خيارات ما بعد حرب غزة
2023-11-04
جيفري كمب
جيفري كمب

يُعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وسوريا ومصر في 6 أكتوبر 1973 وهجومُ حركة «حماس» على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 أسوأ إخفاقين استخباراتيين في تاريخ إسرائيل. وفي أعقاب حرب 1973، استقالت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير ووزيرها في الدفاع موشيه ديان إلى جانب عدد من كبار أعضاء «جيش الدفاع الإسرائيلي». وأشارت لجنة أنشئت للتحقيق في أسباب هذا الفشل بأصبع الاتهام إلى «عقلية القطيع» داخل مؤسسة الأمن القومي التي اعتقدت أن مصر لا يمكن أن تقدم على شنّ هجوم واسع النطاق إلا بعد أن تصبح دفاعاتها الجوية أكثر قوةً. كما أشارت التحقيقات الإضافية إلى اعتقادٍ كان سائداً داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية مفاده أنها قادرة على إحباط أي هجوم من قبل مصر وسوريا بسرعة. وعلى الرغم من أن القوات الإسرائيلية تمكّنت في الأخير من صدّ الهجمات على مرتفعات الجولان وسيناء وشكّلت تهديداً مباشرا لدمشق والقاهرة، فإن صدمة الإخفاقات المبكرة ظلّت تطارد المؤسسة الأمنية العسكرية الإسرائيلية لسنوات عديدة.

وحينما تنتهي الحرب الحالية مع «حماس»، سيتم إنشاء لجنة تحقيق أخرى في الغالب. ومن المحتمل جداً أن يضطر رئيس الوزراء نتنياهو، والعديد من قادة أجهزة الاستخبارات، إلى الاستقالة. وستُحرر العديدُ من التقارير حول كيف أمكن وقوع هذا الحدث الكارثي. لكن ما نعرفه الآن بالفعل هو أنه على غرار ما حدث في عام 1973، فإن الثقة المفرطة في تفوق التكنولوجيا الإسرائيلية والاعتقاد بأن «حماس» لا تريد الحرب نظراً لعلاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، كانا من أسباب هذا الإخفاق.

وبغض النظر عن الأخطاء التكتيكية التي ارتكبتها إسرائيل، فإن الخطأ الجيوسياسي الأبرز هو الافتراض بأن العلاقات مع العالم العربي ستستمر في التحسن، وأن ذلك سيَحدث بسبب المخاوف المتبادلة من القوة الإيرانية وآفاق علاقات اقتصادية وتكنولوجية قوية. كما اعتقدت القيادةُ السياسية الإسرائيلية أنه بالإمكان خفض المشكلة الفلسطينية إلى مستوى أدنى على سلّم الأهمية كمصدر تهديد، وذلك بسبب الصراعات الفلسطينية الداخلية وغياب الضغط من الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى على إسرائيل من أجل استئناف عملية السلام، سعياً لتحقيق «حل الدولتين».

وفي هذه المرحلة من حرب غزة، تظل التكهنات بشأن المستقبل مفتوحةً، لاسيما في حال اتّسعت رقعة الحرب مع ما ينطوي عليه ذلك من احتمال قوي لتدخل الجيش الأميركي. ولو حدث ذلك، فإنه قد يُدخل الولايات المتحدة وإيران في صراع مباشر له عواقب بعيدة المدى بالنسبة لتوازن القوى الإقليمي والاقتصاد الدولي. أما إذا أمكن احتواء الحرب، فإن الأولوية ستكون تقديم الإغاثة الإنسانية لغزة وتحديد من يحكمها في الأخير. على أنه من الممكن ظهور توجه جديد جذري لحل الأزمة الفلسطينية، في ضوء صدمات الأسابيع الثلاثة الماضية.

وقف إطلاق النار الذي أنهى حرب 1973 تلته في 1974 و1975 «الدبلوماسيةُ المكوكية» التي اضطلع بها وزيرُ الخارجية الأميركي هنري كيسنجر بين دمشق والقاهرة وتل آبيب، والتي أسفرت عن اتفاقات فكّ الاشتباك بين سوريا ومصر وإسرائيل، وهو ما مهّد الطريقَ لزيارة الرئيس أنور السادات التاريخية إلى إسرائيل في عام 1977، ثم إبرام اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1978 والتي أفضت إلى معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل.

ولا شك في أن الوضع في الشرق الأوسط اليوم مختلفٌ، غير أن إحدى النتائج الممكنة قد تكون توسيعَ الاتفاقيات الإبراهيمية لتشمل إقامة علاقات دبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. لكن لكي يحدث هذا، سيتعين على إسرائيل أن توافق على تسوية نهائية مع حكومة فلسطينية جديدة تعترف رسمياً بوضع إسرائيل القانوني كدولة في الشرق الأوسط. غير أن المشكلة هي أنه مهما بدت هذه النتيجة إيجابية، فإن القوى المتطرفة في المنطقة ستقاوم مثل هذه الجهود إذا لم يتم إقناعها بأن بقاءَها ومصالحها على المدى الطويل ستستفيد من منطقة أقل عنفاً، وتواجه تحديات وجودية جرّاء الاحتباس الحراري أكثر منه جرّاء الصراعات العرقية والدينية التاريخية.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – الاتحاد-



مقالات أخرى للكاتب

  • مايك جونسون.. بطل أم «دمية بيد الديمقراطيين»؟!
  • «الانعزاليون الجدد» في الحزب الجمهوري
  • القوة الأميركية بعد «عاصفة الصحراء»






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي