القوة الأميركية بعد «عاصفة الصحراء»
2024-03-09
جيفري كمب
جيفري كمب

تجلّت ذروة القوة الأميركية في الشرق الأوسط في عام 1991 مع الطرد الناجح للقوات العراقية وإنهاء احتلالها للكويت في ذلك الوقت. فقد تمكّن الرئيس جورج إتش دبليو بوش من تشكيل تحالف استثنائي من البلدان لتحدي العدوان السافر الذي قام به صدام حسين. وضم هذا التحالف البلدان العربية المحورية، إلى جانب حلفاء رئيسيين في «الناتو» وقوى آسيوية، وخاصة اليابان التي ساهمت في تكاليف عملية «عاصفة الصحراء». ولعل التطور اللافت هنا كان سلوك الاتحاد السوفييتي تحت قيادة ميخائيل غورباتشيف، إذ قدم الدعم في مجلس الأمن الدولي للعملية التي قادتها الولايات المتحدة من خلال تصويته لمصلحة الخطط الأميركية الرامية لتحرير الكويت. حينئذ كان الاتحاد السوفييتي نفسه يتخبط في حالة فوضى تامة بعد أن فقد سيطرتَه على الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية عقب سقوط جدار برلين في عام 1989. وبحلول نهاية 1991، لم يعد الاتحاد السوفييتي موجوداً، وبدا أن الحرب الباردة وضعت أوزارَها.

وعقب هزيمة العراق، أعلن بوش عن «نظام عالمي جديد» يتضمن جهوداً تهدف إلى احتواء سباق التسلح المفتوح في الشرق الأوسط. وفي نوفمبر 1991، عُقد مؤتمر في مدريد برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بهدف إطلاق عملية سلام إسرائيلية فلسطينية. ومن النتائج التي أسفرت عنها تلك الجهود «اتفاق أوسلو» الذي أطلق اجتماعات مباشرة بين المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكانت اللحظة الأبرز في تلك العملية هي المصافحة التاريخية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في حديقة البيت الأبيض في 13 سبتمبر 1993. غير أنه خلال التسعينيات، باءت الجهود الرامية إلى ترسيخ عملية السلام بالفشل، واستمر العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى أن بلغ ذروته مع الأزمة الحالية في قطاع غزة.

اليوم لم تعد الولايات المتحدة قادرة على قيادة تحالف وفرض إرادتها على القوى الإقليمية، بما في ذلك حليفتها إسرائيل. وإذا كان الاتحاد السوفييتي قد تفكك، فإن روسيا تحت قيادة الرئيس بوتين أعادت تأكيد وجودها في الشرق الأوسط ولعبت دوراً عسكرياً حاسماً في سوريا. وفي الأثناء، ازدادت إيران قوةً ونفوذاً، وبات لها وكلاء في لبنان والعراق واليمن يشكّلون تهديداً للقوات الأميركية في المنطقة. وفي غضون ذلك، أصبحت الصين والهند أكثر انخراطاً في الاقتصاد والسياسة الإقليميين مما كانا عليه في الماضي.

غير أنه حتى الآن لم تظهر أي قوة أخرى لتحل محل الولايات المتحدة وتلعب الدور المهيمن الذي كانت تلعبه في التسعينيات، إذ ما زالت الولايات المتحدة تتمتع بقدرات عسكرية لا نظير لها، ومن ذلك نطاق الامتداد اللوجستي العالمي الذي لدى الولايات المتحدة وقدرتها على نشر وإرسال القوات والإمدادات إلى كل أنحاء العالم تقريباً بواسطة أساطيلها من الطائرات والسفن. وقد تتمكن الصين مستقبلاً من اكتساب بعض هذه القدرات، لكن ليس في المستقبل القريب.

غير أن الهيمنة اللوجستية لا تساعد الولايات المتحدة على إدارة سياستها في غزة، والتي بات يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها غير ناجحة. ومع تدهور الأوضاع في غزة أكثر في حال لم تُبذل جهودٌ إغاثية ضخمة قريباً، سيصبح حدوث أزمة إنسانية كبيرة جداً أمرا لا مفر منه. ولئن كان يتعين على الولايات المتحدة أن تلعب دوراً رئيساً في جلب الإمدادات الغذائية والطبية إلى غزة، فإنه لا توجد حتى الآن خطة مقبولة بشأن ما يجب القيام به في ما يتعلق بتعافي القطاع وحكمه على المدى الطويل.

غير أن عجز الولايات المتحدة وحكومة نتنياهو عن الاتفاق على تفاصيل المرحلة التالية بات يُنظر إليه على نحو متزايد باعتباره ضعفاً أميركياً، قد يؤدي إلى تقويض خطط إعادة انتخاب الرئيس بايدن الذي يسعى لتقديم نفسه باعتباره زعيماً عالمياً ناجحاً ومؤثّراً. وفي الأثناء، يلوذ دونالد ترامب بالصمت على نحو لافت بشأن الوضع في غزة لسبب وجيه، والحق أن لا أحد يتوقع أن تكون لدى رئاسة جديدة لترامب خطط مقبولة لحل هذه الأزمة التي يبدو ألا نهاية لها، والتي طاردت كل رئيس أميركي على مدى العقود السبعة الماضية.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-الاتحاد-



مقالات أخرى للكاتب

  • مايك جونسون.. بطل أم «دمية بيد الديمقراطيين»؟!
  • «الانعزاليون الجدد» في الحزب الجمهوري
  • نهر نهاية العالَم الجليدي






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي