وفاة هوليود.. لماذا لم يعد أحد يصور الأفلام في لوس أنجلوس؟

2021-09-05

كروز نجح في الضغط على وزير الثقافة البريطاني لإنتاج جزء جديد من فيلم "المهمة المستحيلة" أثناء الوباء (مواقع التواصل)

هل يمكن أن تفقد هوليود بريقها بعد أن اشتهرت بكونها عاصمة صناعة الأفلام في العالم لما يقرب من قرن من الزمان؟ هذا ما أشار إليه الممثل الأيرلندي كريس أوداود في مقابلة أجراها مؤخرا مع كيفن ماهر بقوله "إنهم يصورون التفاهات في لوس أنجلوس! إنها لم تعد مركز الصناعة بعد الآن. صحيح أن الاجتماعات مازالت تعقد هناك.

ولكن من المرجح أن يتم تصوير الأفلام في فانكوفر أو أتلانتا أو أي مكان تكون فيه الإعفاءات الضريبية جيدة في ذلك العام".

وقال الكاتب إد بوتون، في تقريره الذي نشرته صحيفة "ذا صنداي تايمز" TheTimes البريطانية، إن إنتاج الأفلام والبرامج التلفزيونية ينتقل بشكل متزايد إلى تلك المدن، أو أبعد من ذلك إلى المملكة المتحدة وأستراليا وجنوب أفريقيا وأوروبا الشرقية، بدافع من الحوافز المالية السخية والممثلين المهرة وطاقم العمل.

لقد أصبحت كاليفورنيا مكانا مكلفا ومعقدا لتصوير الأفلام، مع ارتفاع تكاليف العمالة والإيجارات والنقابات القوية واللوائح الصارمة وتقنين المياه وإمكانية حدوث الكوارث الطبيعية مثل حرائق الغابات.

خير مثال على ذلك عندما قررت أمازون نقل إنتاج فيلم "سيد الخواتم" The Lord of the Rings الخاص بها بعيدا عن نيوزيلندا للموسم الثاني، إذ لم تتحول إلى الولايات المتحدة وإنما المملكة المتحدة، حيث تبلغ قيمة صناعة السينما المزدهرة أكثر من 3 مليارات جنيه إسترليني، وذلك رغم الاضطرابات التي خلفها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وأضاف الكاتب أن تعليقات أوداود ردّدها العديد من الممثلين المقيمين في بريطانيا الذين قابلهم، بما في ذلك مايكل فاسبندر وإميلي واتسون ودينيس غوف. كان يُتوقع منهم في وقت من الأوقات أن ينتقلوا إلى هوليود، لكنهم الآن يحتاجون فقط إلى وكيل هناك وحضور الاجتماع الفردي أو تجربة أداء.

في هذه الأثناء، يتحرك نجوم هوليود مثل توم كروز وتشارليز ثيرون في الاتجاه المعاكس، حيث يقضون شهورا في مشاريع التصوير في لندن. وقد يكون للشائعات حول الزيادات في "ضريبة المليونير" بكاليفورنيا دخل في ذلك أيضا.

توم كروز أثناء تصوير فيلم "المهمة المستحيلة 7" (مواقع التواصل)

وقد نجح كروز في الضغط على وزير الثقافة البريطاني أوليفر دودن، نيابة عن استوديو باراماونت للسماح بإنتاج جزء جديد من فيلم "المهمة المستحيلة" أثناء الوباء.

تعتبر أتلانتا أحد منافسي المملكة المتحدة، فلديها استوديوهات رائعة وتقدم إعفاءات ضريبية بنحو 20% وقد أطلق عليها اسم "هوليود الجنوب". تم تصوير اثنين من أكبر الأفلام لهذا الصيف "جانغل كروز" Jungle Cruise و"الفرقة الانتحارية" The Suicide Squad هناك، بالإضافة إلى عدد كبير من أفلام مارفل بما في ذلك آخر فيلمين من أفلام "المنتقمون" والتكملة القادمة لفيلم "النمر الأسود".

 أتلانتا أحد منافسي المملكة المتحدة فلديها استوديوهات "هوليود الجنوب" وتم تصوير فيلم الفرقة الانتحارية بها (مواقع التواصل)

هذا العام، تستضيف استوديوهات ليفزدن في هارتفوردشير فيلم "مهمة مستحيلة 7" Mission: Impossible 7  وفيلم "الوحوش المذهلة" Fantastic Beasts القادم، و"باتمان" Batman من بطولة روبرت باتنسون وسلسلة "منزل التنانين" House of the Dragons المشتق من "صراع العروش" Game of Thrones وفيلم "ونكا" من بطولة تيموثي شالاماي. أما استوديوهات باينوود في باكينغهامشير، التي تسيطر عليها ديزني إلى حد كبير، فهي موطن فيلم "إنديانا جونز" الجديد، ومسلسلين منفصلين عن "حرب النجوم" Star Wars وإصدار "سنو وايت" Snow White ذي الحركة الحية، وفيلم "الرجل النملة" Ant-Man و"حراس المجرة" Guardians of the Galaxy الجديدة.

استوديوهات شيبرتون في سري، التي جعلتها نتفليكس قاعدتها الدائمة بالمملكة المتحدة عام 2019، هو مكان تصوير فيلم "أخرجوا السكاكين 2" Knives Out 2، وإعادة إنتاج فيلم "ماتيلدا" Matilda لماثيو وارشوس، وسلسلة "رجل الرمل" لنيل جايمان، بينما استوديوهات لونغ كروس الموجودة في سراي أيضا هي المكان الذي يتم فيه تصوير أفلام "دكتور سترينج" Doctor Strange و"كابتن مارفل" Captain Marvel الجديدة.

وأشار الكاتب إلى أن جزءا كبيرا من الطفرة يعود إلى تقديم المملكة المتحدة خصومات ضريبية تقترب من 30% لصانعي الأفلام، والتي يمكن أن ترتفع إلى حوالي 40% إذا استخدموا الاستوديوهات الرائدة في مجال ما بعد الإنتاج في البلاد.

كان "وارنر برذرز" أول استوديو أميركي كبير يحصل على موطئ قدم دائم في المملكة المتحدة، حيث استقر في ليفزدن لتصوير أفلام هاري بوتر أواخر التسعينيات. وتم تصوير ثلاثية "حرب النجوم" الأصلية في استوديوهات ألستري في هيرتفوردشاير.

كان استعمار ليفزدن جزءًا من موجة العولمة التي أثرت على صناعة السينما. وسرعان ما كان المخرجون المكسيكيون مثل ألفونسو كوارون والكوريون الجنوبيون مثل بونغ جون-هو يحصدون جوائز الأوسكار الكبيرة. كما تسارعت وتيرة الابتعاد عن هوليود بفضل ظهور خدمات البث التي أصبحت أكثر مرونة وأقل تقيدا بالتقاليد وأكثر التزاما بإنتاج المحتوى المحلي. وتمتلك نتفليكس مركز إنتاج في إسبانيا ولها حضور في فرنسا وإيطاليا والدول الإسكندنافية، وقد أنتجت أعمالا عالمية مترجمة بما في ذلك "لا كاسا دي بابيل"  La Casa De Papel الإسباني، "لوبين" Lupin الفرنسي.

نتفليكس تمتلك مركز إنتاج في إسبانيا ولها حضور في فرنسا وإيطاليا والدول الإسكندنافية (مواقع التواصل)

يعتقد جيري، وهو مدير فني مقيم في المملكة المتحدة يعمل على أفلام هوليود ذات الميزانيات الضخمة، والذي لا يريد أن يُذكر اسمه الحقيقي، أن هذا كان قرارا مثيرا للجدل للغاية، أي أن تنقل صناعة من موطنها الأصلي إلى بلد مختلف تماما، فهذه هي أوضح صورة للحرية التي تتمتع بها هذه الإنتاجات. بغض النظر عن مقدار الأموال التي أنفقتها أمازون، فإنها ما زالت قادرة على إجراء الحسابات والقول "أتعلم ماذا، ما زلنا في وضع أفضل إذا انتقلنا إلى المملكة المتحدة".

مع ذلك، يضيف جيري أن هوليود لا تزال "مركز الإبداع والتمويل" للاستوديوهات التقليدية الكبيرة حيث "يتم إطلاق جميع الإنتاجات من هناك، عرض الفكرة وكتابة السيناريو، ثم يعثرون على مواهبهم وطاقمهم الأساسي، وبعدها ينتقلون إلى أي منطقة يمكن أن تقدم أفضل صفقة".

يقول مات مولر، محرر المجلة التجارية "سكرين إنترناشيونال" إن الأمر مختلف قليلا بالنسبة لمزودي خدمات البث، حيث "تقوم نتفليكس بنقل بعض هذه القوة إلى مكاتبها الإقليمية لأنها تحاول إنشاء محتوى يجذب الجماهير المحلية. في أماكن مثل فرنسا، توجد قوانين بشأن استثمار مبلغ معين من الأموال التي تحصل عليها من بلد ما في الإنتاج المحلي باللغة الفرنسية".

مسلسل "بيت من ورق" "لا كاسا دي بابيل" من إنتاج نتفليكس وتم تصويره في إسبانيا (مواقع التواصل)

ونقل الكاتب عن آنا ماليت، نائبة رئيس شركة نتفليكس المسؤولة عن الإنتاج المادي للمملكة المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، أن قسم نتفليكس في المملكة المتحدة هو ثالث أكبر قسم لها بعد الولايات المتحدة وكندا. تبلغ ميزانية الإنتاج لنتفليكس في المملكة المتحدة أكثر من مليار جنيه إسترليني هذا العام، من أصل ميزانية عالمية تبلغ حوالي 13 مليار دولار (9.5 مليارات إسترليني).

وتضيف "المملكة المتحدة مكان جذاب للغاية لصناعة الأفلام، ولديها بعض أفضل المبدعين في العالم، إلى جانب فرق العمل وما بعد الإنتاج. استوديوهات شيبرتون منشأة ذات مستوى عالمي ونفكر أيضا في مواقع خارج تلك المألوفة، سواء كانت مدينة باث من أجل مسلسل بريدجيرتون أو منطقة ليك ديستريكت لتصوير مسلسل ذا ويتشر. يمكنني بالتأكيد أن أفهم سبب رغبة أمازون في الاستفادة من النظام البيئي الرائع في المملكة المتحدة".

يعود مولر فيؤكد "بطريقة ما أصبحت المملكة المتحدة ناجحة للغاية". وتعني وفرة الإنتاج أن هناك بالفعل نقصا في المهارات. حتى المشاريع المرموقة مثل ‘كيت باغ’ فيلم ريدلي سكوت عن نابليون من بطولة خواكين فينيكس، كانت تكافح لسد الشغورات في المناصب الإبداعية.

ويقول جيري "يجب أن تكون المملكة المتحدة حذرة حقًا. هناك نقطة تحول، ونحن قلقون بعض الشيء حيال ذلك. إذا جاء عدد كبير جدا من الإنتاجات إلى هنا وانتهى بك الأمر مع وجود عدد كبير جدا من الأشخاص عديمي الخبرة يعملون في وظائف أو لم تتمكن من الوصول إلى المعدات، فسيكون لدى المنتجين تجارب سيئة في البلد". ويضيف أنه لا يزال يتم تصوير الكثير من الأفلام في هوليود.

من جهتها، تقول ماليت "ستستمر الولايات المتحدة في كونها مكانا مهما لصناعة الأفلام والتلفزيون. إن الأمر ليس الاختيار بين هذا أو ذاك، وإنما الاثنان. نحن نصنع المحتوى في جميع أنحاء العالم، ولا يتعلق الأمر بالانتقال من مكان إلى آخر".

ويقول مولر "تقاوم كاليفورنيا عن طريق بعض الحوافز الضريبية الجديدة للأفلام والتلفزيون وفاتورة لمزيد من المساحة الصوتية، لأنهم يريدون وقف هجرة الوظائف خارج الولايات".

في المقابل، يقول جيري "إنهم بحاجة إلى حل مشاكلهم، على الرغم من أننا جميعا نأمل ونصلي ألا يفعلوا ذلك". إذا غيرت كاليفورنيا قوانينها الضريبية وقدمت حوافز تنافسية لصانعي الأفلام، فإن "المملكة المتحدة ستكون في وضع صعب. قد تكون هذه الاستوديوهات فارغة غدا. انظر إلى ما حدث في نيوزيلندا. هؤلاء الرجال كانوا يتوقعون العمل لمدة 5 أعوام قادمة".

وخلص الكاتب إلى أنه لا أحد يعرف كيف ستتطور الصناعة في غضون 5 أعوام. تبتعد مشاريع مثل مسلسل "ماندلوري" The Mandalorian لديزني بشكل متزايد عن مجموعات الأفلام التقليدية حيث بات إنشاؤها رقميا.

ربما سيتم صنع الأعمال السينمائية في المستقبل بأجهزة حاسوب عملاقة ويكون أبطالها عبارة عن نسخة افتراضية من توم كروز.

 

المصدر : صنداي تايمز







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي