الأردنية رنا حتاملة تحاور الأمكنة والناس في لوحات تراثية

2021-08-26

توثيق بصري لمعالم مدينة الحصن الأردنية

تلتقط الفنانة الأردنية رنا حتاملة موضوعاتها من محيطها أو من روح وشخصية المكان لتحفظ هذا الإرث الثقافي حتى لا يسقط من الذاكرة بفعل الزمن الذي لا يرحم الذكريات، فتسرد بريشتها التي لا تستقرّ على حال أو مدرسة فنية عصارة أفكارها الموغلة في الحنين بواقعية فانتازية.

عمان - تختطّ الفنانة التشكيلية الأردنية رنا حتاملة طريقها الخاص في الرسم، إذ تحرص على إنتاج لوحات تتفاعل مع مدارس فنية متنوعة، مع إضفاء بصمتها الخاصة عليها.

ويمكن للمتأمل في أعمال حتاملة التي درست الفن في كلية الفنون الجميلة بجامعة اليرموك، أن يجد الأسلوب التعبيري في عدد من اللوحات، وفي أخرى يتجه الرسم نحو الواقعية، وفي مجموعة ثالثة يظهر التأثر بالتكعيبية، وفي رابعة تتبدى الملامح السريالية، وفي خامسة تبرز الواقعية منهجا فنيا.

وعلى هذا النحو، لا تحصر حتاملة نفسها في إطار أكاديمي محدّد، بل تسعى للتحرّر من القيود والمحدّدات وإنتاج أعمال تلامس الواقع وتعبّر عن قضاياه وتتناول جوهره القائم على الفوضى والتداخل والتمازج.

ويتجلى البحر بطقوسه وأجوائه في عدد من لوحات الفنانة الأردنية، كما تتتبّع بعض رسوماتها سلوك الحوت وحركاته المختلفة، مع محاولة لأنسنته بطريقة مركبة، للتعبير من خلال ذلك عن قضايا تشغلها، كما في مجموعة لوحاتها التي يقفز فيها الحوت نحو ماء داكن ملوث، وكأنها تدين ما أحدثه البشر من تلوث في الطبيعة.

ومن ناحية أخرى تتجلى ثيمة التواصل الإنساني مع الطبيعة في اللوحات التي أنجزتها الفنانة بالأبيض والأسود، حيث تحضر في هذه اللوحات مفردة الإنسان والحيوان والطبيعة في حالة من التماهي والانسجام، كلوحتها التي تصوّر فتاة تنظر إلى قط يجلس بهدوء على السور، واللوحة التي تصوّر شابا يعانق حصانا بينما يجلس عصفور صغير على رأس الحصان.

رنا حتاملة: أنا لا أشعر أنني على قيد الحياة إلا عندما أرسم

وفي مجموعة أخرى من اللوحات، تقارب الفنانة المدرسةَ التكعيبية، حيث اعتمدت على الخطوط الهندسية وتداخل أشكالها من مثلثات ومربعات ودوائر، واستخدمت الأهلّة التي تتمازج مع هذه التشكيلات بصورة رمزية تشير إلى طقوس الشرق وتقاليده، حيث يحيل الهلال غالبا للأعياد والمناسبات الدينية.

وتتميّز هذه المجموعة بالألوان المبهجة القوية والتي تمنح المُشاهد شعورا بالفرح والاحتفال، ومن بلدتها الريفية الحصن شمال الأردن استمدت حتاملة مجموعة من اللوحات التي توثّق للتراث ولبيئة المكان وحياة الناس قديما فيه، فرسمت الأواني التراثية كفناجين القهوة، والمكحلة التي كانت تُستخدم لوضع الكحل فيها، والبيوت القديمة، والبسُط المنسوجة يدويا، والجِرار التي كانت تُستخدم لتبريد الماء.

وهي ترى أن هذا المشروع محاولة للحفاظ على تراث البلدة المتمثل في بيوتها ومعمارها وزراعتها وأسوارها والسلاسل والحجرية فيها.

وتقول حتاملة إنها تحاول في لوحاتها أن تجيب على عدد من الأسئلة التي تشغل ذهنها ولا تجد لها إجابة شافية عند الآخرين، فأرادت أن تستقي الإجابات من خلال الحوار مع الأماكن والاستماع إليها، وقد زارت لهذه الغاية العديد من الكنائس، ومتحف الكاتب الأردني الرائد أديب عباسي (1905 - 1997). وأقامت ورشا فنية فيها للأطفال، وهذا ما ساعدها على تخزين مجموعة من التصوّرات لطرز الأبنية وساحاتها والحقول المحيطة بها في ذاكرتها، حيث يشتعل الحنين.

“أنا لا أشعر أنّني على قيد الحياة إلاّ عندما أرسم”، هكذا تختصر حتاملة علاقتها باللوحة، مضيفة “الإبداع هو لحظة مخاض حقيقي، ولادة لا تنتظر أي شكل من أشكال البروتوكولات المتعارف عليها، القيمة الحقيقية تبدأ من مخاض الفكرة ويجب أن تكون بعيدة عن التكلف، يجب أن يعلم الكثيرون أن الفنان لا يستطيع العيش دون أن يمارس طقوسه الحسيّة والتعبيريّة إلاّ بالصورة التي يحبها وفي الوقت والمكان المناسبين لحالته”.

وفي لوحات الفنانة الأردنية يظهر وجع المكان جليا، رغم أنها لم تغادره، وهذا هو الإشكال الأعظم، وهو أن تعيش الواقع كحلم والحلم كواقع، فتضيع اللحظة ويرتبك الإيقاع الزمني، فتمتدّ اليد حتى تتلمّس الحجارة ويرتفع الحاجبان حتى تنطبع الصورة كما هي في ذاكرة بصرية تسعى دائما إلى التجديد واختطاف اللقطة الفريدة.

تداخل هندسي يستلهم مفرداته التشكيلية من التراث الأردني

وخلال جائحة كورونا، ورغم الحضر الصحي الذي ألزم الناس بالبقاء لفترات طويلة في بيوتهم، كانت حتاملة تستدعي مخزون ذاكرتها لترسم، لأن الرسم مثّل لها محاولة للتغلب على الوضع النفسي الذي فرضه الوباء، فكانت أولى لوحاتها في هذه الفترة بيت معلمتها روضة أبوالشعر، وفيها أظهرت حتاملة زخرفية الأرض التي شعرت أنها تعبّر عن عمق أو حضن آمن.

أما اللوحة الثانية فكانت لبيت فندي النمري، وفيها حاولت إيجاد حالة من الحوار بين الإنسان والمكان، ثم رسمت البرْكة الرومانية الشهيرة في الحصن، وبوابة آل غنما التي كانت قديما مضافة مفتوحة للناس، وأبرزت القصيدة التي كُتبت أعلى البوابة والتي تؤكّد كرم هذه العائلة ومناقبها.

واستمرت حتاملة برسم ذاكرة بلدة الحصن العريقة، من شوارع وواجهات بيوت وكنائس وحقول، معتبرة ذلك جزءا من وفائها للأرض التي وُلدت فيها وتنتمي لها، وإلى جانب اهتمامها برسم اللوحات عُرفت حتاملة بإنجاز رسومات لكتب موجهة للأطفال، وتصميم أغلفة لكتب وتخطيطات متنوّعة، إلى جانب إشرافها على العديد من ورش الرسم للأطفال.

هكذا يبدو التجوال في آفاق لوحات حتاملة ليس بالمسألة السهلة أو الهينة، فالفنانة لها طريقة مختلفة في أساليب الرسم، وكل لوحة لها بالكاد يتكرّر أسلوبها مرة أخرى، كما أن موضوعاتها الفنية تتوالد من بعضها البعض فلا تستقرّ على حال أو مدرسة بعينها بل تجمع جل المدارس الممكنة لتنحت لنفسها مدرستها الخاص.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي