ديرة بطيخ وجمهورية موز  
2023-08-25
سعد العجمي
سعد العجمي

 

غريبة هي علاقتنا بالمنتجات الزراعية وبعالم الحيوان. نحاول بلغتنا البشرية التقريب والتشبيه للوصف والاختزال والاختصار. فيشيع القول "ديرة بطيخ" في الكويت والخليج والعراق، وهو قول يقال كناية عن الفوضى وانعدام النظام. ولا أريد الخوض في أصله فقد يثير بعض الحساسية، ولكن لماذا البطيخ؟ ألأنه خفيف ورخيص وينمو بكثرة في فترة الصيف؟ وهل هي ديرة بطيخ موسمية بالصيف فقط وليس ببقية فصول العام؟ فلم لا يكون الكراث أو الفجل أو "الرويد" التي تنمو طيلة السنة وتكون أرخص سعراً من البطيخ؟ لماذا لا نقول "ديرة فجل" أو ديرة كراث ورويد مثلاً؟ ومن الشائع تشبيه الأوضاع السياسية الفوضوية بالخضراوات، فيقال، "الوضع سلطة"، وفي العراق يلفظونها "زلاطا".

والمقصود بالبطيخ في قول "ديرة بطيخ" هنا ما يسميه المصريون "البطيخ الصيفي" أي الأخضر القشر والأحمر من الداخل، وهو ما نسميه "الرقي" في الكويت وبعض مناطق الخليج والعراق. أما البطيخ بلهجة معظم أهل الخليج، فهو الأبيض الذي يسمى "الشمام" في بلاد الشام. واستخدام البطيخ للتقليل من شأن النظام والعدالة في بلد ما يقابله مصطلح "جمهوريات الموز"، وهي ترجمة من الإنجليزية BANANA REPUBLICS  ولعل الإنجليزية أخذت كلمة "بنانا" من العربية التي تصف عذق الموز بالبَنان، أي الأصابع التي تتدلى من الكف، وأخذنا الموز من اللغة الهندية، مثلما أخذنا الأرقام الهندية (۰ - ۱ - ۲ - ۳ - ٤ - ٥ - ٦ - ٧ - ۸ - ۹) وأخذ الغرب ومعظم دول العالم الأرقام العربية المناسبة للوغاريتمات (1,2,3,4,5,6,7,8,9,0)

وسميت "جمهوريات الموز" بذلك لاعتمادها على سلعة واحدة في اقتصاداتها، وبالتالي هي تحت رحمة الشركات العالمية الكبرى لتسويق هذه السلعة والتحكم بأسعارها، ويجمع معظم الاقتصاديين على أن كوستاريكا ونيجيريا وهندوراس ونيكاراغوا وغواتيمالا هي من جمهوريات الموز، ويمكن إضافة بعض دولنا الخليجية إلى جمهوريات الموز التي يعتمد اقتصادها على النفط بشكل شبه حصري ومن ثم يمكن تسميتها "ديرة بطيخ وجمهورية موز" في آن واحد، فوضى واقتصاد يقفان على رجل واحدة، أي إنها جمعت المجد من أطرافه، أو ربما جمعت الفشل من أطرافه.

ويتعامل معظمنا مع عالم الحيوان بفوقية، بل إن بعضنا قد يُلحق ذكر كلمة "الحيوان" بـ "تكرم"، أو مكرّم السامع، أو أجلّك الله!، إلا أننا نجمع تقريباً على ضرورة إكرام السامع حين نذكر الكلب أو الحمار تحديداً فنقول، "يكرم السامع". وعلى رغم أن الكلب صديق الإنسان ويضرب به المثل بالوفاء، والحمار رمز للتحمل والصبر والمثابرة إلا أننا نعتذر إلى المستمع حين ذكرهما! ومن يدري فلعل الكلاب والحمير تسمع كلامنا وتفهمه وتستغرب من اعتذرانا حين نذكر اسم من يرتبط بالوفاء والصبر والعمل المثابر؟ أما بقية الحيوانات فلا يلتزم الذوق العام الاعتذار بعد ذكرها! مثل ذكر الثور على سبيل المثال، مما قد يُفسّر بأن ثقافتنا لا تكترث لـ"الثُّوارة" ولكنها تتأفف من الوفاء والمثابرة!

 ويستخدم الإنسان التشبيه بالحيوان في سياقات مختلفة، فالفتاة الجميلة كالغزال، وهي الدجاجة أو "الفرخة" الصغيرة باللغة الإنجليزية البريطانية والأميركية CHICK لكنها العصفور فقط بالإنجليزية الأستراليةBIRD . وكان البدو يصفون المرأة الجميلة بالناقة الصغيرة، فيقولون "مزيونه، كأنها بكرة"، بل سموا بعض المواليد الإناث بألوان النوق المختلفة، وضحا وشقحا وغيرها.

 ولا أدري إن كان هناك عاشق في عالمنا الرقمي اليوم يمكن أن يمتدح معشوقته فيقول لها "أنت يا حبيبتي مثل الناقة الصغيرة". والمفارقة أن المرأة القبيحة بالإنجليزية يمكن أن توصف بالحصان، ولعلها متوافقة مع المفهوم الثقافي العربي الحديث في ذلك. لكن وصف المرأة في ثقافتنا بالمهرة، أي الفرس الصغيرة، ما زال مقبولاً كتشبيه لجمالها ورشاقتها. لكن لم يكن شائعاً أن يوصف جمال المرأة بالفرس، على رغم أن الفنان الإماراتي حسين الجسمي غنى أغنية اشتهرت مطلعها "فرس فرس" في وصف جمال محبوبته.

اختيار الخضراوات والفواكه لتشبيه أوضاع سياسية مسألة تحتاج إلى دراسات موسعة تبحث في أصل هذه الخيارات وأسبابها، أما توصيف الحالات السياسية الراهنة بالحيوانات، فهي مسألة "يكرم القارئ" عنها!

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • نحن والانتخابات الهندية
  • رفح ورفحاء
  • الرحيل أمتارا!






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي