هل نحن أمام أعمال عدائية قد تشعل فتيل حرب عالمية ثالثة؟
2024-01-20
ماري ديجيفسكي
ماري ديجيفسكي

في يوم يضاف كما يبدو إلى أيام شبيهة غير قابلة للعد، استيقظت أوروبا على أنباء الغارات الجوية الليلية التي تسببت في سقوط قتلى وجرحى وأضرار في واحدة من كثير من المناطق المضطربة إلى الشرق من القارة.

شنت باكستان الهجمات الأخيرة على منطقة حدودية إيرانية، واعتبر ذلك رداً انتقامياً على الهجمات الإيرانية على منطقة حدودية باكستانية قبل يومين. كانت الخسائر المبلغ عنها في كلا الهجومين بأرقام تقع في خانة العشرات، لذلك كانت – وفق لأي معايير عسكرية، إن لم تكن بشرية ببساطة – صغيرة نسبياً.

ومع ذلك، من الصعب الهرب من الانطباع بأن مسرحاً للنزاع العسكري يتسع بلا هوادة – في الشرق والجنوب، هذا إذا لم يصل بعد إلى الشمال والغرب. وإذا نظرتم إلى الوراء، بدلاً من النظر إلى الأمام، يمكن اعتبار المذابح التي نفذتها "حماس" ضد إسرائيليين في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، والرد العسكري الإسرائيلي الشامل، تحولاً للجزء الصغير المتمثل في قطاع غزة إلى مركز للنزاع يمكن أن يشمل مناطق أبعد بمئات الأميال.

قد يكون من المفيد أن قرع نواقيس الخطر على المستوى الدولي يبدو حتى الآن غير متناسب مع الأخطار الحقيقية. وعلى هذا، أعقبت هجمات "حماس" في أكتوبر تحذيرات رهيبة من أن الهجمات قد تكون الشرارة التي تشعل حريقاً إقليمياً، أن المسألة مسألة وقت فقط قبل أن تتورط إيران في شكل مباشر – ربما من خلال وكيلها، "حزب الله"، في جنوب لبنان – وأن سرعان ما قد نقف على عتبة الحرب العالمية المقبلة.

أشارت أصوات في الولايات المتحدة، بما في ذلك مستشار دونالد ترمب السابق للأمن القومي، جون بولتون، إلى أن ما يجري قد يكون فرصة للولايات المتحدة للتدخل مباشرة وتحييد التهديد الإيراني المقدر في صورة نهائية.

بيد أن سيناريو كهذا افترض مسبقاً أن إيران ستتورط، في شكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما لم تفعله – ما فاجأ كثراً. لقد صرح علناً مرشدها الأعلى نفسه أنها لا تنوي الدخول في المعركة، في حين طوى الصقور في الولايات المتحدة أجنحتهم، مدركين ربما أخطار المساهمة في مغامرة خارجية جديدة في بداية عام من شأنه أن يختتم بانتخابات رئاسية أميركية.

بعد مرور ثلاثة أشهر، تطور النزاع الذي بدأ في غزة وحولها في اتجاهات مختلفة تماماً عن تلك التي جرى تصورها [توقعها] في البداية – والأخطار التي لم تعد تعتبر شرارات يمكن أن تشعل حرباً أوسع نطاقاً يقلل حتى الآن من شأنها عموماً.

امتدت الأعمال العدائية بالفعل إلى جنوب لبنان، وإن لم تقتصر على هجمات أكثر كثافة شنها "حزب الله" على شمال إسرائيل، بل في صيغة اغتيالات سياسية – لنائب رئيس "حماس" وقائد بارز في "حزب الله". اعترفت إسرائيل بالمسؤولية عن الاغتيال الثاني، لكن ليس عن الأول، وظل رد كل من "حزب الله" وإيران في المجال الخطابي.

ثم جاء تدخل مما بدا أنه الجناح الأيسر، إذ أطلق الحوثيون، الذين يسيطرون على جزء كبير من اليمن منذ 10 سنوات تقريباً، صواريخ ومسيرات على سفن تعبر البحر الأحمر، وهو واحد من "نقاط الضغط" العالمية السيئة السمعة [الشائكة] في مضمار التجارة البحرية. وقال الحوثيون، الذين تسلحهم إيران إلى حد كبير، إنهم يتضامنون مع الفلسطينيين ويستهدفون فقط السفن التي لها صلة بإسرائيل أو حلفائها.

في هذه المرحلة، مع اختيار السفن التجارية المتجهة إلى أوروبا عموماً اتخاذ الطريق الأطول بكثير بمحاذاة جنوب أفريقيا، نصبت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة نفسيهما وصيتين على الأمن البحري الإقليمي وشنتا هجمات صاروخية على مواقع الحوثيين في اليمن. ومع ذلك، أصرتا طوال الوقت على أن عملهما لا صلة له على الإطلاق بالنزاع في غزة، بل كان يتعلق كله بحرية الملاحة والانتقام (لهجوم شنه الحوثيون على سفينة حربية بريطانية). ورفضتا صراحة اتهامات الحوثيين بأن هجماتهما تمثل دعماً فعلياً لإسرائيل، ولم تذكرا في الغالب أن الشرط المعلن للحوثيين لوقف هجماتهم هو إقرار اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.

حتى عندما كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتصديان للحوثيين، كانت إيران تحول انتباهها إلى أعداء أقرب إلى الوطن. على مدى الأسبوعين الماضيين، شنت هجمات جوية على الأراضي المجاورة من الجهات كلها – في سوريا والعراق وأخيراً في باكستان – ما أثار احتجاجات وردود فعل من البلدان المعنية. ومع ذلك، جرى إلى حد كبير التقليل من وزن ما يجري وطابعه الأوسع نطاقاً – ليس فقط من قبل إيران، بل كذلك من قبل أولئك الذين حذروا في أكتوبر بصوت عالٍ من نوايا إيران العدائية.

في الأيام الأخيرة، قدمت هجمات إيران على جيرانها كأعراض لصعوبات محلية صغيرة – صعوبات مع إرهابيي "داعش"، ومع جماعات متمردة إيرانية متمركزة في الجهات المقابلة من الحدود، ومع عصابات تتاجر بالمخدرات، وما شابه ذلك. باختصار، تسعى إيران إلى تحقيق مصالحها الوطنية على نطاق صغير، في غياب تداعيات أوسع تستحق القلق.

صح ذلك حتى الصدام الأخير مع باكستان، حيث لا تزال الأعمال العدائية تقتصر على المنطقة الحدودية، لكن من المحتمل أن تضع هذه الأعمال دولة مسلحة نووياً في مواجهة دولة أخرى ذات طموحات نووية. وهذا له أيضاً أثر يتمثل في توسيع منطقة النزاع إلى ما وراء ما يمكن اعتباره عموماً الشرق الأوسط، إلى الشرق الأوسط الكبير وجنوب آسيا، مع خطر الامتداد إلى أفغانستان، حيث تتطابق المصالح الغربية والصينية والروسية.

يبدو لي أن الاحتمال لا يزال قائماً بأن النزاعات والعداوات والمنافسات المنفصلة القائمة الآن يمكن أن تظل محصورة في مجالاتها المنفصلة وأن الحرب الإسرائيلية - الفلسطينية في غزة ستشعل نيران حرائق إقليمية، لكن حريقاً شاملاً من شأنه أن يشمل مباشرة أي من القوى الكبرى لن يندلع. من الممكن تفسير ما يفعله الحوثيون وإيران على أنه استغلال لمناخ عام من عدم الاستقرار لتحقيق أهداف خاصة بهم: الحوثيون لتعزيز موقفهم في اليمن، إيران لتعزيز سلطة النظام في مواجهة الأعداء المحليين المتمركزين في الخارج، لكن ليس من الواضح ما إذا كان أي منهما يلجأ إلى القوة العسكرية، كما يحصل، من دون الشعور بأن القواعد الدولية التي ظلت قائمة لسنوات عديدة باتت الآن معلقة فعلياً – بدءاً بهجمات "حماس" واحتجازها رهائن في السابع من أكتوبر، ومروراً بالنطاق المدمر للرد الإسرائيلي.

حتى الآن، يبدو أن إيران تقاوم ما قد يعتبر فرصة للظهور كقوة مهيمنة في المنطقة من خلال الجمع بين الجبهات المتباينة كلها، وقد تكون أضعف من أن تفعل ذلك. هي لم تتدخل علناً ضد إسرائيل من جنوب لبنان، لقد أبقت أفعال الحوثيين معزولة [مقيدة]، ويبدو أنها لا تريد تعريض فرصة السلام مع السعودية في شأن اليمن إلى خطر. تقتصر هجماتها الصاروخية على المناطق الحدودية المباشرة والنزاعات القائمة، وأمنها الداخلي أبعد ما يكون عن الكمال [الاستتباب] – والشاهد على ذلك الهجوم الأخير في كرمان، الذي تبناه "داعش"، في ذكرى مقتل رئيس الأمن [قائد فيلق القدس]، قاسم سليماني، والاضطرابات التي لا تزال تستعر حول القواعد المفروضة على حجاب النساء، لكن ما لا يمكن تجاهله هو أن ما ينتشر انطلاقاً من غزة هو شعور متزايد بالاستسهال وتراجع ضبط النفس واستعداد الأطراف كلها للجوء إلى السلاح. عندما ننظر في الأشهر الماضية، ماذا سنرى: مجموعة من المصالح الصغيرة التي يعمل لتحقيقها على هامش التنافس الدائم وغير القابل للحل على الأرض القائم بين إسرائيل والفلسطينيين – مجموعة من المصالح والإجراءات التي تظل معزولة وتتلاشى [من غير أثر] – أو هي سلسلة من التحركات المتصاعدة حتماً التي ستظهر [لاحقاً] في كتب التاريخ المدرسية كأسباب للحرب العالمية المقبلة؟

كما هي الحال في كثير من الأحيان، ربما يكون من الحكمة أن نأمل في الأفضل – لكن مع الاستعداد للأسوأ.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • القتال بين إيران وإسرائيل لن يتوقف لكن حربا موسعة جرى تفاديها
  • 3 أسئلة ملحة قاد إليها الهجوم الإيراني على إسرائيل
  • إيران تعلم أن العالم في ترقب فما خطوتها التالية؟






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي