نظرة أولية لأسواق النفط في 2024
2023-12-19
أنس الحجي
أنس الحجي

تفاجأ كل الخبراء والمحللين، وحتى دول "أوبك" وكاتب هذه المقالة، بانخفاض معدلات نمو الطلب على النفط في الربع الرابع من العام الحالي، لدرجة أن "وكالة الطاقة الدولية" خفضت توقعها للربع الرابع بمقدار 400 ألف برميل يومياً. كما كان ارتفاع مستويات المخزون في الصين والهند واليابان والولايات المتحدة مفاجئاً أيضاً، وألقى ذلك بظلاله على أسواق النفط في 2024. فارتفاع المخزون الآن يعني انخفاض الطلب مقارنة بما كان متوقعاً، كما أنه يعني أن سيستخدم هذا المخزون لاحقاً بدلاً من الاستيراد.

وانخفاض المخزون الأميركي أخيراً ليس دليلاً على زيادة الطلب على النفط، وإنما انخفض لأسباب ضريبية في نهاية العام. باختصار سيحمل العام المقبل ما تبقى من حمل 2023، بغض النظر عما سيحصل في عام 2024. كما انخفضت المضاربات المتفائلة بارتفاع أسعار النفط إلى أقل مستوى لها منذ عام 2011، وهذا يعود لاقتناع المضاربين بأن معدلات النمو الاقتصادي منخفضة، وأن خفض "أوبك+" الطوعي لن يؤدي إلى تخفيضات كبيرة، في وقت ينخفض فيه الطلب على النفط فصلياً في الربع الأول من العام.

وقد يقول قائل: ولكن الطلب على النفط ارتفع إلى أعلى مستوى له في التاريخ، ويتوقع له أن يصل إلى مستويات قياسية في العام المقبل، فلماذا هذا التشاؤم؟

الجواب يتمثل في نقطتين:

1- نعم وصل الطلب على النفط إلى أعلى مستوى له في التاريخ، ولكن إنتاج النفط في كل من الولايات المتحدة والبرازيل وغيانا وصل إلى أعلى مستوى له تاريخياً أيضاً.

2- الإشكال كان في توقعات النمو في الطلب على النفط مقارنة بالواقع. التوقعات كانت أعلى من الواقع، وهذا ما يؤثر في أسعار النفط، وليس في مستوى الطلب على النفط.

وكانت أسعار النفط ارتفعت قليلاً في الأيام الأخيرة بعد انخفاض المخزون الأميركي وهجمات الحوثيين على السفن بالقرب من باب المندب، وإعلان روسيا خفض صادراتها لأمور تتعلق بالطقس من جهة، وأعمال الصيانة من جهة أخرى.

"أوبك" ووكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأميركية

عادة تختلف التوقعات بين هذه المنظمات الثلاثة بشكل كبير في البداية، ومع مرور الوقت وتوافر معلومات إضافية، تتجه التوقعات نحو نوع من التوافق، ولكن تبقى بعض الفروق على كل حال.

حالياً الفروق بين توقعات هذه المنظمات، خصوصاً في ما يتعلق بنمو الطلب على النفط في عام 2024، كبيرة. فـ"أوبك" ترى أن الطلب على النفط في 2024 سينمو بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً، بينما ترى وكالة الطاقة الدولية أنه سينمو بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً، وإدارة معلومات الطاقة تتوقع أن ينمو بمقدار 1.34 مليون برميل يومياً. ويتضح هنا تفاؤل "أوبك" الكبير في نمو الطلب على النفط مقارنة بتوقعات المنظمات الأخرى.

وفي وقت تتوقع فيه "أوبك" نمو إنتاج دول خارجها في 2024 بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً، تتوقع وكالة الطاقة الدولية نموه بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً. أما إدارة معلومات الطاقة الأميركية فترى أن النمو سيكون محدوداً بسبب انخفاض نمو إنتاج النفط الصخري، وسيبلغ 860 ألف برميل يومياً فقط.

طبعاً هناك توقعات أخرى من البنوك الاستثمارية الكبيرة والبيوت الاستشارية، ويبقى الخلاف الأساس حول نمو الطلب على النفط. الفرق بين نمو الطلب على النفط من جهة، ونمو إنتاج دول خارج "أوبك" وإنتاج "أوبك" من السوائل الغازية من جهة أخرى، يحدد ما يجب أن تنتجه "أوبك" والتغير في المخزون.

المشكلة الأساسية هنا هي أنه إذا كان النمو في الطلب قريباً من نمو إنتاج دول خارج "أوبك"، فإن هذا يعني أن على دول "أوبك" أن تحافظ على خفض الإنتاج حتى نهاية العام، وهذا يبرز أهمية الالتزام بالتخفيضات.

بالنظر إلى التوقعات المختلفة، وبعيداً من توقعات كاتب هذه المقالة، يتضح أن هناك أزمة حقيقية في عام 2024 لأن التباطؤ الاقتصادي والهبوط الفصلي للطلب على النفط، في ضوء زيادة كبيرة في إنتاج دول خارج "أوبك" ومخزونات مليئة، يعني أن تحافظ دول "أوبك" على خفضها طيلة العام. ولكن لو تحول الوضع إلى ركود اقتصادي فليس هناك من حل سوى قيام دول "أوبك" بخفض أعمق، أو كما يرى بعضهم، حرب أسعار. 

هناك من يرى أن بنك "الاحتياط الفيدرالي الأميركي" (البنك المركزي)، سيقوم بخفض أسعار الفائدة في 2024. هذا الخفض سيحفز الاقتصاد من جهة، وسيخفض قيمة الدولار الأميركي من جهة أخرى، وكلا الأمرين سيرفع أسعار النفط.

ويُرد على ذلك بأمرين. الأول أن الانخفاض المتوقع في أسعار الفائدة من مستويات عليا، ومن ثم فأثرها الاقتصادي محدود. والأمر نفسه ينطبق على الدولار إذ إنه ينخفض من مستويات عالية، في وقت انهارت فيه عملات بعض الدول، وانخفضت أخرى بشكل ملحوظ. هذا يعني أن أثر انخفاض الدولار في تحفيز الطلب على النفط محدود أيضاً.

أخيراً، علينا ألا ننسى أمرين في حال ارتفاع الأسعار مرة أخرى: الانتخابات الأميركية والاقتصاد الصيني. إدارة بايدن ستقوم بالسحب من المخزون الاستراتيجي قبل الانتخابات لمنع أسعار الوقود من الارتفاع. ,الصين ستقوم بالسحب من المخزونات لمنع أسعار النفط من الارتفاع والتأثير سلباً في نمو اقتصادها.

كل هذا في وقت تتوافر فيه طاقة إنتاجية فائضة كبيرة في بعض دول "أوبك"، وتحول واضح بعيداً من النفط كوقود. ولكن في القطاع البحري هذه المرة. ولكن يرد على النقطة الأخيرة، بأنه في الأشهر المقبلة في الأقل، سيزداد طلب الشحن البحري على النفط بسبب الجفاف في وسط أميركا الذي أثر في عمليات قناة بنما وأجبر السفن على الالتفاف حول العالم للوصول إلى آسيا، كما أن هجمات الحوثيين أجبرت بعض شركات الشحن البحري على تحويل مسار سفنها من البحر الأحمر وقناة السويس إلى الدوران حول أفريقيا مروراً برأس الرجاء الصالح.

خلاصة الأمر أنه من الصعب أن ترتفع أسعار النفط في 2024 إلا إذا انخفض الإنتاج نتيجة عوامل سياسية أو طبيعية أو فنية. الزيادات الكبيرة من دول خارج "أوبك" ستلقي بظلالها على السوق، وستمنع دول "أوبك" من زيادة الإنتاج. ما تحتاج إليه صناعة النفط هو نمو اقتصادي قوي في كل من الصين والولايات المتحدة أولاً، وفي دول الاتحاد الأوروبي والهند ثانياً. وهذا يتطلب سياسات تحفيزية قوية يرافقها التخفيف من حدة الحروب التجارية والسياسات الحمائية، مع تبني سياسات تغير مناخي أكثر واقعية تخفف من العبء على الموازنات الحكومية.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • النفط بين بايدن وإيران!
  • إيران وأسواق النفط
  • زيادة واردات النفط في آسيا وأوروبا... هل ترفع أسعاره فوق 90 دولارا؟






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي