
شــوقي العباسي
"العودة الى الزراعة والاهتمام بالأرض ساعدتنا كثيراً في الاستمرار في التغلب على ظروف الحياة الصعبة وكسب لقمة العيش الحلال بعد انقطاع المرتبات بسبب الحرب"، بهذه الكلمات بدأ المزارع عصام يحيى الحديث بعد سؤاله عن سبب توجهه للعمل في الأرض الزراعية وما الذي حققه من نجاح في هذا المجال.
يعيش عصام (35 سنة) في منطقة أنس بمحافظة ذمار جنوب العاصمة صنعاء ويرجع العودة الى العمل في الزراعية خلال السنوات الأخيرة بعد انقطاع راتبه وعدم القدرة على توفير مصاريف واحتياجات اسرته. يقول عصام:" عودتي للعمل في الزراعة هروباً من البطالة والحصول على مصدر دخل آخر يساعد في توفير مصاريف اسرتي واحتياجاتهم الأساسية".
يضيف في تصريح لــ" الأمة برس": والدي يملك أرض زراعية كبيرة بحاجة الى الاهتمام بها والاستفادة منها، وبدأت العمل بزراعة محصول الطماطم. يستطرد قائلاً:" كانت تجربة ناجحة واشعر بسعادة كبيرة وانا احقق إيرادات لا بأس بها مقابل المحصول وعدم الاستسلام للبطالة بسبب انقطاع الراتب الحكومي".
يؤكد: "بفضل بيع محصول الطماطم تحسنت حالتي وتغطية احتياجاتنا وأحدث المال الذي احصل عليه فارقاً كبير في حياتنا".
تُنتج الأراضي في محافظة ذمار، أجود أنواع الخضروات والفواكه مثل الطماطم والبطاطا والبصل والبن وغيرها من محاصيل الخضروات، الا أن العديد من المزارعين باتوا "يفضّلون زراعة شجرة القات كونها أكثر تحملاً للعطش والبرد إضافة إلى أنّ مكاسبها مرتفعة". وفقا لما ذكره المزارع عصام.
أكثر من مليوني يمني يعملون في الزراعة
ويعمل أكثر من مليوني يمني في الزراعة، يشكّلون أكثر من نصف القوى العاملة بالبلاد، ما يجعله قطاعاً مؤثراً في حياة المجتمع، في ظل انقطاع رواتب موظفي الدولة، وعودة جزء منهم إلى المهن الزراعية، لتوفير مصدر للعيش وتعزيز للأمن الغذائي وتحقيق الاستقرار والسلام الاجتماعي.
يقول جلال سعيد (40 عاماً):" الحرب تسببت في فقدان وظيفتي ومصدر دخلي ولم اعد قادراً على العيش في المدينة وتحمل تكاليف إيجار السكن ومصاريف الاسرة، واضطر الى المغادرة الى قريته في محافظة تعز، والعمل بمجال الزراعة.
يضيف في تصريح لــ" الأمة برس": لم يكن لدي خيار اخر غير العمل في زراعة القات كون المحصول الذي يتم زراعته في المنطقة الى جانب القليل من محاصيل الحبوب، والبدء بزراعة وري أشجار القات والاهتمام بها كونها مصدر الدخل الجديد.
يستمر في حديثه قائلاً: " يجب ان نجعل من المحن والتحديات التي نواجهها جراء الحرب سلماً للنجاح من اجل تحقيق الاستقرار المعيشي والاجتماعي وصولاً الى السلام".
لافتا الى ان تجربته في الزراعة حققت نجاحاً كبيراً ووفرت له أرباح مادية ساعدته في التغلب على ظروف الحرب والاستقرار المعيشي بعيداً عن الانضمام الى طابور البطالة.
يختتم حديثة بالقول:" "الأرض عزيزة علينا ولا يمكننا العيش بدونها، وعلينا أن نبقى ونعمل في مزارعنا لتحسين ظروفنا المعيشية".
ووفقا لبيانات رسمية ، يساهم القطاع الزراعي بـ 25% من الاستهلاك الغذائي في اليمن وبحوالي 20% من الناتج المحلي، كما يشغل 40.9% من إجمالي قوة العمل.
تمكين المرأة وتعزيز السلام
تعتمد المجتمعات الريفية في اليمن بشكل كبير على المرأة في الزراعة وتربية المواشي، من أجل توفير لقمة عيش لأسرتها، ورغم ان مهام المرأة الريفية، تشكّل عقبة أمام معظم الشابات لمواصلة التعليم، إضافة إلى أسباب عديدة، منها ندرة المدارس، وبُعد الجامعات، الا ان الإصرار على مواصلة التعليم قاد الكثير من الفتيات الريفيات الى تحقيق النجاح في استكمال التعليم الى جانب اعمالها في الزراعة وتعد خلود دحان احد النساء اللاتي حققن نجاح في هذا الجانب.
تقول خلود (25 عاماً) وتعيش في احدى القرى الريفية بمحافظة عمران:" ان العمل في الزراعة وتربية المواشي وجلب المياه الى المنزل لم يثنيها على مواصلة تعليمها الثانوي والاستعداد للالتحاق بالجامعة لمواصلة تعليمها".
تضيف:" الحياة القاسية في الريف عادة ما تدفع بالأسر لعدم تعليم الفتاة، لحاجتهم لها في العمل في الرعي أو الزراعة أيضًا ومساعدة الأسرة في تحسين دخلها المادي". تعتبر خلود، النساء الريفيات بمثابة العمود الفقري لحياة أسرهن ليس ذلك فحسب، بل أيضاً شريان الحياة لمجتمعاتهن.
تستطرد قائلة:" ما أن يتم بدء الموسم الزراعي وهطول الامطار حتى تبدأ في اصلاح الأرض وتهيئتها للزراعة حيث تقضي معظم الوقت مع بعض النساء من عائلتها في العمل والقيام بالأعمال الزراعية منذ بداية وضع البذور حتى موسم الحصاد.
تقول: “عند كل موسم نحاول تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب ما بين الذرة البيضاء والشامي والبقوليات ويعتمد ذلك على كمية هطول الامطار خلال موسم الزراعة".
وتنهي خلود حديثها بالقول:" تكافح المرأة الريفية وتتخطى الصعاب وبكل جدارة في ظل الحرب ما يستدعي تمكينها من خلال الاستخدام المنصف للموارد الطبيعية لتعزيز السلام والاسهام في الاستقرار في المجتمع".
مبادرات مجتمعية
جهود المبادرات المجتمعية في النهوض بقطاع الزراعة ومساعدة المزارعين وتوعيتهم بالطرق والوسائل الحديثة في زراعة المحاصيل شكلت فارقا كبيرا في تفعيل وتنمية العملية الزراعية وترسيخ قيم التكافل المجتمعي. يؤكد الخبير في المجال الزراعي المهندس أحمد عبد العزيز، على أهمية المبادرات المجتمعية لدعم وتشجيع المزارعين وتحسين أوضاعهم من خلال حفر الآبار وإنشاء خزانات المياه ودعم الزراعة بالبذور والأسمدة وتوفير منظومات الطاقة الشمسية بقروض ميسرة كلها تساهم في تنمية الزراعة وتحسين الوضع المعيشي للمزارعين.
يشير الى المبادرات المجتمعية تساهم في مواجه اضرار الحرب وتقود الى السلام والاستقرار في الجانب الزراعي وتشجيع العاملين في هذا المجال الذي انخرط فيه الكثير ممن فقدوا مصادر الدخل وانقطعت رواتبهم وعادوا الى ممارسة الزراعة.
يضيف: أصبح من الضروري تمكين المزارعين اليمنيين بالأصول والموارد التي يحتاجون إليها للنمو والازدهار، عبر المبادرات المجتمعية والمساهمات الفعَّالة المثمرة لتنمية القطاع الزراعي وإدارة موارده واحتياجاته. يؤكد:" انا على ثقة بأن اليمنيين سيتعلمون كيفية التغلب على الأزمات الناجمة عن الحرب والحفاظ على قيم التعاون من أجل بلد يمكن للجميع أن يعيشوا فيه بسلام وينعم مستقبل اليمن بالأمن والاستقرار.
ورغم الطروف الصعبة التي خلفتها الحرب ، ثمة قصص نجاح لأشخاص ثابروا في التغلب على تلك الأوضاع من خلال العمل في الزراعة وغيرها من المهن، ويبعثون رسائل أمل لنشر السلام والاستقرار، ودعوة أطراف الصراع الى انهاء الحرب.