
ضياء عودة
عاش آلاف السوريين المقيمين في منطقة "ألتن داغ" بالعاصمة التركية أنقرة ساعات طويلة من الرعب ليل الأربعاء – الخميس 11 و 12 أغسطس 2021، جراء هجمات نفذها مواطنون أتراك، واستدعت تدخلا كبيرا من أفراد الشرطة وعناصر مكافحة الشغب.
استهدفت الهجمات محال السوريين التجارية ومنازلهم في المنطقة المذكورة وسياراتهم التي كان من السهل تمييزها من اللوحات الرقمية، وأسفرت عن إصابة طفل سوري، وهو ما وثقه ناشطون أتراك وسوريون بتسجيلات مصورة نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة.
واحتوت التسجيلات "مشاهد مروعة" لعمليات تكسير واجهات المحال، وإحراق المواد الموجودة في داخلها بعد تجميعها في الشوارع، كما وثقت إقدام العشرات من الأشخاص على رمي الحجارة على المنازل التي قيل إن سكانها سوريون.
وبحسب ما ذكرت وسائل إعلام تركية وسوريون في "ألتن داغ" فإن أعمال الشغب والاعتداءات جاءت عقب وفاة شاب تركي متأثرا بطعنات تعرض لها من شاب سوري، خلال شجار لم تعرف أسبابه وقع بينهما في إحدى الحدائق.
من جانبها أعلنت ولاية أنقرة عبر حسابها الرسمي في "تويتر" الخميس أن أعمال الشغب "انتهت"، عقب هدوء المواطنين الأتراك وتدخل القوات الأمنية.
وذكرت وسائل إعلام مقربة من الحكومة الخميس أن قوات الشرطة التركية اعتقلت 76 شخصا، بتهمة القيام بأعمال شغب في حي ألتن داغ بأنقرة، وأن 38 منهم "أصحاب سوابق مختلفة".
وفي الوقت الذي لم يعرف فيه حجم الخسائر، يقول الشاب منير هود الذي يقيم في منطقة أولوباي بالعاصمة أنقرة إنها "كبيرة إلى حد لا يوصف".
ويضيف: "العنصريون أحرقوا كل شيء يملكه السوريون. السيارات والمحال التجارية وحتى دراجاتنا النارية التي كانت مركونة في الشوارع".
وتابع الشاب: "حتى الآن لا نستطيع الخروج من منازلنا، وعلى الرغم من أن الاعتداءات تركزت في منطقة ألتن داغ، إلا أنها انسحبت أيضا إلى بعض الأحياء الأخرى كأوندر أولوباي لكن بوتيرة أقل".
"لا يمكن تخيل المشهد"
تقع منطقة "ألتن داغ" في ضواحي العاصمة التركية أنقرة، وتشير معظم التقديرات إلى أن هناك مالا يقل عن 10 آلاف سوري فيها، من إجمالي عدد السكان الذي يتجاوز 50 ألفا.
ويعمل عدد كبير من أرباب العائلات السورية في مجالات مختلفة، حيث انخرط بعضهم في أعمال البناء والخياطة، في حين ذهب البعض الآخر إلى فتح محلات لبيع المواد الغذائية والملابس ومسلتزمات العيش الأساسية، إضافة إلى المطاعم.
ويقول سوريون إن هذه الاعتداءات "عنصرية"، وترتبط بحملات التحريض التي بدأتها أحزاب معارضة تركية قبل أسابيع.
وفي ذات الوقت يلقون اللوم على الحكومة التركية لعدم محاسبة المحرضين والمعتدين، لا سيما أن التحريض ضد اللاجئين السوريين في البلاد وصل إلى مستويات غير مسبوقة.
ونقلت وسائل إعلام تركية الخميس عن سكان محليين في منطقة ألتن داغ، حيث برروا الهجمات بالقول إنهم "لا يريدون سوريين ولاجئين أفغان داخل البلاد".
هذا المطلب انتشر بكثرة منذ أكثر من شهر، وكان مسرحه وسائل التواصل الاجتماعي، وجاء في سياق الأخبار التي كانت تتردد حول دخول مئات اللاجئين الأفغان إلى تركيا عبر طرق التهريب، قادمين من الأراضي الإيرانية.
يضيف الشاب منير الذي يخشى تجدد الهجمات في الساعات المقبلة: "لا يمكن تخيل مشهد الاعتداءات. لم نعد نشعر بالاستقرار في الشارع أو حتى في منازلنا".
بدوره نشر الناشط السوري، يوسف ملا تسجيلا مصورا عبر صفحته في "فيس بوك"، وقال: "لقد كانت ليلة سوداء على السوريين في أنقرة. التركيز على منطقة أولوباي أوندر وبتل غازي أيضا".
وأضاف ملا الذي ينشط بمتابعة الأخبار التركية الخاصة بالسوريين في البلاد: "خارج نطاق العقل. تكسير بيوت. نهب محلات. شيء لا يمكن تخيله"، مشيرا: "لم نشعر بالهدوء حتى الساعة الخامسة فجرا".
"خسارة روحية للعائلات"
في يونيو الماضي حذر زعيم "حزب الشعب الجمهوري"، كمال كلشدار أوغلو الحكومة التركية من أن اللاجئين "يشكلون تهديدا للأمن القومي".
وتعهد كلشدار أوغلو بأن حزبه سيعيد كل سوري إلى بلده، إذا تولى السلطة في الانتخابات المقبلة في البلاد، نافيا أن تكون تلك الخطوة "عنصرية".
وردا على ذلك قال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان: "لقد لجأوا إلينا. إنهم يتوسلون من أجل الأمان. لا يمكننا أن نطلب منهم العودة إلى حيث كانوا".
مهدي داود، المنسق العام لـ"طاولة الحلول" في تركيا يقول في تصريحات لموقع "الحرة": "موضوع الاعتداء من الطرفين مشجوب، خاصة الشخص السوري الذي أقدم على قتل التركي، وانتهاء بالهجمات".
وتضم طاولة الحلول أكثر من 40 مؤسسة، كما تضم شخصيات من ناشطين، سواء إعلاميين وأكاديميين مهتمين بالعمل الإنساني، والعمل داخل سوريا.
ويضيف داود: "العدالة نطلبها للطرفين، ونطالب بالأشخاص الذين اعتدوا على المحال والنساء والمدنيين. هناك خسارة روحية للعائلات السورية أكبر من المادية. هناك شعور بالضعف وعدم الاستقرار".
وألقى داود باللوم على أحزاب معارضة تركية، واعتبر أنها "عملت على استغلال جميع نقاط الضعف في المجتمع التركي والسوري. الصوت الانتخابي لديهم أهم من أرواح البشر".
وتابع أن "رد الحكومة التركية على البروباغندا الإعلامية ضعيف جدا"، مستبعدا أن تتصاعد الاعتداءات "العنصرية" في الأيام المقبلة لأن "الشعب التركي عاطفي ويتأثر بسرعة، لكنه أيضا رحماني وعقلاني بنفس الوقت"، بحسب تعبيره.
"لا يمكن السيطرة عليها"
في غضون ذلك يتصدر وسم عبر موقع التواصل "تويتر" يحمل اسم منطقة "ألتن داغ"، وبدا فيه منذ صباح الخميس انقساما داخليا بين المستخدمين الأتراك.
وبينما أيد البعض منهم الاعتداءات بصورة غير مباشرة، ودعا إلى خروج السوريين من البلاد، انتقد القسم الآخر الممارسات العنصرية، واتهم أحزاب معارضة تركية بتغذيتها والدفع لتطبيقها.
وقال رئيس بلدية أنقرة التابع للمعارضة، منصور ياواش: "آمل على المسؤولين إيجاد حل وخطة عمل عاجلة من أجل توفير عودة اللاجئين إلى بلادهم بعد أن وصلت الأزمة لمرحلة لا يمكن السيطرة عليها، وستعمل البلدية وفق صلاحياتها على تعزيز الأمن في المناطق الخاضعة لسلطاتها".
"دعوات للهدوء"
من جانبها كتبت ليلى شاهين أسطا نائبة رئيس حزب "العدالة والتنمية" على موقع "تويتر": "من غير المعقول مهاجمة الأطفال الأبرياء بالاستفزازات"، ودعت إلى الهدوء.
وأضافت المسؤولة في الحزب الحاكم: "لا يمكن أن تنسب الجريمة التي يرتكبها شخص ما إلى أشخاص آخرين. بغض النظر عمن هو مذنب، فإنه سينال العقوبة اللازمة. أولئك الذين يحاولون زعزعة وحدتنا لا ينبغي منحهم فرصة".
بينما قال أحمد داود أوغلو زعيم "حزب المستقبل" المعارض: "الشاب أميرهان يالجين الذي قتل في أنقرة حطم قلوبنا. يجب معاقبة القاتل بشدة، ومع ذلك فإن العنف الذي يستهدف المجتمع من خلال الهوية العرقية للقاتل أمر غير مقبول".
وقال حزب الشعوب الديمقراطي إن "الهجمات وصلت إلى نقطة حيث يتعين على جميع شرائح المجتمع والمعارضة السياسية التوقف فورا".
وأضاف: "نداؤنا للجميع، يجب أن نرى هذه النقطة الخطيرة وقبل كل شيء يجب أن ندافع عن الحق في حياة آمنة".
فيما حث زعيم حزب الديمقراطية والتقدم علي باباجان المواطنين في تركيا على "استخدام الفطرة السليمة، وقوات الأمن التركية على إنهاء العنف في ألتن داغ على الفور".
وأشار رئيس الهلال الأحمر التركي، كريم كنيك في تغريدة له عبر "تويتر": "تواصل معنا العديد من طالبي اللجوء وأعربوا عن قلقهم وخوفهم على حياة أطفالهم. هذه السلوكيات لا تتناسب مع القانون أو الأخلاق أو الإنسانية".
ماذا سيحدث؟
وتعيد الاعتداءات "العنصرية" التي شهدتها منطقة ألتن داغ في العاصمة أنقرة الأذهان إلى الهجمات التي تعرض لها اللاجئون السوريين في منطقة إكي تلي بمدينة إسطنبول، في يونيو عام 2019.
وكان هناك تشابها في ظروف الحادثتين، من حيث تكسير محال السوريين وممتلكاتهم، ووصولا إلى الاعتداءات التي أسفرت عن إصابات بين المدنيين.
ويتجاوز عدد السوريين المقيمين في تركيا، سواء "لاجئين" أو "سياح" أكثر من أربعة ملايين شخص.
ويتركز العدد الأكبر منهم في ولاية إسطنبول، لتتبعها ولاية شانلي أورفة الحدودية، وولايتا غازي عنتاب وهاتاي.
وأمام ما سبق من تطورات تغيب الحلول الجذرية وطويلة الأمد، سواء من جانب الحكومة التركية، أو من قبل المؤسسات الناطقة باسم السوريين، من منظمات المجتمع المدني وأخرى سياسية تتبع بشكل مباشر لأطراف المعارضة السورية.
لكن مسؤولة التواصل في "اللجنة السورية - التركية" المشتركة، إيناس النجار تقول إنهم يتابعون ويطالبون قانونيا محاسبة من يحرض على العنف ضد اللاجئين السوريين في البلاد.
وتضيف النجار لموقع "الحرة": "حادثة ألتن داغ استغلت لموضوع سياسي تم التحريض عليه منذ فترة"، مشيرة: "كانت ليلة قاسية جدا على السوريين. الرعب والخوف شديد جدا ليس في أنقرة فحسب، بل بكل المناطق التركية".
وتتابع المسؤولة في اللجنة: "هناك تجاوب كبير من الجهات الحكومية ونتواصل مع المستويات العليا".
"حتى الآن لا يوجد لدينا أرقام حول الخسائر، لكن الذي وصلنا أن عدد المهاجمين كان كبيرا، وقوات الأمن واجهت صعوبة في ضبط الاعتداءات. تم تصوير كل الأضرار المادية وهناك وعود بالتعويض".
وتحدثت النجار أن الشرطة التركية كانت قد اتخذت إجراءات مسبقة أول أمس، حيث نقلت قسم كبير من سيارات السوريين في حي ألتن داغ إلى مرآب بعيد للحفاظ على سلامتها، بينما طالت الاعتداءات قسما آخر لم يتم التمكن من نقله.
وتشير: "الهلال الأحمر أسعف الطفل المصاب إبراهيم هدهد، كما أخلى امرأة أرملة تعرض منزلها للهجوم من قبل المعتدين. بعض الأتراك حموا البيوت، ومنهم من نقل السوريين بسياراته الخاصة لحمايتهم".