فيلم "طريق الجليد" رحلة إنقاذ مثيرة بنهايات صادمة

2021-07-17

طاهر علوان*


على مستوى واحد يمتزج الشجن العاطفي بالحس الإنساني العميق وبالشعور بوطأة الأزمة ثم بالمؤامرة التي تكاد تقلب الموازين في دراما متشابكة يقدمها المخرج جوناثان هينسليغ في فيلم “طريق الجليد” الذي يمكنك أن تصنفه ضمن أفلام الحركة والإثارة أو يمكنك أن تدرجه في إطار الدراما السينمائية والبطل المنقذ.

واقعيا نحن أمام تحد يواجه عددا من الشخصيات وهو إنقاذ مجموعة من رجال المناجم المحتجزين في أحد المناجم الكندية المتجمدة، وخلال ذلك على أعضاء فريق مكون من ثلاث شاحنات أن يحملوا معهم معدات حفر قادرة على اختراق المنجم وإنجاز حفر عمودي ينتهي بإنقاذ أولئك العمال المحتجزين الذين يبدأ العد التنازلي لهلاكهم.

مساران سرديان

وسط مهمة الإنقاذ هنالك مسارات سردية موازية وشخصيات إشكالية بإمكانك أن تتوقف أمام كل منها في بناء جمالي وتعبيري متقن يتألق فيه كالعادة الممثل ليام نيسون بدور مايك، في ثاني فيلم حديث له من إنتاج هذا العام بعد فيلم “الرامي” الذي سبق أن ناقشناه في هذه الصفحة.

وقلنا من قبل إنها مرحلة في حياة هذا الممثل البارع وصل فيها إلى محطة من محطات العمر وقد شارف على السبعين عاما من عمره، بعد مسيرة حافلة وغزيرة مع أفلام الحركة، ها هو يعود إلى ذلك النوع المفضل لدى المخرجين الذين يشاهدونه دون غيره في تلك الدراما.

في مقابل مايك هنالك شقيقه غورتي (الممثل ماركوس توماس)، وهو الجندي السابق في حرب العراق والمصاب بذلك المرض الذي يصيب العائدين من تلك الحرب المشؤومة والذي يسمى “متلازمة ما بعد الصدمة”، وهو وحده يستحق وقفة في علاقة مايك به وعطفه عليه، وهو الذي يمتلك مهارات استثنائية في ميكانيك السيارات فيما تفتك به متلازمة ما بعد الصدمة.

وإذا كنا أمام تلك الإشكالية الإنسانية المؤثرة التي يمثلها الشقيقان ومحاولات مايك إدماج شقيقه المريض في الحياة ومنحه ثقة بالنفس هنالك تانتو (الممثلة أمبير ميثهوندر) وهي الأخرى ضمن فريق مايك في قيادة إحدى الشاحنات وتريد إنقاذ شقيقها الوحيد الذي هو من بين عمال المناجم المحتجزين.

ينقلنا المخرج إلى مسارين سرديين موازيين فيهما الكثير من قوة الدراما التي تدفع حبكة هذا الفيلم إلى الأمام، المسار الأول يتمثل في عمال المنجم المحتجزين، والذين تستطيع من خلال حواراتهم أن تتبين أن واحدا منهم هو المتسبب في انهيار المنجم وهو الذي سوف يتسبب في نفاد الأوكسجين وانتشار غاز الميثان.

دراما متشابكة

على أن خلفية كل ذلك والمسار السردي الثاني يتمثلان في ثلة من المنتفعين الجشعين الذين يديرون المشروع فيما بينهم ولا يريدون إنقاذ العمال، بل الوصول إلى انهيار المنجم وموت من فيه لجني أموال طائلة من التأمين في مؤامرة غامضة أقدموا عليها بينما أوهموا السلطات بالكارثة وأنهم جادون في إنقاذ أولئك العمال.

مواجهات مع الموت
أما إذا انتقلنا إلى رتل الشاحنات الثلاث الضخمة التي يقودها مايك وشقيقه من جهة وتانتو ومتآمر من الشركة بالإضافة إلى غولدينور (الممثل لورنس فيشبورن) من جهة أخرى، نجد أن هؤلاء يخوضون مغامرة كارثية هم أيضا، وذلك كونهم يسلكون مسارا نحو المنجم يمر من فوق بحيرة متجمدة، الأمر الذي يجعلهم جميعا عرضة للّحظة التي ينهار فيها الجليد، وهو ما يقع فعليا عندما تسقط شاحنة غولدينور ويشاهد الجميع تلك الشاحنة العملاقة والمياه المتجمدة تبتلعها مع غولدينور نفسه.

الممثل فيشبورن من الذين لديهم حضور مؤثر في السينما وله منجز مهم في العشرات من الأفلام، وكان ملفتا للنظر اقتصاره على ذلك الدور القصير الذي انتهى إلى مقتله بينما أحداث الفيلم تتسع للمزيد مما يمكن أن يؤديه، لكن التحول الدرامي الذي انتهى بمقتله كشف عن مسار درامي آخر يتعلق بالمستفيد من ذلك، وهو ما سوف يتضح لاحقا.

الحاصل أننا في هذه الدراما الفيلمية سوف نشهد المواجهة الفعلية عندما تتمثل المؤامرة في أن هنالك من هو مدسوس بين سائقي الناقلات الثلاث لا يريد أن يصلوا إلى هدفهم، وهي المواجهة الشرسة التي سوف تقع بين مايك وبين فاراني (الممثل بينجامين ووكر) الذي أدى دورا مكملا لدور ليام نيسون وكان ندا قويا له في سلسلة أحداث وصراعات وقطع أنفاس مريرة.

خلال ذلك كنا نتوقف مثلا أمام الشك في خيانة الفتاة تانتو، ولكن الحقيقة أن الخيانة تكمن في شخص فاراني وهو ما يتسبب في شبه هلاكها في حادثة انقلاب الشاحنة، ثم الموقف الإنساني المؤثر والمرير في حادثة سقوط الشقيق غورتي في قاع البحيرة المتجمدة والمحاولة المستميتة من مايك لإنقاذ شقيقه في اللحظة الأخيرة، وهنا سوف نتوقف عند كيفية رسم ملامح شخصية غورتي من خلال الحوار المقتضب في مقابل الحضور الإنساني المؤثر.

ولنمْضِ في تلك المغامرة إلى نهايتها في مشهد حبس الأنفاس عند محاولة عبور الشاحنة جسرا خطيرا حيث ينتهي الأمر بفاجعة مقتل غورتي الذي يشكل موته صدمة قاتلة بالنسبة إلى مايك في مقابل النجاح في إيصال المعدات التي سوف تنقذ المحتجزين في المنجم.

 

*كاتب عراقي مقيم في لندن

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي