انعكاسات قرارات "أوبك" والسعودية على أسواق النفط العالمية
2023-06-08
أنس الحجي
أنس الحجي

الأمر الذي كان واضحاً قبل اجتماع "أوبك +" الأحد الماضي هو أن "أوبك" في مأزق، إذا خفضت الإنتاج بشكل كبير مشكلة، وإذا لم تخفضه مشكلة. لهذا كان التوقع في التقرير الذي نشرناه يوم الجمعة الماضي بالإنجليزية أن "أوبك+" لن تغير شيئاً، أو ستقوم بتغييرات بسيطة. وسبب ذلك أن "أوبك" نفسها توقعت في تقريرها الشهري انتعاشاً كبيراً على الطلب في النصف الثاني من العام، بخاصة في الربع الرابع، ويمكن الاستنتاج من الأرقام أن المخزونات ستنخفض بكميات تاريخية لم يسبق لها مثيل إذا لم تقم "أوبك" بزيادة الإنتاج في الربع الرابع. فإذا كان الطلب العالمي على النفط سيزيد، لماذا تقوم "أوبك+" بخفض الإنتاج فوق مستويات الخفض السابقة؟ من هذا المنطلق كان التوقع أنها لن تقوم بالخفض. إضافة إلى ذلك، فإن هناك بعض الدول الأعضاء التي ترفض القيام بأي تخفيضات إضافية.

وفي حال عدم حدوث ركود اقتصادي، هناك إجماع على زيادة الطلب العالمي على النفط في النصف الثاني من العام، بما في ذلك توقعات وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأميركية و"أوبك". كما أن هناك إجماعاً على زيادة الإنتاج من خارج دول "أوبك"، ولكن هذه الزيادة أقل من الزيادة في الطلب. فمن أين يأتي الفرق؟ هذه الفجوة تغطى إما بزيادة الإنتاج من دول "أوبك" أو من المخزون أو كليهما.

مسؤولو "أوبك" قالوا سابقاً إن التخفيضات ستتسمر حتى نهاية عام 2023، أمس قرروا تمديد التخفيضات حتى عام 2024. هذه القرارات هدفها الحفاظ على الاتفاق وإدارة المجموعة، ولكن سيقومون بزيادة الإنتاج إذا احتاج الأمر. بعبارة أخرى إذا زادوا الإنتاج في أي وقت بين الآن ونهاية 2024 فإن هذا لا يتناقض مع الاتفاق أو موقفهم الحالي، لأن الموقف الرسمي هو تغيير الإنتاج بحسب وضع السوق.

فإذا استمر الإنتاج كما هو مقرر حتى نهاية العام، فسيكون هناك فجوة تزيد على 300 مليون برميل خلال النصف الثاني من العام، وهذا يعني انخفاض المخزون بهذه الكمية. وبما أنها كمية ضخمة، ولم ينخفض المخزون بهذه الكميات تاريخياً، فإنه يتوقع ارتفاع الأسعار، وقيام "أوبك" بزيادة الإنتاج. وكما ذكرت سابقاً، فإن زيادة الإنتاج لا تتعارض مع تمديد قرار الخفض لنهاية عام 2024 لأن الهدف الرئيس منه إداري - احترازي.

إذاً هناك ضرورة لزيادة الإنتاج، ولكن من سيقوم بذلك؟ لن تكون "أوبك+" ولكن الدول التي قامت بتخفيضات طوعية، والدولة التي قامت بأكبر خفض ستقوم بأكبر زيادة. إذاً أول مستفيد من زيادة الأسعار وزيادة الطلب هي السعودية.

لماذا قامت السعودية بخفض طوعي بمقدار مليون برميل يومياً؟

أذكر رأيي هنا بصفتي مراقباً لما يحصل في الأسواق، ومن ثم فإنه يحتمل الخطأ، وقد يتعارض مع ما قيل رسمياً في ظاهره. عدم قيام "أوبك+" بأي خفض إضافي ثم قيام السعودية بشكل مستقل بإعلان خفض طوعي بمقدار مليون برميل يومياً لشهر يوليو (تموز) قابلة للتجديد بحسب وضع السوق، يدل على أن الهدف هو الأخذ بزمام المبادرة في السوق من المضاربين من جهة، والتحوط من جهة أخرى. ومن ثم فإن القرار لا علاقة له في ما إذا انخفض الطلب العالمي على النفط أم لا، ولا يعني تجاهل توقعات "أوبك" بزيادة الطلب العالمي على النفط بشكل كبير. ويدل على ذلك رفع "أرامكو" لأسعارها لكل أنحاء العالم يوم أمس الإثنين، على رغم أن التوقعات كانت أن تقوم أرامكو بالخفض. بعبارة أخرى، السوق يتطلب خفضاً، ولكنهم قاموا بالرفع، هذا يدل على أن ما حصل هو محاولة لإدارة السوق وأخذ دفة القيادة من المضاربين. ويدل على ذلك أيضاً أن الخفض لمدة شهر، بعده تقرر السعودية ماذا ستفعل في الشهر الذي يليه وهكذا. بعبارة أخرى، هناك سيف مسلط على رقاب المضاربين طوال الوقت.

التوقعات

تمديد اتفاق الخفض الذي أقر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حتى نهاية 2024، وتمديد الدول التي اختارت الخفض الطوعي، تمديد ذلك أيضاً مع زيادة الطلب على النفط وعدم وجود ركود اقتصادي سيرفع أسعار النفط. إلا أن الصين ستقوم باستخدام مخزونها التجاري والاستراتيجي لمنع الأسعار من الارتفاع، وبهذا فإن أرضية الأسعار ستحددها السعودية، بينما ستحدد الصين سقف الأسعار، الأمر الذي يوحي أن الأسعار ستتأرجح ضمن نطاق معين، ولكنه أعلى من المستويات الحالية. وإذا ما أرادت السعودية ودول "أوبك" الأخرى أسعاراً أعلى ويمكن تحقيقها، فعليها أن تتفاوض مع الصين التي أصبحت مشاركة في إدارة أسواق النفط على كل الحالات، كونها أكبر مستورد ولديها أكبر مخزون وأكبر طاقة تكريرية في العالم.

والنتيجة الحتمية لارتفاع الأسعار هي عدم قدرة إدارة بايدن على ملء المخزون الاستراتيجي قبل الانتخابات المقبلة، الأمر الذي قد يجعل البنزين وأسعار النفط يدخلان المعركة الانتخابية.

وفي حال حصول ركود اقتصادي فإن على دول "أوبك" الإسراع بإجراء خفض كبير وسريع إذا أرادت منع إدارة بايدن من ملء المخزون، بخاصة أن السحب من المخزون قبل الانتخابات أصبح أمراً مؤكداً لخفض أسعار البنزين.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-أندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • النفط بين بايدن وإيران!
  • إيران وأسواق النفط
  • زيادة واردات النفط في آسيا وأوروبا... هل ترفع أسعاره فوق 90 دولارا؟





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي