“فورتكس” فيلم غير عادي قد يبطئ نبضات قلبك.. تجربة جديدة تستحق المشاهدة

2021-08-02

فيلم فورتكس يتأرجح بين الغضب والاستياء والارتباك والخوف

محمد صلاح

"فورتكس" (Vortex) 2021، هو آخر فيلم يُعرض في مهرجان كان السينمائي لهذا العام. في جو جنائزي، بعد أن بدأ الضيوف بالمغادرة، وازدادت رقعة المقاعد الفارغة، "ورغم ذلك انتصر" كما يقول جايسون سولومونز.

فعلى عكس نهجه الصادم الذي عرفه به الجمهور، حيث أفلام الاغتصاب والمخدرات والعنف، عاد المخرج الفرنسي الأرجنتيني الأصل، المثير للجدل، غاسبار نوي -متأثرا بوفاة العديد من أصدقائه المقربين، ومدفوعا بتجربة اقترابه شخصيا من الموت مؤخرا، إثر نزيف دماغي أصيب به عام 2019- "ليفاجئ الجميع بهذا الفيلم الاستثنائي، الذي يُعد أحد أفضل أعماله، التي جاءت أشبه بحكاية من الرعب الغامض والرهبة المجهولة، من حيث الفكرة والتنفيذ"، بحسب زان بروكس محرر السينما في صحيفة الغارديان البريطانية.

ويعيدنا إلى أجواء فيلمي "آمور" (Amour) 2012، الحائز على جائزة السعفة الذهبية، و"الأب" (The Father) 2020، الفائز بجائزة الأوسكار. تلك الأفلام التي تزرع مشاهد الحب وسط لحظات القسوة، مع الفارق أن فيلم نوي أكثر قتامة وصرامة، وصدقا وتركيزا.

قفص في حديقة الحيوانات

"فورتكس" فيلم يقدمه نوي إلى "أولئك الذين ستنهار عقولهم أمام قلوبهم"، كما ذكر في افتتاحيته. وتدور أحداثه في شقة بقلب باريس، نتتبع فيها زوجين مُسنين يقضيان روتينهما اليومي، من دون أن نعرف عنهما شيئا، حتى ينبثق ابنهما ستيفان (أليكس لوتز) ويدعوهما بابا وماما.

فنرى مخرج أفلام الرعب الإيطالي المخضرم، داريو أرجينتو (80 عاما) يقوم بدور الزوج (الأب) الكاتب السينمائي المريض بالقلب -الذي لم يُكشف عن اسمه- والمهووس بإنهاء كتاب عن علاقة السينما باللاوعي، يجعله يندفع في الكتابة الغاضبة بإصبعين على آلة قديمة، وسط فوضى من كُتب مكدسة وأجزاء من ملصقات ورقية على الحائط.

وبينما يتنقل من أريكته، إلى مكتبه، إلى الحمام، يمر في طريقه على زوجته (الممثلة الفرنسية فرانسواز ليبرون، البالغة من العمر 77 عاما)، الطبيبة النفسية المتقاعدة، التي تعاني من الخَرَف، ومع ذلك تستمر في كتابة الوصفات الطبية، وتُبقي المكان حولها مليئا بالأقراص.

وبعد أن كان هناك عالم كامل في رأسها، نراها تنزلق ببطء نحو خَرَف شبه صامت، يجعلها تشعر بالوحدة والضياع الشديد في شقتها. وتتسلل إلى المتاجر في وقت مبكر، وتتجول في الممرات المزدحمة، من متجر الحاسوب إلى البقالة، من دون أن تعرف أين هي، ولا حتى ما الذي أتت من أجله.

لنجد أنفسنا -بحسب سولومونز- أمام "شخصين كانا يحبان بعضهما بعضا، ويهتمان برفاهية بعضهما، ولكن مع تقدمهما في السن، يُصبحان كزوجين من الشامبنزي يتقاسمان القفص نفسه في حديقة الحيوانات، ويتقافز كل منهما بلا هدف فوق الجدران".

كل ذلك في "دراما لا ترحم، لكنها مؤثرة" حيث الاستسلام للقدر هو التأثير المهيمن على "دوامة" نوي، بحسب الكاتب بات براون.

المخرج الفرنسي الأرجنتيني الأصل المثير غاسبار نوي عاد ليفاجئ الجميع بهذا الفيلم الاستثنائي

إبداع غير مسبوق

الإحساس المذهل الذي توفره افتتاحية الفيلم -الذي تم تصويره بخدعة سينمائية ذكية مثيرة للإعجاب- تُبرز إلى أي مدى يمكن أن يتباعد شخصان متزوجان منذ فترة طويلة عن بعضهما بعضا. وذلك عن طريق تقنية جديدة تتمثل في شاشة منقسمة تصور فجوة بينهما -رمز لها نوي بشريط فاصل أسود- يكاد يكون من المستحيل إغلاقها مرة أخرى.

فعندما تستيقظ الزوجة النائمة بجانب زوجها، تنقسم الشاشة تدريجيا إلى قسمين. يظهر في القسم الأيسر منها الزوج وهو مستمر في النوم، بينما نتابع على القسم الأيمن، ليبرون وهي تنهض وتذهب إلى المطبخ لإعداد القهوة. لتبدأ من هذه اللحظة تجارب الزوجين في التباعد والتداخل.

وبينما تتجول "ليبرون" في المكان بحثا عن شيء نسيته، يجعلك انقسام الشاشة لا تعرف تماما المكان الذي تبحث فيه، خاصة أنك لا تريد أن تغمض عينيك عن أي جانب من جانبي الصورة.

مما جعل غاسبار نوي أكثر إبداعا بابتكاره الكبير في تصوير كل شيء في شاشة منقسمة، باستخدام كاميرتين محمولتين تتابعان أبطاله طوال الوقت، حتى عندما يجلسان جنبا إلى جنب على الأريكة، أو يستلقيان معا في الفراش.

كما بدا كل شيء في الصورة قديما، ليس الأفراد فحسب؛ بل الحي، والمباني، والكتب، والآلة الكاتبة، والأوراق، وغيرها من تفاصيل المنزل، التي جعلتنا كاميرات غاسبار نوي نقضي كثيرا من الوقت في النظر إليها، واكتشاف إشاراتها، مثلما نقضي وقتا طويلا في مشاهدة الشخصيات.

فيلم لم تر مثله من قبل

يظل التأرجح والتدفق بين الغضب والاستياء والارتباك والخوف، وبكاء ليبرون من حيرتها وعدم قدرتها على التواصل في الاستمرار، حتى يمد أرجينتو يده عبر قسميّ الشاشة، ليلمس يد زوجته، في لحظة من الارتباط والحنان، "تجعلك تشعر بنبض قلب السينما بأكملها يتباطأ" على حد وصف سولومونز. الذي يضيف، أن "اللمسة البشرية الطاغية، والجمال المرئي الغامر، يجعلان هذا الفيلم من أفضل أعمال نوي، وأرقاها فكرا، حيث مثّل رهاب الأماكن المغلقة، ووقت العرض الطويل الذي يصل إلى ساعتين ونصف، اختبارا رائعا لتحمل الجمهور".

ولأنه لا توجد نهايات سعيدة في انتظار هؤلاء الناس، لا يخلو الفيلم من لحظات حساسة، فتحت آلاف الجروح التي تجعل العلاقات الطويلة تتلاشى على مر السنين، حتى مع بقاء الحب. فالأم والأب يريدان الأفضل لبعضهما بعضا، وهما محبوبان من ابنهما وحفيدهما.

لكن الفيلم يسعى لاكتشاف أن "الحب قد يكون حصنا ضعيفا جدا، في مواجهة اعتلال الصحة، وبدء السير نحو القبر"، بحسب قول بروكس.

لتوفر لنا الفترة الطويلة التي نقضيها مع هذين الشخصين، "نظرة ثاقبة وواقعية تماما، لما سيواجهه أجدادنا ووالدينا، وفي يوم من الأيام، سيتعين علينا مواجهته إذا عشنا عمرا طويلا"، كما يقول تود مكارثي، الذي يوصي بمشاهدة الفيلم، "لأنه من المؤكد أنك لم تر شيئا مثله من قبل".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي