«لاهارا ـ نحن واحد»: رواية فلسفية عن المضمون الإنساني المشترك

2021-07-11

غلاف الرواية

كمال القاضي*

في البداية كان لا بد من الوقوف عند عنوان الرواية، «لاهارا – نحن واحد» قبل الشروع في الكتابة عنها، فلاهارا هي بطلة الأحداث الباحثة عن المُشتركات الإنسانية بين البشر، بعيداً عن الانتماء الديني أو العرقي أو المُجتمعي، وهي لسان حال الكاتبة النيوزيلندية نزهت جاهان، التي تؤكد من واقع تصديرها للجزء الثاني من

العنوان، نحن واحد أنها تبحث عن وحدة البشر داخل إطار توافقي، لا تفصله مُعطيات، أياً كان نوعها، فهي تؤمن بأن الأصل في الحياة هو الوصل وليس الفصل، ومن ثم فلا بد من اتباع القاعدة الفطرية، والتحرر من عُقدة التقسيم، تلك العُقدة التي تمثل الأسباب الرئيسية لمُشكلات العالم قاطبة، فمنها تنبثق التفاصيل المُزعجة الداعية إلى العنصرية والتمييز، والباعثة على المنازعات والحروب والحدود.

إنه العالم الأفلاطوني المفقود الذي تنشده الكاتبة، وتفوض بطلتها لاهارا نيابة عنها للبحث عنه، والسعي إلى خلق مدارات جديدة يطير فيها البشر كالملائكة، بلا خوف أو جُبن أو كراهية أو ضغينة، إذا ما آمنوا مثلها بفكرة الوحدة الإنسانية الشاملة.

ولعل الإهداء الذي وضعته نزهت جاهان في صدر الصفحة الأولى للرواية ليكون مُفتتحاً دالاً عليها، قد يُفسر المضمون التراكمي للعمل الأدبي النوعي الفارق في فكرته وعنوانه وشخصياته وأجوائه، حيث تقول الكاتبة في إهدائها موجهة كلامها لشخصية رمزية في روايتها على النحو التالي «لإيما التي تمثل الأرواح الجمعية ،التي

ضلت على يد قوى الشر في دنيا الفناء، وفي عالم الغيب، أمنح هذه الأرواح السلام فقدرنا أن نساعد غيرنا بالأدعية والأمنيات الطيبة، وها أنا ذا أرسل حبي للأرواح المضطربة والمُعذبة، فالحب هو صورة الرحمة الوحيدة التي أرسلت إلى الأرض».

وتُكمل نزهت إهداءها قائلة: «خطيت هذا الكتاب لأرفع الوعي بقضايا الصحة النفسية الناشئة عن الوحدة، أو نقص الحب والدعم من العائلة، أو صدمات الطفولة، أو الاعتداءات والتأثيرات المُدمرة». ينتهي الإهداء ويبقى المعنى موحياً بدلالات السيرة الذاتية للكاتبة وثقافتها الشخصية، التي تنطلق منها في الكتابة الإبداعية، فهي الفتاة التي دخلت عالم الرواية والإبداع منذ عام 2018 بكتابها الأول من ثلاثية لاهارا، بعد أن طافت حول العالم

لتنشر ثقافة الحب والتسامح والإنسانية، بإلقائها لعدد كبير من المحاضرات حول هذا المفهوم الذي تؤمن به، وتبني عليه عقيدتها الفكرية، حيث لا وجود للفرد بغير اتصال روحي إنساني مع الغير، يُمكنه من التفاعل والإنجاز ويُشعره بالوجود كعنصر بناء ومفيد.

وفق هذه الثقافة وبالروح التواقة إلى المساواة والعدل، كتبت نزهت جاهان روايتها بفيض من إحساس مُرهف، وتطلع بالغ إلى العالم المثالي، فصورت شخصيات روايتها على نحو مُثير ومشوق، وأضفت مسحة من التفاؤل مُستنبطة من نسيج الأحداث، لتؤكد أن إدراك الهدف النبيل في الوحدة الإنسانية ليس غاية مُستحيلة، وإنما الوصول إليه يتطلب أن نسعى بأنفسنا لتحقيق غاياتنا، وأن نمضي في طريق الوحدة طوعاً، مُتحلين بالإيمان المُطلق بالفكرة المثالية، وحينها ستُصبح كل الأحلام ممكنة وتصير واقعاً حياً.

وحسب اللغة المُستخدمة، ووفق جوهر الكتابة نرى أن الإشارات الواردة في رواية «لاهارا» جُلها يشير إلى نزوع الكاتبة نزهت جاهان القوي إلى تثبيت مبدأ المساواة بين البشر، على القاعدة الإنسانية، بعيداً عن استخدام أفعل التفضيل التي تفرق بين شخص وآخر، بل بين فئة وأخرى وتميز جنساً بشرياً على جنس آخر، وهو ما

يُضير المنظومة الإنسانية برُمتها ويجعل التمييز مقياساً أصيلاً للتقييم، حسب وجهة نظرها المعمول بها والمُتضمنة في الأحداث، الأمر الذي تنتفي معه فكرة العدالة بالكلية ويصير الاحتكاك بين البشر محض جحيم، حيث الارتباط بين الأفراد، وبين الفئات في الواقع المُعاش مسألة حتمية تستوجب التخلي عن أمراض النرجسية

والعنصرية والنبذ، لكن لأنها مفروضة بحكم الممارسة النفعية، فلا سبيل إذن لمقاومتها إلا بالحب، والانتماء لمنظومة نحن واحد، التي لا تضع سياجاً للحرية ولا تفرض شروطاً معوقه للتواصل والاتصال الروحاني الإنساني الفطري الآدمي.

وتدلل الكاتبة على قناعاتها، أو قناعات بطلتها لاهارا، من واقع الرواية بصور تسوقها لتأكيد فكرتها الحالمة، فالبطلة تقول في موضع درامي إنساني مُحدثة أمها «أمي كان هناك شاب طويل داكن البشرة رأيته من الخلف فقط، ظهر في أوقات استثنائية في أحلامي عدة مرات من قبل، لكنني كنت أراه يصلي، وعندما انتهى من

صلاته وسلم على الملائكة عن يمينه وعن شماله، استدار ناحيتي وعرفت أنه الرجل الذي اختاره الله لي، فقد كان دائماً معي في أحلامي، مُرشداً وداعماً وفي الوقت المثالي لنا سنجتمع في الحياة الحقيقية، سيكون كل منا مرآة للآخر».

من هذا المشهد التصويري العابر نستدل على المعنى الذي تريد الكاتبة تمريره عبر حُلم بطلتها، فهي تستلهم مُستقبلها من تلك الرؤية التي رأتها، وتحاول أن تجعل منها إشارة للربط بين العالم المثالي، الذي تأمل فيه وتتوق إليه، ودلالة الرؤية الرمزية بحيثياتها الإيجابية، كظهور الرجل الداكن بوجهه البشوش ونظرته الموحية

بالخير إليها، وصلاته التي يؤديها وتسليمه يميناً وشمالاً على الملائكة حسب سردها، وإحساسها الشخصي العميق به كرسول أرسله الله إليها ليكون سنداً ودعماً، كل هذه المُعطيات هي ذاتها أوجه القناعة الافتراضية الدالة على صواب البطلة، ونفاذ بصيرتها في ما يتعلق بالحُلم المثالي المُسيطر عليها، والدافع بها إلى اعتناق فكرة التسامح والحب والمساواة، كمخرج من كل المُشكلات والأزمات الضاغطة والخانقة والملاذ الآمن للإنسان في غابة الواقع المادي الذي يعيشه مُرغماً، وترفضه الكاتبة نزهت جاهان ولاهارا بطلة روايتها الفارقة شكلاً وموضوعاً.

 

  • كاتب مصري

 








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي