إن صح ما يقال عن زيلينسكي بأنه مستبد فعلينا أن نشعر جميعا بالقلق
2023-12-14
ماري ديجيفسكي
ماري ديجيفسكي

مع عودة الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى الظهور في نشرات الأخبار، والخروج من ظل الصراع الأحدث في الشرق الأوسط، يبدو أن هناك تحولاً ملحوظاً. هو تحول بالمزاج العام بقدر ما هو تحول بمجريات الأحداث، وكما لاحظتم، فهو بعيد كل البعد من أن يكون إيجاباً.

والأمر الأكثر وضوحاً وأهمية هو أن هذا التغيير يتجلى بشكل جلي في مركز السلطة في كييف. ففولوديمير زيلينسكي، الذي كثيراً ما تم الترحيب به باعتباره الشخصية البطولية لمقاومة كييف ضد موسكو، يواجه انتقادات متزايدة، حتى من أولئك الذين اعتبروا في السابق حلفاء مخلصين.

آخرهم هو رئيس بلدية كييف فلاديمير كليتشكو بطل الملاكمة السابق الذي قال لمجلة "دير شبيغل" الألمانية إن زيلينسكي يخاطر بالتحول إلى مستبد، ما قد يعني أن أوكرانيا "لا تختلف عن روسيا، حيث يعتمد كل شيء على نزوة رجل واحد".

لم تكن علاقات كليتشكو مع زيلينسكي سلسة دائماً، كما حصل عندما حمل زيلينسكي كليتشكو مسؤولية حالة الملاجئ في كييف، لكن الانتقاد الجديد هذا من عيار آخر، من رجل يتمتع بالكاريزما ليصبح منافساً على السلطة (على رغم أنه أصر على بقاء زيلينسكي في منصبه حتى تنتهي الحرب).

من المنتقدين العلنيين الآخرين قائد القوات المسلحة الأوكرانية، السابق ربما، فاليري زالوجني، الذي شارك وجهات نظره الصريحة في شأن وضع الحرب مجلة "إيكونوميست" الشهر الماضي. حظيت مقابلته بالاهتمام في المقام الأول بسبب وصفه الحرب بأنها وصلت إلى "طريق مسدود". لكنه قال أكثر من ذلك بكثير: ذكر أن معدل الثقة في زيلينسكي قد انخفض إلى 32 في المئة، وسلط الضوء على خلافاته معه حول التكتيكات العسكرية للمعارك، وكيف كان ينبغي أن تكون أربعة أشهر كافية للقوات الأوكرانية للوصول إلى شبه جزيرة القرم لكنها لم تكن كذلك، وحذر من أن الحرب الطويلة الأمد لن تصبح أكثر احتمالاً وحسب، بل قد تؤدي إلى تقويض الدولة الأوكرانية.

منذ ذلك الحين ظهرت تقارير تشير إلى أن زيلينسكي إما حاول وفشل في إقناع زالوجني بالاستقالة، أو أنه أقيل. ومع عدم تأكيد أي من السيناريوهين، فإن هذا يخلق وضعاً غير مؤكد إلى حد كبير وربما غير مستدام في قلب القيادة الأوكرانية خلال فترة الحرب.

وفي الوقت نفسه، هناك جدل متصاعد حول ما إذا كان ينبغي لأوكرانيا المضي قدماً في إجراء انتخاباتها الرئاسية كما هو مقرر في الربيع المقبل أو تأجيلها إلى ما بعد انتهاء الحرب.

يؤكد زيلينسكي، لسبب وجيه، أن الانتخابات لا ينبغي أن تتم في ظل الأحكام العرفية، لأسباب قانونية وعملية. ويزعم أنصاره كذلك أنه حتى تشرشل قام بتأجيل الانتخابات إلى ما بعد انتصار الحرب العالمية الثانية (على رغم أنهم كثيراً ما يغفلون الإشارة إلى أن نجاح تشرشل في الحرب لم يترجم إلى نصر انتخابي). ومن بين أولئك الذين يؤيدون إجراء الانتخابات في وقتها المحدد، قد يأمل بعضهم أو يعتقد أن هذا قد يؤدي إلى التصويت على خروج زيلينسكي من منصبه.

هذا يفضي إلى مجال ثان شهد تغييراً، المزاج العام في أوكرانيا. وبعيداً من التآكل الواضح للوحدة بين القيادة العليا، هناك تحول ملحوظ في الروح المعنوية الأوسع للبلاد. في السنة الأولى من الحرب، كانت الروح المعنوية العالية أمراً شائعاً لحظه زوار أوكرانيا، ولكن يبدو أن هذه المشاعر قد تضاءلت. وقد أسهم ارتفاع عدد الضحايا والركود على خط المواجهة في تزايد الشعور بالضجر من الحرب، بل وحتى الاكتئاب، كما لاحظ الزائرون الجدد.

ويبدو أن زيلينسكي نفسه قد فقد بعضاً من تحديه المتفائل في وقت سابق. ومن اللافت للنظر أنه تمكن من الحفاظ على هذا الموقف لفترة طويلة. ومع ذلك، فقد تميزت رحلته الأخيرة إلى الولايات المتحدة بتقارير عن نفاد الصبر وعدم التركيز. ولوحظ خصوصاً غيابه غير المتوقع عن اجتماع حاسم عبر تطبيق "زوم" مع أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، حيث كان من المتوقع أن يدعو إلى مزيد من الدعم لأوكرانيا.

ويعكس هذا الوضع حقيقة أوسع نطاقاً بالنسبة إلى زيلينسكي: فالإرهاق وخيبة الأمل من الحرب يمتدان إلى ما هو أبعد من حدود أوكرانيا. لا يقتصر الأمر على أن زيلينسكي وأوكرانيا لم يعودا يجتذبان المستوى نفسه من التملق والاهتمام الذي كانا يتمتعان به من قبل على الساحة الدولية، بل أصبحت التغطية الإعلامية الغربية تبرز على نحو متزايد أصواتاً منتقدة من أفراد عسكريين في شأن سلوك الحرب وخسائرها، فضلاً عن تقارير عن قضايا دائمة مثل الفساد في المشتريات العسكرية والتهرب من الخدمة العسكرية في أوكرانيا. وقد صور ملف شخصي حديث في مجلة "تايم" زيلينسكي كزعيم بعيد من المشاعر العامة وحتى من الواقع، (جدير بالتذكر أن تايم أشادت بزيلينسكي قبل 12 شهراً باعتباره شخصية العام).

وفي الوقت نفسه، تتكشف معركة سياسية كبيرة في الولايات المتحدة في ما يتعلق بحزمة التمويل الأخيرة التي اقترحها الرئيس جو بايدن لأوكرانيا، ذلك أن الالتزامات تجاه إسرائيل لا تعني فقط أن هناك منافسة مفاجئة على الأموال والأسلحة واهتمام وسائل الإعلام، بل تعني كذلك أن الجمهوريين في الكونغرس يطرحون أسئلة صعبة حول ما حققه الدعم الأميركي لأوكرانيا حتى الآن. ومع بدء دخول الولايات المتحدة عام انتخاباتها الرئاسية بدأ الدعم القوي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لأوكرانيا يتضاءل. وتواجه كييف الآن احتمالاً حقيقياً بعدم تلقي المساعدة التي تسعى إليها وتحتاج إليها بشدة.

وربما كان هذا الوضع، إلى جانب وجهة النظر المتشككة على نحو متزايد في شأن الأداء العسكري لأوكرانيا، يؤثر في الحذر الشديد من جانب ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي وأحد أشد المؤيدين لأوكرانيا. ستولتنبرغ قال لهيئة الإذاعة الألمانية "أي آر دي" ARD: "علينا أن ندعم أوكرانيا في الأوقات الجيدة والسيئة"، مضيفاً: "يجب علينا أن نكون مستعدين أيضاً للأخبار السيئة".

هذه التطورات لا تبشر بالخير لأوكرانيا. ومع ذلك، فإن هذا التحول في المزاج لم يحدث فجأة، بل كان يتراكم تدريجاً. وكانت المؤشرات واضحة منذ الاعتراف بأن الهجوم المضاد الذي طال انتظاره في أوكرانيا في الربيع أو أوائل الصيف لم ينجح. في البداية، قلل حلفاء أوكرانيا من أهمية هذه النكسات، وركزوا بدلاً من ذلك على الضربات الأوكرانية الناجحة في شبه جزيرة القرم، والحجم المزعوم للخسائر الروسية، والمشكلات التي يواجهها الرئيس بوتين، مثل تمرد مجموعة "فاغنر" ومذكرة الاعتقال المتعلقة بجرائم الحرب التي تحد من سفره الدولي.

لقد أصبح إخفاء الحقيقة القاتمة للوضع على نحو متزايد أكثر صعوبة، على رغم أن البعض، وبخاصة في أوروبا، ما زالوا يحاولون إخفاء ذلك. ويعول كبار الساسة الأوروبيين بصورة كبيرة في تحقيق النصر الأوكراني، لكنهم يفتقرون إلى الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك من دون دعم الولايات المتحدة. وقد يفسر هذا السبب وراء الصمت الذي قوبلت به تصريحات ينس ستولتنبرغ بالصمت إلى حد كبير، في معظم العواصم الأوروبية، حتى مع تغير لهجة الزعماء السياسيين بشكل طفيف. والواقع أن مقولة "أوكرانيا ستنتصر" الواثقة حلت محلها مقولة "أوكرانيا يجب أن تنتصر" اليائسة، وهو تغير صغير، ولكنه يقول كثيراً.

الأمر الذي لا يقل إثارة للقلق هو أن المقولة الجديدة تستدعي السؤال: هل تستطيع روسيا الفوز؟ وإذا حصل، ماذا قد يعني ذلك؟

إن تحديد ما يعنيه "الفوز" أو "الخسارة" في هذا السياق أمر بالغ الأهمية. وعلى الجانب الإيجابي، فقد حققت أوكرانيا النصر بالفعل: فقد حققت انتصاراً أخلاقياً، وعززت هويتها الوطنية وحقها الذي لا ينازع بأن تكون دولة، وهي الإنجازات التي ستبقى بغض النظر عن التطورات المستقبلية. إذا كانت هذه حرب استقلال، فقد فازت بها، وإن بكلفة باهظة.

وعلى العكس من ذلك، فلقد خسرت روسيا إن كان هدف غزوها احتلال أوكرانيا أو تدميرها. ومن وجهة نظري، فإن هدف روسيا كان مختلفاً: تحييد التهديد الأمني الذي تتصوره نتيجة التحالف العسكري الأوكراني مع الغرب. وإذا استمرت الحرب في مسارها الحالي، فقد تحقق روسيا هذا الهدف. إن الفكرة التي يطرحها البعض بأن روسيا "المنتصرة" ستتقدم بعد ذلك إلى دول البلطيق أو بولندا هي فكرة مضللة. فروسيا لا تمتلك القدرة العسكرية اللازمة لمثل هذه الحملة، ولم يكن مثل هذا التوسع هو الهدف المقصود من الحرب.

تكمن الصعوبة التي تواجهها أوكرانيا في أنها ستجد صعوبة في ادعاء النصر، بسبب المعيار العالي الذي حددته له والذي وضعه زيلينسكي وأصبح الآن مكرساً في القانون الأوكراني بأن أوكرانيا لن تقبل بأقل من استعادة الأراضي المحتلة كلها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. قد لا يحظى مفهوم "الأرض مقابل السلام" بشعبية كبيرة، ولكنه قد يمثل الحل الوحيد الممكن للصراع، مما يمنع أوكرانيا من مزيد من الخسائر الكارثية.

ومع ذلك، فإن أي شيء أقل من تحقيق النصر الكامل لأوكرانيا يمكن أن ينظر إليه أيضاً على أنه هزيمة لحلفائها. وقد يكون هذا الموقف أقل إثارة للإشكالات بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبخاصة في سياق انتخابي إذ من الممكن أن تتحول السياسة الخارجية بسرعة، ولو أن ذلك من شأنه أن يثير تساؤلات حول "من خسر أوكرانيا؟" ولكن في أوروبا فإن العواقب ستكون أكثر تعقيداً واستدامة.

لقد تعهد زعماء أوروبا بتوفير الدعم لأوكرانيا "مهما استلزم ذلك من وقت"، لكن إذا ما خفضت الولايات المتحدة دعمها، فقد تجد الدول الأوروبية نفسها من دون الموارد اللازمة للدفاع عن أوكرانيا بشكل مستقل، أو التعامل مع ملايين اللاجئين المحتملين الإضافيين، أو المساعدة في إعادة بناء البلاد.

إن حكومة المملكة المتحدة، ورثت إرث بوريس جونسون المتمثل في تقديم وعود سخية بشكل ملحوظ، ستجد نفسها معرضة للخطر خصوصاً. ومع أن هذا ليس وضعاً مثالياً، فمن الضروري مواجهته، ولو بأمل ضئيل في التخفيف من التداعيات المحتملة.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • القتال بين إيران وإسرائيل لن يتوقف لكن حربا موسعة جرى تفاديها
  • 3 أسئلة ملحة قاد إليها الهجوم الإيراني على إسرائيل
  • إيران تعلم أن العالم في ترقب فما خطوتها التالية؟






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي