حكومة الكويت الجديدة بين رؤى المستقبل وذيول الماضي  
2023-06-25
سعد العجمي
سعد العجمي

 

 قبل أيام شكل الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح حكومته الخامسة خلال عامين من تكليفه رئاسة الوزراء في الكويت، وجاء هذا التشكيل بعد انتخابات برلمانية جرت في السادس من يونيو (حزيران) الجاري وحققت خلالها "المعارضة" الكويتية نجاحاً باهراً على مستوى نسبة الفائزين بمقاعد مجلس الأمة وكذلك عددهم.

توضع كلمة "المعارضة" بين قوسين لأنها لا تصدق عليها المعايير المعروفة في الديمقراطيات التقليدية، إذ تهيمن على سوادها الأعظم القبلية والطائفية والفئوية، وكذلك الدوافع المصلحية بل حتى "شخصانية" أحياناً في وقت تتوافق مع الحكومة الحالية، حتى إن رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون تماهى في تصريحاته مع خطاب التهدئة الحكومية بعدما زكاه البرلمان الحالي رئيساً من دون منافس.

تركيبة برلمانية

التركيبة البرلمانية الحالية تغلب عليها القوى الدينية الممثلة بنحو 20 نائباً من الإخوان والسلف والشيعة السياسية من بين 50 مقعداً، إضافة إلى 20 آخرين هم خليط من القوى الدينية والقبلية، استخدم معظمهم شعارات دينية "بفزعة" قبلية للوصول إلى البرلمان، فيما تمثل المقاعد الـ10 المتبقية خليطاً من شخصيات إما أنها وسطية الطرح أو عديمة اللون والطعم السياسي، في وقت غاب تماماً عن المجلس الحالي أي عضو أعلن مدنيته أو ليبراليته ووضوحه في تصوراته للدولة الحديثة.

 ولم يكن للمرأة التي شاركت في الانتخابات أكثر من الرجال إلا مقعداً واحداً تبوأته النائبة التكنوقراطية جنان بوشهري التي توصف بالحياد السياسي في معظم مواقفها، ولعل الغياب النسائي عن البرلمان الكويتي بعد إقرار حقها الانتخابي بنحو 20 عاماً مسألة تستدعي التوقف عندها ودراستها.

انقسام شعبي

 ينقسم الشارع الكويتي وتعيش "الديوانيات" الكويتية حالاً نفسية ثنائية، فمن يتفاءل بنتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة يبشر بعهد جديد من الإصلاح ومحاربة الفساد واستعادة الكويت لدورها الريادي الإقليمي، بينما يردد المتشائم المثل الشعبي "هذا سيفوه، وهذي خلاجينه".

يرى المتفائلون أن توافق البرلمان والحكومة سينتج منه تعاون تشريعي طال انتظاره لتعديل قوانين تتعلق بالفساد والحريات والدوائر الانتخابية، وكذلك المحكمة الدستورية وتحسين الأوضاع الاقتصادية وضبط التضخم وارتفاع الأسعار، إضافة إلى التركيز على التعليم النوعي ومحاربة المخدرات وتحسين الخدمات العامة وحق اللجوء إلى القضاء حال نزع الجنسية وحل مشكلة البدون وتعديل التركيبة السكانية بما في ذلك الكشف عن تزوير الجنسية، وهي قوانين ملحة لم تر النور منذ عشرات السنين.

ويتساءل المتشائمون كيف لهذه القوانين أن تتحقق خلال أشهر أو أسابيع قليلة من قبل برلمان يسكنه نواب قد يقلبون الطاولة لإشغال الرأي العام بقضايا هامشية كالسحر والظواهر السلبية التي لم تقبل المحكمة الدستورية قوانينها لغموضها وعدم وضوحها؟ وفي الوقت نفسه يفتقد معظم أعضاء مجلس الأمة إلى الخبرة السياسية التي تؤهلهم للقيام بالدور التشريعي المطلوب.

وهنا ينبري المتفائلون بالإشارة إلى وجود العائد الجديد في الوزارة الشيخ أحمد فهد الأحمد الصباح كنائب لرئيس الوزراء ووزير للدفاع مشيدين بشعبيته المحلية والإقليمية وقدرته على المناورة السياسية بدهاء وحنكة وحدسه السياسي بمعرفته بالأولويات التي يتطلع الكويتيون إليها، لكن المتشائمين يشيرون إلى تجربته السابقة ووقوعه في أخطاء كادت تفقده أمل العودة للواجهة السياسية من جديد.

لكن المتشائمين يشيرون لتجربته السابقة بالوزارة وينتقدون تهوره السابق وليس حكمته وحنكته، ووقوعه بأخطاء كادت تفقده الأمل بالعودة للواجهة السياسية من جديد، وعدم ثقتهم بأنه تعلم من أخطاء الماضي، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك باتهامه بتبذير أموال خطة التنمية بالمليارات من دون نتائج.

عودة الفهد

ويشير المدافعون إلى أن الشيخ أحمد تعلم كثيراً من تجارب الماضي والدليل عودته القوية لبرلمان يتمتع بعلاقات متينة مع معظم أعضائه بمن فيهم الرئيس ونائبه، وبالنسبة إلى اتهامه بالفساد فهم يستشهدون بمن كان خصماً سياسياً له وهو النائب السابق صالح الملا الذي برأه من التعدي على المال العام الذي رصد لخطة التنمية بتغريدة قال فيها "أحمد الفهد لم يستلمها كانت بعهدة الحكومة، ولا يساءل عنها بوفهد، وهي أصلاً لم تصرف!" وأضاف "شخصياً صوّت وقتها ضد خطة التنمية والموازنة، لكن الظلم ظلمات".

 ثمة فئة تقول إن أحمد الفهد لا يستطيع أن يدير مشهداً معقداً لعلاقة البرلمان بالحكومة وهي التي تحمل كثيراً من التناقضات وعدم الوضوح في الرؤية والبرنامج، وأنه مهما كان المجلس "طيّعاً"، فإن الشعبوية تتطلب كثرة الظهور في المواقف، وهو ما سيسبب لرئيس الوزراء ونوابه صداعاً سياسياً، وسنرى الاستجوابات الاستعراضية التي ستتجاوز مشهد المساءلة لما هو أبعد من ذلك.

ترقب حذر

 المحايدون والمراقبون الحذرون ينتظرون ويرفضون الانحياز لفريق التفاؤل أو الانضمام إلى مروجي التشاؤم، ويبنون مواقفهم على تطورات محاربة الفساد وقدرة الفهد على فتح ملفات وزارة الدفاع التي أشهرها صندوق الجيش والـ"يوروفايتر" وتدمير المنطاد وشغر المناصب القيادية العسكرية بناء على معايير المهنية والأداء وليس بناء على الترضيات والمحسوبيات وشراء الولاءات.

وينتظر المتريثون من رئيس الوزراء قرارات حكومية جذرية بالإصلاح السياسي والإداري إن تمت بسرعة ووضوح وحزم، فإنها ستكون مؤشراً إلى تفاؤل المرحلة المقبلة، وإن بقيت تراوح في مكانها، فإن المحايد سينضم إلى فريق "هذا سيفوه".

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • نحن والانتخابات الهندية
  • رفح ورفحاء
  • الرحيل أمتارا!






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي