مفاجآت قد تكون بانتظار بوتين في الانتخابات الروسية      
2024-03-17
ماري ديجيفسكي
ماري ديجيفسكي

 

في ظل عام حافل بالانتخابات، إذ يتوجه أكثر من 60 بلداً، بما في ذلك الولايات المتحدة والهند وربما المملكة المتحدة، إلى صناديق الاقتراع، لم تجتذب المنافسة على الرئاسة في روسيا سوى قليل من الاهتمام نسبياً خارج نطاق البلاد. وصحيح أيضاً أن التصويت في نهاية الأسبوع الجاري سيشكل التجسيد الأقل إثارة للاهتمام والأكثر قابلية للتنبؤ في العملية الديمقراطية.

وستكون هذه الانتخابات من بين الأقل إثارة للاهتمام، أولاً، لأنها ستقام ليس على كامل الأراضي الروسية الشاسعة فحسب، بل أيضاً في بعض المناطق، على غرار شبه جزيرة القرم وأربع مناطق في شرق أوكرانيا، التي لا يعترف بأنها تابعة لروسيا على الإطلاق.

وثانياً، لأن العملية الانتخابية نفسها تشوبها شوائب في كثير من النواحي. ففلاديمير بوتين يترشح لولاية خامسة، مما يجعل منه الزعيم الذي يحكم روسيا لأطول مدة زمنية منذ عهد ستالين، وهو تفصيل يسلط منتقدوه الضوء عليه. وتمكن من الترشح بفضل استفتاء أجري عام 2020 كان الغرض الأساسي منه تعديل الدستور بما يسمح بإعادة عداد ولايات الرئيس بوتين إلى الصفر، ويسهل التجديد لما لا يقل عن ولاية واحدة له.

وفي عام 2008، ومع انتهاء فترة ولايته الثانية، اتخذ بوتين نهجاً مختلفاً في التعامل مع القيود الدستورية، فرتب لتبادل المناصب مع رئيس الوزراء آنذاك ديمتري مدفيديف، للامتثال للحد الأقصى الذي يقتصر على ولايتين متتاليتين. وتجدر الإشارة إلى أن عودته للرئاسة في عام 2012 أشعلت شرارة أكبر موجة من الاحتجاجات خلال عهده. ولم تواجه التغييرات التي طرأت على الدستور عام 2020 أية معارضة تذكر، لذلك، يمكن نظرياً أن يظل بوتين، البالغ من العمر اليوم 71 سنة، في الكرملين حتى عام 2036.

أما الناخبون الروس فأصبح خيارهم من المرشحين للرئاسة محدوداً في أغلب الأحيان. فعلى ورقة الاقتراع، وإلى جانب بوتين، الذي رشح نفسه كمستقل، ثمة ثلاثة مرشحين آخرين لا تتجاوز نسبة تأييدهم واحد في المئة. وهم كل من ليونيد سلوتسكي، وريث الزعيم الراحل فلاديمير جيرينوفسكي من الحزب الديمقراطي الليبرالي اليميني المتطرف، ونيكولاي خاريتونوف من الحزب الشيوعي، وفلاديسلاف دافانكوف من حزب الشعب الجديد ونائب رئيس مجلس الدوما (البرلمان الروسي).

تعتبر هذه التشكيلة تقليدية في الانتخابات الرئاسية الروسية منذ سنوات. فهي تجمع بين اليمين القومي، والشيوعيين القدامى من اليسار، ومرشح جديد يتناول برنامجه السياسي الملفات الساخنة ليشكل نوع من صمام الأمان. وفي حال دافانكوف، تناول برنامجه انتقاد حرب أوكرانيا، ولكن إلى حد بعيد، بما في ذلك دعم المفاوضات.

أما في ما يتعلق بديمقراطية الانتخابات، فمن المؤكد أن من لا يظهر بين المرشحين على ورقة الاقتراع لا يقل أهمية عمن يظهر عليها. وكان بوريس ناديجدين يأمل في خوض الانتخابات كمرشح مناهض للحرب، وحقق بعض النجاح في حملته الانتخابية. وربما حقق نجاحاً أكثر مما كان مفترضاً، لذلك، منع من الترشح بالطريقة الروسية المعتادة، بعد أن وصف عديد من التواقيع المؤيدة له بأنها باطلة.

علاوة على ذلك، تم تحييد الشخصية المعارضة البارزة والناشط في مكافحة الفساد، أليكسي نافالني، من السباق الرئاسي بسبب سلسلة من أحكام السجن. وفي الواقع، تم استبعاده من جميع الانتخابات منذ أن حصد 27 في المئة أكثر من المتوقع في انتخابات رئاسة بلدية موسكو عام 2013. ومع ذلك، فإن وفاته المفاجئة في مستعمرة سجن بولار وولف الشهر الماضي قد لا تجسد نهاية تأثير نافالني في السياسة الروسية.

أما بالنسبة إلى المرشحين الذين سيكونون على ورقة الاقتراع، فإن آخر استطلاعات الرأي الروسية تتوقع ما يلي: بوتين: 75 في المئة، سلوتسكي: ثلاثة في المئة، خاريتونوف: أربعة في المئة، ودافانكوف: ستة في المئة. إضافة، فإن الحقيقة الغريبة هي أنه ليس من الضروري أن يتم التلاعب بهذه الأرقام. وعلى رغم أن قرار الحرب قد لا يحظى بموافقة واسعة النطاق في بعض الأوساط، إلا أن دعم بوتين صمد (جنباً إلى جنب مع مستويات المعيشة والروح المعنوية الوطنية)، وكل ذلك على رغم التمرد الغريب الذي قام به يفغيني بريجوزين ومرتزقة مجموعة فاغنر في يونيو (حزيران) الماضي.

لا شك أن بوتين يستفيد مما يعرف بـ"الموارد الإدارية" - أي ميزة شاغل المنصب - للسيطرة على الحملة، فضلاً عن القيود المفروضة على حرية التعبير بعد غزو أوكرانيا عام 2022، ومنع مرشحي المعارضة وقمعهم، وخصوصاً أنصار نافالني. ولكن في حال أجريت انتخابات لحرة، ونظراً إلى هيمنته السياسية وعهده الطويل، فإن فوز بوتين سيظل شبه مؤكد.

ربما تتساءل لماذا إذاً لا يكتفي بوتين بإجراء انتخابات حرة، أو يتجنب كل الأخطار ويتخلى عن الواجهة الانتخابية بالكامل؟ لماذا يتحمل عناء تعديل الدستور، والسماح للمرشحين البديلين بخوض الانتخابات، ثم إجراء التصويت من أساسه؟ على أقل تقدير، كان بإمكانه إعلان حالة الطوارئ، بسبب الحرب، وتأخير الأمر برمته للمدة التي اختارها. وربما تتساءل أيضًا، في ضوء إمكان التنبؤ بالنتيجة، لماذا ينبغي على العالم الخارجي أن ينتبه إلى هذه الانتخابات؟

ولا بد أن ننظر إلى موقف بوتين، وعديد من الزعماء الآخرين، الذي يسعى بكل جدية إلى خلق ما يشبه الديمقراطية الانتخابية، باعتباره انتصاراً هائلاً للطريقة الغربية، حتى ولو فشل عديد من الديمقراطيات الحقيقية. ومن بين تلك الديمقراطيات، ينظر على نطاق واسع إلى النظام الأميركي القائم على الضوابط والتوازنات ومحدودية الولاية وتغيير السلطة المنظم وبالتراضي (في الغالب) على أنه المعيار الذهبي. ولهذا السبب جزئياً نص الدستور الروسي قبل عهد بوتين على تقييد السلطة الرئاسية بولايتين مدة كل منهما أربع سنوات، واستغرق بوتين 20 عاماً لتعديله.

وتجدر الملاحظة أنه ثمة كثير من الجوانب التي اتسمت بها الدولة الروسية ما بعد الحكم السوفياتي، بما في ذلك جزء كبير من الاحتفالية، وخطاب الرئيس عن حال الأمة، والتغطية التليفزيونية المهيبة لليلة الانتخابات، التي تكشف عن رغبة في نسخ الطريقة التي تدير بها الولايات المتحدة الأمور. هذه هي السمات التي تميز الدولة "السليمة"، حتى وإن استعرناها في الشكل وليس في المضمون. ومهما بدت الانتخابات زائفة من الخارج، إلا أن بوتين يتوق إلى مصادقة صناديق الاقتراع. ومع ذلك، وعلى رغم الترتيب الدقيق للعملية الانتخابية ولنتائجها، فإن الانتخابات لا تزال تنطوي على أخطار صغيرة، ولهذا السبب، وعلى رغم العيوب التي تشوب الانتخابات، ينبغي على العالم الخارجي أن يترقب.

في المجمل، يحق لـ113 مليون شخص، من منطقة المحيط الهادئ إلى بحر البلطيق والبحر الأسود، التصويت في نهاية الأسبوع الجاري، وعلى رغم كل الاحتياطات التي اتخذها الكرملين، ثمة حال من عدم اليقين يجب التنبه له. فهل يسجل بوتين عدد الأصوات المتوقعة عند 75 في المئة؟ وإذا فعل، كم سيكون الإقبال على الاقتراع؟ علماً أن هذه الانتخابات تجري على مدار ثلاثة أيام (من الجمعة إلى الأحد) وهناك أيضاً إمكان التصويت الإلكتروني.

وفي ما يمكن اعتبار كل من تمديد الوقت والتصويت الإلكتروني وسيلة لزيادة نسبة المشاركة، إلا أنها توفر أيضاً، وبطبيعة الحال، فرصاً وفيرة للتزوير (على سبيل المثال، من الأسهل بكثير التلاعب بالكمبيوتر، بدلاً من "حشو" صناديق الاقتراع أو نقل الناخبين الموثوق بهم إلى مراكز اقتراع متعددة). لكن وسائل التواصل الاجتماعي توفر أيضاً فرصاً جديدة للمراقبة المستقلة، وقد تكون نسبة المشاركة مقياساً أفضل لدعم بوتين من التصويت الفعلي. هل سيبقى الناس بعيداً من العملية الانتخابية، إما من خلال اللامبالاة أو العداء؟

مرة أخرى، هل يمكن أن تكون هناك احتجاجات علنية؟ ربما كان هذا السيناريو غير محتمل إلى حين أن خرج مئات الآلاف من الروس لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على نافالني، إما عند قبره في موسكو أو في أماكن مخصصة لوداعه في جميع أنحاء روسيا. وكررت أرملته يوليا طلب زوجها الراحل من أنصاره التجمع في مراكز الاقتراع ظهر يوم الأحد احتجاجاً. هل سيفعلون ذلك؟ هل كان المقصود من الهجوم على رئيس أركانه ليونيد فولكوف في ليتوانيا هذا الأسبوع أن يكون بمثابة تحذير؟ وهل سيكون له تأثير رادع؟

وكيف ستقوم السلطات بمراقبة هذه الانتخابات؟ والمفاجأة الأخرى، التي بالكاد تلاحظ خارج روسيا، كانت عدم تدخل الشرطة في مآتم نافالني. واعتقل عدد قليل من الأشخاص في وقت لاحق، ولكن تم الحفاظ على الهدوء والكرامة. هل كان ذلك بسبب تخوف الكرملين من قيام شرطة مكافحة الشغب بضرب المشيعين؟ أم خوفاً من تصاعد الاحتجاجات؟ وما الخوف الأعظم الذي تخشاه السلطات خلال هذه الانتخابات: من المعارضة ذاتها، أم من خطر عودة محاولة قمع هذه المعارضة بالقوة إلى الظهور من جديد؟

ليس من الخطأ تماماً وصف هذه الانتخابات الرئاسية الروسية بأنها، إلى حد ما، استفتاء على ولاية بوتين الحالية كرئيس و/أو على حرب روسيا ضد أوكرانيا. ولكن ربما ينظر إليها أيضاً باعتبارها انعكاساً، ولو جزئياً وغير كامل، لحال روسيا بعد ربع قرن تقريباً من حكم بوتين، وهو انعكاس لوحدة متراصة ربما بدأت تظهر عليها التشققات.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-الاندنبدنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • القتال بين إيران وإسرائيل لن يتوقف لكن حربا موسعة جرى تفاديها
  • 3 أسئلة ملحة قاد إليها الهجوم الإيراني على إسرائيل
  • إيران تعلم أن العالم في ترقب فما خطوتها التالية؟





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي