أعمال الجزائري طاهر بلال تنقد المجتمع الاستهلاكي عبر جلود الحيوانات

2021-09-13

نقد ساخر لثقافة الاستهلاك

الجزائر - يتواصل حتى الثالث والعشرين من سبتمبر الجاري بغاليري الزوّار بالعاصمة الجزائر، معرض بعنوان “الفنّ على حافة الجلد” للفنان التشكيلي الجزائري طاهر بلال.

ويستخدم الفنان المولود عام 1968 بتيزي وزو مواد جديدة لتشكيل اللوحة الفنية، من أبرزها جلود الحيوانات. وسبق له أن أقام معارض اتخذت من هذا الأسلوب سبيلا إبداعيا حقّق من خلاله حضورا لافتا.

وفضلا عن كونه تشكيليا، يمتلك بلال موهبة في التصوير الفوتوغرافي، وهو يعدّ أوّل من نقل الجلد من سياقه الحرفي إلى الفن التشكيلي، واستخدمه كمادة أساسية في عمله، اعتبرها عدد من النقّاد مرحلة محورية في التعبير الفني المعاصر، كمفهوم مرئي جديد أطلق عليه “فنّ على حافة الجلد”.

ويرى بلال أنّ أعمال معرضه الأخير تستمدّ خصوصيتها من الأسلوب الذي اعتمده في تشكيل لوحاته، وكذلك من المواضيع التي اشتغل عليها، على غرار الأميّة وانهيار القيم الاجتماعية والإقصاء والعنصرية والإرهاب والتخلُّف العلمي والاقتصادي والمشكلات البيئية.

ويؤكّد الفنان أنّ اعتماده على اللون الأسود في الكثير من أعماله يرمزُ إلى التصحّر الثقافي الذي أصبح علامة تطبع الحياة الاجتماعية المعاصرة، وهو القاسم المشترك بين معظم شعوب العالم الثالث.

وقد جسّد الفنان ذلك بشكل ساخر في إحدى لوحاته، حيث استبدل صورة قرص موسيقي وشرائح بطاطا وخسّ وطماطم، بصورة الوجبة الأميركية الشهيرة “ساندويتش البورغر”، ووضع بجانبها شوكة ومجموعة ألوان زيتية، ليُقدّم رسالة مفادُها أنه لا ضير من الجمع بين غذاء البطن وغذاء العقل والروح.

ويُبرز المعرض اعتماد الفنان، بشكل أساسي، على قطع من الجلد الملوّنة، التي يقوم بلصقها على الورق، للتعبير عن موضوعاته. وفي هذا الشأن، يؤكّد الفنان أنّ قطع الجلد، التي استعملها في لوحاته، جُمعت من بقايا الجلود التي كانت مصانع حقائب اليد الفاخرة تستوردُها من إيطاليا في سبعينات القرن الماضي.

طاهر بلال: اللون الأسود يرمزُ عندي إلى التصحر الثقافي الذي طبع حياتنا

ولم يكن استرجاعُه لها، واستعمالُها، إلاّ كنوع من الاعتراف بالجميل لتلك الحيوانات التي تُشكّلُ عنصرا مهمّا في استمرار البشرية، قائلا في هذا الخصوص “ذلك أنّنا نأكلُ لحومها، ونستعمل جلودها في الكثير من شؤون حياتنا، وقد آن الأوان لأن تجد لها مكانا في أعمالنا الفنية”.

ومعلوم أن العديد من الماركات العالمية الإيطالية والألمانية والروسية والبريطانية والفرنسية أخضعت الجلود والفراء لتصاميم عالمية، ربما استنفرت بصورة أو بأخرى خبراء البيئة الذين وضعوا قوانين لحماية الحيوانات التي تصطاد للانتفاع من جلودها وفرائها، خوفا عليها من الانقراض.

ولكن يبدو أن الأناقة “فوق كل القوانين” تفرض المنطق الأقوى، إلاّ في حالات استثنائية بسيطة، فستظل هذه الحيوانات تلهث إلى الأدغال والجحور خوفا من طلقات الصيادين والقناصة الطائشة التي تضع حدا لحياة حيوانات كانت يوما تتعلّق بالحياة، ولكن الأناقة فوق كل اعتبار من وجهة نظر القائمين عليها، وهو ما يرفضه بلال وإن كان يستعمل جلود الحيوانات في أعماله، ليس استثمارا غائيا تجاريا، بل تخليدا لها في أعمال فنية تنتصر للقيمة الجمالية قبل النفعية.

والرسم على الجلد يخلّد الفنان والرسم معا، فهو لا يبلى أبدا بل يزداد عراقة وأصالة مع السنين، وهو ما يسعى إلى ترسيخه بلال من خلال أعماله التي يمزج فيها الخامات الطبيعية، جلد الحيوان، والخامات الصناعية، عجينة الألوان، فيكون الخلط بينهما بمثابة السفر إلى عالمين متناقضين، لكنهما يتكاملان جماليا.

ويُلاحظُ في جلّ أعمال بلال المعروضة في غاليري الزوّار، أنّها مرفوقة بعناوين باللُّغة الفرنسية أحيانا وبالإنجليزية في أحيان أخرى، كلُّها مستوحاة من كتابات شعراء وكُتّاب جزائريين معروفين، أمثال رشيد ميموني وجمال عمراني، ومولود معمري ومولود فرعون، وكتابات أدباء أجانب، على غرار أرنست همنغواي ووليام فولكنر وجان كوكتو وفيكتور هوغو.

وهذه الكتابات باللغات الثلاث تعكس ثقافة الفنان الذي لم يمكث طويلا في وظيفته أستاذا للُّغة الإنجليزية، إذ استقال بدافع من شغفه بالرسم، لكنّه اضطر للعمل في التجارة ومرشدا سياحيّا ليكسب قوته.

وقد شكّلت سنة 2001 بداية مغامرته الفنيّة التي خاضها متسلحا بعصاميته وقوة إرادته وثقافته الواسعة، فكان أن نظّم العام 2016 أول معرض فردي له بمدينة تيزي وزو شرق الجزائر.

أعمال فنية تنتصر للقيمة الجمالية لا النفعية

ومنذ ذلك التاريخ، لم يُشارك في أيّ نشاط فنّي، وظلّ يجمعُ شتات أفكاره، إلى أن أُتيحت له فرصة عرض أربعين لوحة بغاليري حسين عسلة بالعاصمة الجزائر في العام 2019، وقد مثّل هذا المعرض نقلة نوعية في مسار بلال التشكيلي، إذ حظي بإشادات نقدية ومواكبة إعلامية هامة قرّبت أعماله إلى الجمهور الجزائري.

ولا تخلو أعمال بلال في مجملها من الرموز الأمازيغية وهو المنحدر من منطقة واسيف بتيزي وزو ذات الأصول البربرية، وعن رموزه يقول “أشتغل في بعض لوحاتي على الرمز الأمازيغي لأنه تراث تاريخي يخصني كجزائري”.

وهو بذلك ينتصر في جل لوحاته إلى أبجدية تيفيناغ الضاربة في أعماق التاريخ الجزائري ليسرد من كل حرف ورمز قصة وعاطفة وذاكرة.

وتيفيناغ أبجدية استخدمها الأمازيغ بمنطقة شمال أفريقيا في عصور ما قبل الميلاد لكتابة لغتهم والتعبير عن طقوسهم وشعائرهم الدينية، واختفت لاحقا قرونا طويلة، فانحسرَ وجودها إلى الفضاء الثقافي والعرقي لشعب الطوارق بالصحراء الكبرى، ثم أحياها مثقفون جزائريون بإنشائهم “الأكاديمية الأمازيغية” في باريس في العام 1966.

وفي ثمانينات القرن الماضي اعتمد حرف تيفيناغ لكتابة الأمازيغية في الجزائر، ثم في المغرب إثر تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عام 2005.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي