"موسى" يمنح الروبوت دور البطولة في السينما المصرية

2021-08-20

 جمع سلس بين الفانتازيا والرومانسية

رغم أن الفيلم المصري «موسى» المعروض حاليا في الكثير من دور العرض السينمائية تتوفر فيه كل مقومات النجاح، إلاّ أن إقبال الجمهور لم يتناسب مع القصة وحبكتها الفنية الجديدة وأداء الممثلين المحكم وعدم البخل المادي من جانب شركات الإنتاج والصرف السخي على مشاهد الأكشن، ولم يحقّق العمل الإيرادات المتوقعة منه بعد أن فسحت له الشركات المنافسةُ المجالَ وسحبت بعض الأفلام من دور العرض.

القاهرة – يؤكّد الفيلم المصري “موسى”، من تأليف وإخراج بيتر ميمي، أن مقياس النجاح لا يجب ربطه بإقبال الجمهور أو عدمه، لأنه من الظلم تقييم العمل المتقن بمقياس شباك التذاكر وحده، والذي بات يرتبط بمجموعة من المعايير قد لا تكون من بينها الفكرة والجودة الفنية.

يمكن أن يعاد تقييم هذا العمل في مرحلة لاحقة، لأن فكرة إفساح المجال أمام “روبوت” ليكون جزءا أساسيا في فيلم بدت للكثيرين غير مقبولة حتى الآن، بينما من الممكن في المستقبل القريب أن تتغيّر النظرة إليها.

خيال علمي جذاب

نجاح فيلم "موسى" يقود المخرج بيتر ميمي إلى تدشين سلسلة من دراما الخيال العلمي المنعدمة عربيا

يعتبر هذا الفيلم بداية جديدة للفنان كريم محمود عبدالعزيز الذي لعب دور طالب متفوّق في كلية الهندسة اسمه “يحيى” ويعاني من مشكلات في التواصل مع المحيطين به، رغم أنه ذكي جدا في تخصّص “ميكاترونكس”، أي استخدام الإلكترونيات في التحكم الميكانيكي، واستطاع أن يبتكر اختراعا ينفّذ أوامره بمجرد التفكير فيها من خلال ربطه بدائرة كهربائية تصل عقله بالروبوت.

وبعيدا عن الجانب الخيالي والفانتازي أحيانا يعتبر العمل مليئا بالمشاهد الواقعية التي تدور في حياة البشر، والتي عبّر عنها عبدالعزيز بديناميكية عالية مستخدما تعبيرات جسمه في مواقف عديدة، وتركها تتحدّث نيابة عن لسانه في مواقف مختلفة.

يبدو كريم -أو يحيى- في فيلم “موسى” قريبا من الأداء العام لوالده الراحل محمود عبدالعزيز، وأعتقد أن الجينات لعبت دورا هنا ولم يكن الأمر محاولة متعمدة للتقليد، لأن النضج الذي وصل إليه الفنان الشاب يجعله مستقلا بما فيه الكفاية، وهو ما يعزّز دوره كممثل يمكنه تحمّل بطولة منفردة لفيلم مثل “موسى” يجمع بين جملة من الخصال الفنية التي تؤكّد أنه دخل في منطقة فنية جديدة أخرجته من المنطقة الرمادية السابقة.

قصة ابتكار روبوت طوله نحو مئتين وأربعين سنتمترا نبعت في خيال بيتر ميمي منذ سنوات، حتى اختمرت في الصورة التي ظهر عليها الفيلم، وربما يكون التفكير في الانتقام باللجوء إلى قوة خارجية ثيمة تقليدية ومستهلكة، لكن الجديد فيها مستوى التوظيف الفني الذكي وتحويل الانتقام الشخصي إلى انتقام مجتمعي للتخلّص من الأشرار الذين يتاجرون بالسلاح والبشر والمخدرات، في إيحاء بضرورة التخلّص من هذا العالم.

بدا التطوّر الذي بنى عليه المؤلف المخرج شخصية يحيى منطقيا، رغم كونه بالغ في انكماشه وانطوائه حول ذاته بما لا يتناسب مع عبقريته الفذّة، بما يبرّر التحوّل الكبير الذي انتابه من الهدوء إلى الإفراط في استخدام القوة عبر روبوت صنعه بالطريقة التي تساعده على تحقيق أغراضه منه بعد أن شاهد والده يحترق أمامه ولم يتحرّك لإنقاذه.

ورغم أن دور الفنان صلاح عبدالله -أو والد يحيى في الفيلم- كان قصيرا فإنه جاء مؤثرا للغاية، ما يوحي بأن الابن اكتسب من والده الكثير من الجينات الوراثية التي جعلته يعتزل الناس ويتفرّغ لابتكاره الذي حيّر الشرطة وأحد الخبراء في علم ميكاترونكس، وهو الدكتور “فارس” الذي لعب دوره الفنان إياد نصار، وكان مليئا بالعقد النفسية التي جعلته على طرفي نقيض مع تلميذه يحيى، وأراد من خلالها ميمي التأكيد على مسألة أن الطالب يمكن أن يتفوّق على أستاذه.

تجربة جديدة

حفلت المشاهد التي جرى استخدام الروبوت فيها بالإثارة، وبدت تحركاته وقفزاته ووثباته غير منطقية، أو ربما لزم التعبير عن الدور الخارق الذي يلعبه في عملية الانتقام ممّن قتلوا والد يحيى حرقا ومن كل الظالمين، وكأن الروبوت يريد تحقيق العدالة بعيدا عن القانون، أو يريد تطبيق القانون دون محاكمات عادلة.

كان مشهد القطار الذي قفز فوقه الروبوت مثيرا خلال الاشتباكات التي حدثت داخل عربات القطار مع المجرمين حيث تعرّض لتشويش نجا من الوقوع في براثنه، وتمكّن المخرج من تقديم مشهد طويل مصنوع بطريقة احترافية بهدف توصيل رسالة تفيد بانتصار الخير على الشر.

بدا عنوان الفيلم “موسى” متداخلا مع مسلسل “موسى” أو مقتبسا منه، والذي قدّمه الفنان محمد رمضان في موسم رمضان الماضي، لكن بيتر ميمي في أحد تصريحاته الإعلامية أكّد أن الفيلم يسبق المسلسل وشرع في تصويره منذ حوالي عامين.

وتم تفسير العنوان من خلال أحداث الفيلم، إذ كانت والدة يحيى ستلد طفلا اتفق والده معها على تسميته موسى، إلاّ أنه توفي قبل ولادته، وأراد يحيى تحقيق أمنية أن يكون له أخ شقيق يحتمي به ويدافع عنه، لذلك أطلق على الروبوت اسم موسى، ومنه استوحى عنوان الفيلم، وجرى فكّ لغزه بشكل غير مباشر.

شاركت في إنتاج فيلم “موسى” ثلاث شركات كبرى تنشط في مجال العمل السينمائي مصريا وعربيا، هي: سينرجي فيلمز، ونيوسينشري، وأفلام مصر العالمية. وهو من توزيع دولار فيلم داخل مصر، والطاهر ميديا للإنتاج في أنحاء العالم.

ولادة فنية جديدة

دشّن الفيلم بروز الفنانتين أسماء أبواليزيد وسارة الشامي في دور البطولة النسائية التي جاءت محدودة ومؤثرة في الوقت ذاته، لأن أداءهما التمثيلي في السينما عزّز التطوّرات التي لحقت بهما في الدراما، ويوحي بأن الجمهور سينتظر منهما الكثير في الفترة المقبلة، فالدور الذي لعبته أبوزيد كصديقة ليحيى ومعجبة بالدور البطولي الذي يقوم به عبر اختراعه موسى دفعها إلى مساعدته ومجابهة المخاطر معه.

أما الشامي التي ارتبطت بعلاقة حب صامتة مع يحيى فقد أجادت تجسيد الفتاة المرفهة الرومانسية دون اعتداد كبير بالعقد الاجتماعية التي يعاني منها يحيى الذي لم يعترف لها بحبه سوى في مشهد النهاية المفتوح، والذي يمهّد لتقديم أجزاء جديدة من هذا العمل ينوي المخرج إطلاقها قريبا.

في المشهد الأخير وما قبله ظهرت خيوط كانت غامضة في جزء كبير من العمل، حيث عرف الجمهور الشخصية التي تساعد يحيى بجانب الروبوت موسى، وهي الفنان أحمد حاتم الذي جرى تعريفه في تتر النهاية بـ”الهرم الرابع”، وهو عنوان فيلم تطرّق أيضا لفكرة الخيال العلمي وتحوّل إلى منقذ ليحيى الذي نصب له الدكتور فارس فخا للسطو على اختراعه وخيانة الأمانة التي أوكلتها له الشرطة لمساعدتها في فكّ لغز موسى، بعد أن نشر مقطع فيديو للروبوت وهو يحرق سيارة، وهو المشهد الذي يمكن اعتباره “ماستر سين” في الفيلم لأهميته الفائقة.

وأدّت الأدوار البطولية التي قام بها موسى الروبوت إلى تعلق الأطفال به كرمز للخير الذي ينتصر على الشر وتحوّل إلى دمية يلهون بها ودلالة على انتظار المخلص.

ظهر الفنان أمير كرارة في اللقطة الختامية في موقع انفجار الروبوت موسى، وكان هذا الظهور البسيط هو التمهيد العملي على أنه البطل المقبل في سلسلة يطلق عليها بيتر ميمي “المستضعفون” وتضمّ عددا من الأفلام والمسلسلات التي تقع في عالم مشترك يدمج بين الأحداث والشخصيات في قوالب فنية متنوعة، وسوف يكون عنوان العمل الذي يقوم فيه كرارة بدور البطولة “ملاك الموت”.

نجح ميمي في أن يرسم لنفسه طريقا خاصا بفيلم “موسى” يبعده عن الأعمال الدرامية التي اتخذت بعدا سياسيا وأمنيا بعد أن ارتبط اسمه بمسلسل “الاختيار 1 و2”، لكن الفيلم يمنحه مساحة فنية جديدة يتحرّك فيها دون منافسين أقوياء، لأنه يحرص على الإجادة والابتكار ويخدم أعماله بالصورة التي تظهر أعماله أمام الجمهور بطريقة متقنة.

ومهما كانت قوة الروبوت خارقة بكل ما يتوفر لديه من قدرات، فإن الإنسان -أو يحيى- ليس بحاجة إلى موسى ليكون بطلا في الواقع، وهي إشارة إلى ضرورة الاعتماد على الذات والابتعاد عن القوة الخيالية الخارقة، لأن الإنسان الذي صنعها يستطيع أن يصنع غيرها، وربما يصنع ما هو أكثر قوة منها، ويمكنه إبطال مفعولها أيضا، فمن المهم أن يتحلى أصحاب الحق بالشجاعة، وهي رسالة ضمنية ومحورية في الفيلم.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي