص الملوّنة”.

وولد حمدي عطية في أسيوط بمصر في العام 1964، درس في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وحصل على شهادة الماسترز من جامعة بنسلفانيا، وهو يعمل حاليا بين القاهرة وشيكاغو، ويهتمّ في تجربته الفنية بطبيعة العلاقة بين مفردات رسم الخرائط وجسدية الجغرافيا وسلطة النصوص باستخدام الفيديو والرسم والنحت.

في بداية حياته المهنية، مثّل حمدي بلده في بينالي فينيسيا مع ثلاثة فنانين آخرين عندما حصلت مصر على جائزة الأسد الذهبي الكبرى. تم عرض أعماله في عدد من المعارض الخاصة والجماعية في القاهرة بقاعة المسار للفن المعاصر منذ العام 2008 وحتى اليوم، كما عرضت أعماله في عمّان والدوحة ومراكش وباريس وروما وأوسلو وبيرغن وكوبنهاغن وبازل ونيويورك وفيلادلفيا وديترويت وساو باولو.

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي