رواية النمر الأبيض؛ صرخة ضد ظلم الحكومة الهندية واستبدادها

الأمة برس
2021-04-28

سعد الدين كيري*

الرواية الهندية التي حازت على جائزة بوكير عام 2008 ، وهي بداية لكتابات الكاتب الهندي أرافيند أديغا ، والتي تعد بداية ناجحة للغاية. يتجاذب فيه أطراف الأحاديث عن طبقات المجتمع التي يعيش بعضها على هامش الحياة! البعض منهم لم يعد يطيق توفير لقمة واحدة ليومه ، على عكس فئة بلغت من الغنى مداه وتعيش بين الثروات الطائلة .والبطل هو صبي يكافح من أجل الحياة ، حيث أن الرواية هي حكايات بشرية تكشف عن الحقيقة المريرة والفساد المشبع بالمؤامرات.
وأرافيند أديجا يعرض من خلال روايته الممتازة ،’النمر الأبيض’ وصورة الهند في زمن التحولات من جراء انتشار الفساد في جميع مؤسسات الهند،المدارس والمستشفيات و مصلحات الشرطة والانتخابات والصناعات وكل جانب من جوانب الحكومة فاسدة بكل معناها ، في حين أن الممارسات المقدوحة مثل الرشوة والاحتيال شائعة جدا. وبطل الرواية "بالرام "يحاول الهروب من "الظلام" والدخول في "النور" ، و يلح رام على نفسه أن يصبح جزءًا لا يتجزأ من هذا النظام ، و أن يتحلى بمكانة مركزية في هذا النظام و أن يرفع مكانته الاجتماعية ، لكنه لا يزال يعيش في بلد مشلول بسبب الفساد ، مما يعوق الوطن من التقدم الحقيقي و النماء الكافي. يبدو للقراء أن النقطة النهائية لـأديغا هي أن الفساد يولد بالضرورة الفساد ، ما لم تكن هناك ثورة أكبر تعيد المجتمع.
وبالرام بفضل انه هو الأذكى من اولاد القرية يدعى بعنوان الرواية ’النمر الأبيض‘، وقريته ’لاكسمانغاره‘ ملئها الظلام. والده سائق العربات الريكشو في نفس القرية، وليس بمقدوره ان يتحمل تكاليفه لتكميل الدراسة. فبعدما ترك التعلم وراءه ظهريا، توجه الى دكان الشاي لسد الرمق. بالرام يكتشف على العالم الحديث من جميع هذه الظروف والخبرة، حيث يقول آنفا "إن المدن والزنقات في الهند امكنت له جميع الدراسات التي سعى جاهدا اليها".
بعد الحصول على رخصة القيادة، لاقى تحولا اكبر في حياته حيث دعاه احد الاثرياء في قريته ليصبح سائقا خاصا به مما سنح له فرصة ان يقضي حياته المهنية في دلهي ’النور‘. بالرام كلما يقود سيارة صاحبه برفقة عائلته الى مراكز التسوق والاتصال، يزداد وعيه الضئيل بالاموال المقنطرة والفرص حوله لكسبها مع علمه بأنه لا تتاح له فرصة ليصل الى هذا العالم المتخيل. وعند تأوهه على هذا الوضع المتأسف، بادر الى ذهنه حيلة ان الطريق الوحيد للانضمام الى هذا الهند المزخرف الجديد ان يقتل ’أشوك‘، ولد صاحبه، الذي غادر امريكا وعاد الى الهند متأخرا. أشوك يتحدى من الرشوة وشظاف العيش الشائعة في الهند. وضغوطه من هذه المعاملات البشعة الفاسدة أدت الى موته الذي اتاح لبالرام فرصة ليكون مقاولا ناجحا في مجتمع تكنولوجيا للهند.
وفي عدسة الرواية، تتضح الصورة الحقيقية الغامضة للهند والحقائق المريرة لنظامها السياسي الجاري في القرى والمدن. والمجاورة فيما بين بالرام المنسوب الى القرية وبين العائلة الغنية ترسم التفرقة بين الفقر والغنى. والكاتب اديغا يعرب عن ترفه الاغنياء ورخاء عيشهم في وقت ان الطبقة الوضيعة يشمرون عن ساعد الجد لشق الطريق الى الامام في حياتهم المفعمة بالهموم. وفي القرية، اكواخ مجصوصة بالطين المكللة بالخطوط المزينة ورعي الأنعام وتغريد الطيور عند الغروب. وهذه الامور ترنو الى طقوس الحياة الاجتماعية لاكثر الهنديين. واما المدن المتطورة، يعيش سكانها بين ناطحات السحاب والسيارات الصاخبة والمؤسسات التجارية ومكبرات الصوت مع انهم يتنفسون من هواء متلوث بالغازات الكيمائية الخطرة. وصورة الحياة المدنية واضحة بحيث ان غنيا يركب سيارة مترفة ويمر في شارع وفي حافتيه ناس يعانون من فقر مدقع ويسكنون في اهون الاكواخ. وفي القرى ايضا تتواجد قصور وبيوت لرجال الاعمال واصحاب الاراضي والتي تقع بقرب ملاجئ مغطية بسدول متواضعة تنتمي لأناس بلغوا من فقرهم اقصاه. فالتفريق بين الغني والفقير يوجد اكثر بكثير في معظم الادارات الحكومية وغيرها حيث انه مضمون في هذه السطور من الرواية: "الفقير لا يزال يحلم طيلة حياته ان يرزق برزق كاف كي يعيش به حتى يبدو غنيا. اما الغني يحلم ان يقصر حجم كرشه ويكون هزيلا حتى يبدو انه فقير".
ويعود فوز الرواية الى صورتين للهند، احداهما الفقر المدقع في حياة القرية والاخرى النقود المتألقة المقنطرة في زهرة الحياة المدنية. بالرام ينتمي الى "الظلام" الممتلئ بالمعاناة الحرجة. وهو من احدى الاسر التقليدية التي تحافظ في الامور على نظام يعود الى آثار الاباء والاولين. وليس عندهم ثاغية لِقوتهم ولا راغية، فاصبح ذلك مملا لبالرام حتى غادر بيته وانتقل الى مدينة حيث يتخلص من هذا النظام المكروه ويصبح ذا راحة البال عندما يخدم لسيده. لكن الانسان كلما يزداد منة وسعادة يطمع في الاكثر من ذلك.
وهو بما حصل من صاحبه من علوم دقيقة يخطو خطوة اثر خطوة في مسيره الى ان يكون مقاولا متميزا. ومن خلال سطور الرواية، اديغا يحاول الكشف عن الهند الحديثة، يفرق حالة الهند بعيد الاستعمار البريطاني من حالتها الاجتماعية التي تشمل نظام الطبقات الشائعة وتنظيم المشاريع المتطورة.
والطريق الذي اخذه بالرام للوصول الى تنظيم المشاريع ليس بمستحسن، كما يعبر عنه في البداية، لانه سلك هذا الطريق بعدما قتل صاحبه الذي هو احد من اربع المالكين الذين يملكون تلك العقارات حول قرية ’لاكسمانغاره‘ المشهورة بـ’الانعام‘.
بينما يقود سيارة صاحبه ويخدم له في المنزل، وهو يسرق الاحاديث المتداولة فيما بينهم ويستثمر تلك النبذات العلمية حول تنظيم المشاريع لنهوضه من صاحب دكان الشاي الى مقاول محترف وإن احرز هذا المنصب عبر طريق الجريمة.
وهو يكتب لوزير الصين، "يا صاحب السمو، انت متقدم منا اكثر بكثير الا انك لا تملك مقاولا واحدا". والامر الذي دفع بالرام الى هذا المقال هو التحولات الواقعة في الهند. وفي غابر الزمان، كان الوطن بمثابة حديقة الحيوانات حيث يوجد بعض الطبقات مسجونين في بيوتهم. وبفضل تلك السياسيين، استقلت الهند من برثنة المستعمرين في 15 من اغسطس عام 1947م ففتحت ابواب السجن واخذت الحيوانات تتكالب والشجعان منها هجموا وصالوا على الاخرين وملئوا بطونهم. فحجم الكرش هو المعتبر للنهوض الى درجة عليا. ويوجد المئات والآلاف لا يقدرون على النهوض ويبقون في ’الظلام‘. ومن ضمنه منزل بالرام في ’لاكسمانغاره‘ لكنه يعد جنة القرى التقليدية الهندية".
بالرام عاش أشق الظروف منذ باكورة اظفاره حيث سحبه والداه من مدرسته وألزما عليه ان يعمل كصاحب دكان الشاي. "سعادة الوزير، الق نظرك الى محال الشاي بشاطئ ’غانغا‘ ولاحظ رجالا يعملون فيها. وأقول كلمة "الرجال" لكن الافضل ان يعبر بكلمة "البشر العنكبوتي"، لانهم يزحفون بين ارجل الطاولة كما يفعل العنكبوت مكتسين بالملابس الرذيلة البالية وقد جاوزوا من عمرهم حد الثلاثين وان بدا انهم في عنفوان الشباب".
وحسبما يجول في نفس بالرام، صار هذا قدرهم قدّره الاله لأنهم عملوا بكل صدق وتضحية وإخلاص. وبالرام يتسم بوصف الحيوان النادر الذي يظهر مرة في تمام الجيل وهو ’النمر الأبيض‘. وذلك بأنه يتفرد من الاخرى بأفكاره المميزة حيث يقول "إن عدم الصدق والاخلاص عنصران لتفوّق شخص.المقاول الهندي يجب ان يكون مستقيما معوّجا ومصدّقا ساخرا ومخلصا ماكرا في حين واحد".
واضاف قائلا: "انا والآلاف الآخرون في هذا الوطن ’مطبوخ النصف‘ لأننا كنا محظورين من اتمام الدراسة. اقبلوا وافتحوا جمجمتنا فسترى في الضوء الضئيل متحفا قديما زخورا بالخواطر وكلمات التاريخ والعلوم التي حفظتها من كتب المدرسة، والعبارات عن السياسة التي وقفت عليها في الجرائد، والمقاطع من اخبار ريديو، جميعها مهضوم جزئيا وأكوّن منها خاطرا اخر وأعمل بهذه الخواطر الناقصة".
بالرام يحكي تمام قصته لوزير الصين منذ طفولته الى ما وصل اليه الان. وهو فاز في محاولته ان يبعد عن العائلة من اجل انها تلعب دورا مركزيا في تقرير ما سيحدث لكل واحد من الاعضاء حتى من سيزوج ومتى سيعقد الزواج. وقد جمعت له عائلته مالا لاحراز رخصة القيادة التي يعدها فرصة عسجدية لم يفتها والتي تسببت في الحصول على وظيفة ومغادرة عياله. بالرام يرمي على الوضع السياسي الاشنع في الهند وما اليه من الرشوة والدغل الجاري في اكثر المجال حتى المدارس والمعاهد التعليمية. وهو ينقد عن سوء الاجراءات والسيطرة من جهة أولي الامر. وفي آخر المطاف، بالرام يصبح مقاولا ناجحا يأمر من تحته بشكل ممتاز وقد علم كيف يجري هذا النظام.
ومما يجلو في نفس القارئ أن رواية ’النمر الأبيض‘ لـأديغا عبارة عن الهند الحديثة مع الوجهين كوجهي النقد، وهما ’الظلام‘ و’النور‘. وهذه الرواية تسلط الضوء على استهلاك الاغنياء واعتمادهم دون رحمة على البؤساء المبتلين بظلام الفاقة والخسران والذين يقضون جل حياتهم في خدمة هذه الأرباب.

*باحث في مركز الثقافة الاسلامية بكندور
مالافورم، كيرالا، الهند.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي