تتفاقم هذه الأيام مأساة إنسانية لتهجير أكثر من مليوني فلسطيني من سكان غزة، غالبيتهم يلجأون للمرة الثانية بعدما هُجّروا من ديارهم بعد نكبة 1948.
إسرائيل تقصف بلا هوادة وتوزع المناشير من الجو على المنكوبين بالنزوح جنوباً نحو رفح حيث الحدود المصرية، ومصر ثابتة على موقفها بعدم السماح بالتهجير القسري للفلسطينيين من أرضهم ليس لعدم ترحابها بهم، ففي مصر يعيش ملايين من 50 جنسية بين مهاجر ووافد ولاجئ ونازح لكن لرفضها سياسة تهجيرهم بالقوة والقتل والدمار.
البشر يعيشون في العراء كما نشاهد على شاشات التلفزيون، ويتفرج العالم معنا على كارثة النزوح جنوباً بمشهد يمكن اختصاره بالتالي، الطيران فوقكم والبحر على شمالكم والدبابات خلفكم وعلى يمينكم، ومصر لن تقبل تهجيركم واستقبالكم لأن هذا هو المخطط الإسرائيلي الشرير الذي ترفض مصر الوقوع في شراكه والمشاركة فيه.
في العراق، أكثر من مليون و200 ألف لاجئ داخلي بالبلاد، و3 ملايين بحاجة إلى الحماية والرعاية والمساعدة الملحة بسبب نزوحهم في بلد ينتج حوالى 4.23 مليون برميل يومياً.
وتشير التقديرات عام 2022 إلى أن عدد اللاجئين الإيرانيين في العالم بلغ 3 ملايين ونصف مليون لاجئ ومهاجر.
أما أفغانستان، فقد هجرها 8 ملايين وربع المليون موزعين على أكثر من 100 دولة.
في ليبيا غادر أكثر من 800 ألف من سكانها هرباً من القمع والحروب وبحثاً عن حياة آمنة ورزق كريم، وهذا العدد يشكل حوالى سدس عدد سكان البلاد البالغ 6 ملايين ونصف تقريباً.
وتفيد المصادر بأن 4 ملايين ونصف المليون سوداني نزحوا داخل البلاد منذ اندلاع القتال في أبريل (نيسان) الماضي بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، كما تذكر أن مليوني و100 ألف سوداني هجروا السودان بحثاً عن الحياة وهرباً من الموت الزؤام.
وفي لبنان اليوم، تتفاوت الأرقام بين النزوح الداخلي والهجرة إلى الخارج، ولعل اللبنانيين من أكثر شعوب الدول العربية والإسلامية نزوحاً وهجرة حول العالم.
أما "أم اللجوء" والنزوح فهي سوريا المنكوبة، حيث تقدم أكثر من 5 ملايين ونصف المليون للهجرة خارج بلادهم منذ 2011، ونزح داخلياً 6 ملايين و700 ألف، وهي مأساة نزوح لم تحدث تاريخياً بالنسبة والتناسب.
هذه بعض الأرقام لبعض النماذج، لغيض من فيض من مآسي النزوح والهجرة والهروب من القتل والدمار، معظم هذه الأرقام تأتي بالعالم القديم من قارتي آسيا وأفريقيا، ولعل الكلام عن مآسي شعوب أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي تحتاج إلى مقالة أخرى.
ومعظم هذه الأمثلة من دول عربية وإسلامية، مع الأسف الشديد، ومعظم هذه المآسي تسببنا بها أو كنا طرفاً أساساً في تفاقمها وصناعتها.
حين وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1946، كان في أوروبا وحدها 50 مليون لاجئ ونازح ومهجر، فوضعت "اتفاقية فيينا" للجوء عام 1951 للتعامل واستيعاب تلك الأعداد المهولة.
استهدفت "معاهدة فيينا" ضحايا لجوء الحرب الأوروبيين، أما اليوم وبعد أكثر من 70 عاماً من تلك المعاهدة، فإن "الماء زاد على الطحين"، كما يقول المثل الشعبي. فلا أوروبا ولا الغرب عموماً قادريَن على استيعاب اللاجئين من الأجزاء المنكوبة من العالم، ولا هما غيرا من سياساتهما الدولية للإسهام الإيجابي باستقرار وتنمية تلك البلدان كي تحتضن شعوبها وتبقيهم فيها، ولعل أكبر دليل هو عدم اكتراثهما بل إسهامهما المباشر في خلق مآسي النزوح والهجرة واللجوء والهروب من الموت، وتقدم غزة اليوم خير شاهد على ما نقول.
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-