الحرب الأوكرانيّة فشل روسي… وأميركي أيضا
2022-03-24
خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

بعد شهر كامل على الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وهو اجتياح تبيّن أنّه ليس نزهة، بات في الإمكان القول إنّ رجلا واحدا اسمه فلاديمير بوتين غيّر العالم وقضى على كلّ الانفراجات التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي وأحزابه الشيوعيّة المنتشرة في كلّ أنحاء الكرة الأرضيّة، خصوصا في دول أوروبا الشرقيّة.

استعادت شعوب هذه الدول الأوروبيّة حرّيتها التي حرمتها منها نتائج الحرب العالميّة الثانيّة واتفاق يالطا. قسّم الاتفاق أوروبا إلى منطقتي نفوذ إحداهما غربيّة وأخرى تابعة للاتحاد السوفياتي. لم تكن الأيديولوجيّة التي تحكّمت بالاتحاد السوفياتي وبالدول التي وقعت تحت سيطرته، بعد العام 1945، تقلّ سوءا عن الأيديولوجيّة النازيّة التي يدّعي بوتين أنّه يتصدّى لها في أوكرانيا… في حين تبدو كل ممارساته مستوحاة منها.

لم يتردّد بوتين وكبار مساعديه في وصف الأوكرانيين بـ”النازيين الجدّد” متذرّعين بأنّ هناك جرائم ارتكبت في حق سكان مناطق أوكرانيّة معيّنة يتمسّكون بلغتهم الروسيّة. ركّز هؤلاء على أن الحملة العسكريّة التي يشنّها الجيش الروسي، بحجة منع تمدّد حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى أوكرانيا، تستهدف إزالة الفكر النازي الذي يتحكّم بالقيادة السياسيّة في أوكرانيا. يرفض بوتين والمحيطون به أخذ علم بأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يهودي… في بلد أكثريّة شعبه أرثوذكسية، كما عليه الحال في روسيا.

أدّت الحملة العسكريّة التي يشنّها بوتين على أوكرانيا إلى جعل أوروبا كلّها تعيد النظر في حساباتها وفي موقفها من روسيا. تنبهت أوروبا أخيرا إلى ضرورة أن تكون لديها سياسة دفاعيّة مشتركة. الأهمّ من ذلك كلّه، أن أوروبا بدأت تفكّر في كيفية التخلّص من اعتمادها على الغاز الروسي. باتت كلّ دولة أوروبيّة، بما في ذلك الدول البعيدة عن روسيا، تشعر بأنها مهددة. تذكّرت كل دولة العبارة المشهورة التي قالها ونستون تشرشل لرئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين بعد عودته من ألمانيا وتوصله إلى نوع من المهادنة مع هتلر في تشرين الأوّل – أكتوبر من العام 1938. وقتذاك، وقّع تشامبرلين مع هتلر اتفاقا في ميونيخ يستهدف تهدئة المستشار الألماني بعد استيلاء ألمانيا على منطقة في تشيكوسلوفاكيا. قال تشرشل موجّها كلامه إلى رئيس الوزراء في جلسة لمجلس العموم: “كان أمامك خيار بين الحرب والذلّ. اخترت الذل. ستأتيك الحرب”. اندلعت الحرب بالفعل في العام 1939 ولجأت بريطانيا إلى تشرشل ليحلّ مكان تشامبرلين في موقع رئيس الوزراء.

استطاع فلاديمير بوتين تغيير أوروبا كلّيا. بات على كلّ دولة أوروبيّة، بما في ذلك السويد، التفكير في كيفية مواجهة خطر روسي محتمل وما إذا كان عليها الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. ألمانيا نفسها تغيّرت. خصصت مئة مليار يورو لتعزيز قدرات قواتها المسلّحة في السنوات المقبلة.

لم تكشف حرب أوكرانيا فلاديمير بوتين فقط. كشفت أيضا ترهّل الجيش الروسي الذي يبدو أنّ عليه اللجوء إلى أسلحة دمار أكثر تطورا من أجل القضاء على مقاومة الشعب الأوكراني وعلى المدن الأوكرانيّة

ما اكتشفته أوروبا، في ضوء الحرب الأوكرانيّة، أنّ ليس في استطاعتها الاعتماد على الولايات المتحدة التي فشلت الإدارات المتلاحقة فيها في التعاطي مع مشاكل العالم منذ سقوط جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989. إذا وضعنا جانبا إدارة جورج بوش الأب كانت تعرف العالم، بدليل اكتفائها بتحرير الكويت من الاحتلال العراقي في شباط – فبراير 1991 وتوقف الجيش الأميركي عن ملاحقة الجيش العراقي داخل الأراضي العراقيّة، نجد أن الولايات المتحدة تحوّلت إلى قوّة عظمى يحكمها هواة. لا وجود في داخل أيّ إدارة لخبراء بما يدور في هذا العالم على غرار ما كان عليه الأمر في عهد بوش الأب الذي كان وزير خارجيته جيمس بيكر فيما مستشار الأمن القومي رجل حكيم في مستوى برنت سكوكروفت.

على الرغم من مجيء الرئيس جو بايدن إلى أوروبا، ليس في القارة العجوز من هو مطمئنّ إلى إدارة لم تدرك منذ البداية أنّ فلاديمير بوتين رجل متهوّر وخطير على العالم، رجل يمكن أن يقدم على مغامرة في حجم المغامرة الأوكرانيّة والتهديد باللجوء إلى السلاح النووي!

لم تكشف حرب أوكرانيا فلاديمير بوتين فقط. كشفت أيضا ترهّل الجيش الروسي الذي يبدو أنّ عليه اللجوء
إلى أسلحة دمار أكثر تطورا من أجل القضاء على مقاومة الشعب الأوكراني وعلى المدن الأوكرانيّة.

تفرض الحرب الأوكرانيّة على أوروبا إعادة النظر في نظرتها إلى الدور الأميركي في العالم، وهو دور تجاهل معنى سحق فلاديمير بوتين للشيشانيين (تدمير مدينة غروزني عن بكرة أبيها) ثم استعادته بالقوة شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في 2014 وتدخله مباشرة في الحرب التي يشنها بشّار الأسد، بدعم إيراني، على الشعب السوري ابتداء من أيلول – سبتمبر 2015. تدخّل سلاح الجو الروسي لقصف المدنيين السوريين والمستشفيات والمدارس من أجل إنقاذ نظام أقلّوي ذي طبيعة قمعيّة أراد السوريون التخلّص منه. تصرّف السوريون تماما كما فعلت شعوب دول أوروبا الشرقيّة في الماضي. حدث ذلك في هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا حيث كانت الدبابات السوفياتية بالمرصاد لأيّ تحرّك شعبي يستهدف الخروج من نير الاستعمار السوفياتي.

ليست أوروبا وحدها التي تعيد النظر في حساباتها في ضوء ما كشفته الحرب الأوكرانيّة. بات على كلّ دولة عربيّة إعادة النظر في علاقتها بالولايات المتحدة وما إذا كان في الإمكان الاتكال عليها كحليف تاريخي. يعود ذلك إلى سببين أولّهما غياب أيّ رغبة أميركيّة في فهم خصوصيات الحلفاء وثانيهما العجز عن استيعاب أبعاد المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة. إنّه مشروع يهدّد كلّ شعب من شعوب المنطقة بدليل ما فعله بلبنان وسوريا والعراق… واليمن.

يبقى أنّ هذه الحرب كشفت قبل كلّ شيء مدى العجز الأميركي عن فهم العالم وأهمّية منطقة الخليج وما فيها من ثروات. كذلك، لم تفهم أميركا معنى الوجود الصيني في العالم وأنّ المناداة بالتصدي لـ”الخطر الصيني” شيء والعمل من أجل احتواء الصين شيء آخر. من فشل في مواجهة فلاديمير بوتين لا يمكن الاتكال عليه في أيّ مواجهة مع روسيا والصين… أو مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران ومشروعها التوسّعي.

الحرب الأوكرانيّة فشل روسي… وفشل أميركي أيضا!


*إعلامي لبناني - العرب
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • هدنة بطعم الهزيمة لإسرائيل…
  • إيران... المنتصر في حرب غزّة
  • قبلة تصنع فارقا في اليمن!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي