كتاب يرصد ثلاثة قرون من شعر الملحون في سلا

2021-08-31

 فن شعري عريق لصيق بوجدان المغاربة

مكناس (المغرب) - كتاب “شيوخ الملحون السلاويون جواهر من ذاكرة التراث المغربي المكنون”، من تأليف الباحث المغربي نورالدين شماس وهو الأول من نوعه على صعيد المغرب الذي يهتم بالترجمة لشريحة من أدباء مدينة سلا وإبداعاتهم، وهم شعراء الملحون، من خلاله يوثق المؤلف مساراتهم الفكرية والثقافية والإبداعية، كما يسلط الضوء على جوانب مهمة من حياتهم، راصدا ذكرهم وآثارهم عند جل من ترجم لهم.

وقد جاء الكتاب، الصادر أخيرا عن مطبعة سجلماسة بمكناس بتقديم عبدالمجيد فنيش، وفق منهجية تكاملية تجمع بين التوثيق والتحقيق، والعرض الكرنولوجي، والتأطير التاريخي والتنقيب الميداني في ذاكرة الذين لا زالوا على قيد الحياة من الحُفّاظ والمهتمين.

   

الشعب المغربي تميز بشعر الملحون وقدموا فيه منجزا هاما ما زال متواصلا في تراكمه إلى غاية اليوم.

ولشعر الملحون مكانة كبرى في المغرب، وهو من المواضيع التي يتذوقها المغاربة ويقبلون عليها وذلك لأنه التعبير الصادق من مشاعرهم وإحساساتهم وهو ديوان حياتهم وسجل عوائدهم وحضارتهم وهو يحتوي على روائع تستقي من كل فنون الشعر والأدب والحكايات والتواريخ.

الكتاب يعتبر مرجعا هاما للباحثين في تاريخ تراث شعر الملحون عموما والسلاوي منه على وجه الخصوص

والكتاب رصد لثلاثة قرون من الإبداع السلاوي في شعر الملحون قسمه مؤلفه، بعد مقدمة تأطيرية عامة، أوضح فيها الأهداف المبتغاة من هذه الدراسة، والمنهجية التي اعتمدها، والمرجعيات التي استند إليها في جمع موادها، إلى فصلين.

ويعتقد البعض أن تسمية شعر الملحون يعود إلى اللحن، أي الخطأ في النحو، ولكن ذلك جاء من توافق الحروف بين معنى الغلط ومعنى النغمة، فالملحون هو الشعر الذي يلحن ويغنى، لذا فالملحون هو الشعر الذي ينظم في مختلف اللهجات العربية ويتغنى به.

عرفت مختلف أقطار الوطن العربي الشعر الملحون، لكن مع تغير تسمياته فنجده في المشرق يسمى بالشعر النبطي وفي تونس شعر الملزومة، ولا يكاد يخلو قطر من هذا الأدب الشعبي الذي اختزن وجدان الشعوب وهواجسها وأفكارها وواكب حتى نضالاتها ضد الاستعمار وغيره من الأطوار التي رافق فيها هذا الشعر الناس في أفراحهم وأتراحهم ومختلف حالاتهم.

وقد تميز المغاربة بشعر الملحون وقدموا فيه منجزا هاما ما زال متواصلا في تراكمه إلى غاية اليوم، وإن كانت لا تخلو منطقة مغربية من إنجاب شعراء لهذا النمط الشعري، إلا أن بعض النواحي والمدن تعتبر مراكز هامة للملحون وإذا كانت مراكش وفاس برزتا في هذا الميدان فإن أزمور ومكناس وسلا من أخصب البقاع لظهور شعراء الملحون.

ولا يخفى لمتتبع تاريخ هذا الشعر تميز شعراء سلا الذين ضاع الكثير من إنتاجهم وهم في هذا كأكثر الشعراء الآخرين باستثناء جماعة قليلة، وقد اعتبرت سلا عاصمة الثقافية في ميدان الملحون.

وشعر الملحون تقع تأديته على وقع الآلات الوترية والإيقاعية أيضا، تقوله الأصوات الشجية الطروبة بما فيه من قصائد ينحو أغلبها إلى أغراض المدح والغزل.

ففن الملحون في قيمته الفنية هو فن شعري إنشادي غنائي متميز، وقد يكفي السامع سماعه في البحث عن بواعث ومظاهر قيمته الفنية وكوامنه الجمالية، إذا كان شعور جل أو كل المتلقين، وإن من الدواعي الأكيدة عند الباحث في فن الملحون رصده تلك البواعث والتجليات، وتفحصها بعناية تامة حتى نكتشف أسرار قوة تأثيرها الفني في السامع المتذوق.

الملحون مع الموسيقى يؤنس الروح وينعشها

 

ويعتبر الملحون كلاما موزونا تصاحبه موسيقى تقليدية مغربية محلية تعتمد آلة “السويسي” و”الربابة” الوتريتين، إضافة إلى الآلة الإيقاعية التقليدية التي تعرف في المغرب بـ”الطعريجة”، فترى المنشدين جماعة يرددون “اللازمة”، وهي الجملة الموحدة التي يحافظ العازفون على الآلات الموسيقية على ترديدها بصوت جماعي موحد، رغم أنه تطور مع شعراء سلا.

وفي رصد لتحولات هذا الفن خصص شماس أول مبحث في كتابه بعنوان “شعراء الملحون السلاويون خلال صابة لشياخ” وهي الفترة الممتدة ما بين عهد السلطان عبدالله، إلى عهد السلطان محمد بن عبدالرحمان بن هشام. في حين جاء الفصل الثاني بعنوان “شعراء الملحون السلاويون المجددون”، وهي الفترة الممتدة بين عهد الحسن الأول وعهد الملك محمد السادس.

وقد تضمن كل فصل مجموعة من المراصد، خصص كل منها لعلم من أعلام الملحون السلاويين. وهكذا ضم الفصل الأول ثلاثة عشر مرصدا، والثاني تسعة وعشرين مرصدا، وكل مرصد من هذه المراصد به ترجمة مستفيضة للشاعر وببليوغرافيا لإنتاجه الشعري، وأخرى لقصائده المسجلة بدار الإذاعة مع أرقام تسجيلها، وبعض النمادج من كتاباتهم بخط يدهم.

والكتاب يعتبر مرجعا للباحثين في تاريخ تراث شعر الملحون عموما، والسلاوي منه على وجه الخصوص، وإضافة نوعية في مجال الكشف عن كنوز الثقافة المغربية الأصيلة، في علاقة مع محيطيها الاجتماعي والسياسي، تحت رعاية ودعم المغرب لهم، كما وثق الباحث لهذا الفن الشعري العريق عبر العديد من الشواهد والشهادات.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي