أي مستقبل لـ«السوشيال ميديا»؟
2022-02-16
ياسر عبد العزيز
ياسر عبد العزيز

لم تتوقف «وسائل التواصل الاجتماعي» يوماً عن الصعود والتمكن والازدهار منذ انبلج عهدها، فهي لا تفوت الفرص عندما يتعلق الأمر بتعزيز نموها وتعميق هيمنتها حتى في أصعب الأوقات، ومع ذلك، فإن التنبؤ بمستقبلها يظل عملاً صعباً وخاضعاً للعديد من الاحتمالات المتباينة والمتعارضة.

وعلى عكس غيرها من أطر الاتصال، فإن محاولة استشراف مستقبلها تبدو شديدة التعقيد بسبب تعادل فرص سيناريوهاتها المستقبلية المتعارضة، وفي هذا الصدد يمكن طرح ثلاثة أزواج من السيناريوهات المستقبلية المتقابلة بخصوصها، من دون توافر القدرة على ترجيح اتجاه محدد بينها.

يمكن القول إن السيناريو المزدوج الأول لمستقبل هذه الوسائط على المديين القصير والمتوسط يتعلق بـ«التعملق والتركز مقابل التفتت»؛ بما يعني توازن الفرص المتاحة أمامها لتحقيق المزيد من النمو والتضخم في إطار تركز ملكيتها وتصاعد تأثيرها، أو اضطرارها إلى التجاوب مع الضغوط المتصاعدة ضدها بشأن وضعها الاحتكاري من قبل الكثير من الحكومات والأطراف ذات الصلة بعملها.

وعلى الأرجح، فإن قدرة تلك الوسائط على انتهاج أي من المسارين المستقبليين السابقين ستتحدد خلال فترة تراوح ما بين ثلاث إلى خمس سنوات. إذ ستشهد تلك الفترة تصاعد المطالبات بالحد من الوضع الاحتكاري الذي جعل خمس شركات تكنولوجية عملاقة تتحكم في أكثر من ثلثي الأنشطة الاتصالية العالمية، بما يستتبعه ذلك من تزايد نفوذها وقدرتها على تحقيق الاختراق في ملفات الاستراتيجية والأمن القومي والتعليم والصحة والترفيه وغيرها من المجالات الحيوية. فإذا استطاعت تلك الشركات العملاقة أن تقاوم الضغوط التي تستند إلى ذرائع حقوقية وقانونية وسياسية وجيهة، أو إذا نفذت خططاً ناجعة للحد من العوار في أدائها، فإنها ستمضي في طريق التعملق وتركز الملكية الضار، وسيزيد تغولها على المجال الاتصالي العالمي، لكن لو تم تنسيق الضغوط عليها وتعزيزها، فإنها ستضطر إلى تفتيت ملكيتها، وسنشهد بسبب ذلك صعود شركات وتطبيقات جديدة تستحوذ على حصص مُعتبرة من كعكة الاتصال.

ويتجسد السيناريو المزدوج الثاني لمستقبل «وسائل التواصل الاجتماعي» في ثنائية «الانفلات مقابل الضبط»؛ إذ لا تتوافر القدرة راهناً على ترجيح أحد الاتجاهين على المديين القصير والمتوسط. ويتعلق الاتجاه إلى مزيد من الانفلات بما نشهده من تصاعد قدرة الشركات المشغلة لتلك الوسائط على تحدي سلطة الحكومات، وتفضيلها أنماط الأداء التي تجلب المزيد من التفاعل والأرباح على فرض قيود على المحتوى الضار المتداول عبرها.

وفي هذا الصدد، يجدر أن نتذكر تلك المعركة التي اندلعت بين «فيسبوك» وبين الحكومة الأسترالية قبل سنة، عندما تبنت تلك الأخيرة مشروع قانون يلزم الموقع الأشهر بدفع مبالغ مالية للصحف الوطنية جراء استخدامه محتوياتها الإخبارية. لكن «فيسبوك» تعامل مع هذا المشروع بنزعة «متعجرفة ومخيبة للآمال»، حسب وصف رئيس الحكومة الأسترالي سكوت موريسون، حين حجب جميع المحتويات الإخبارية الأسترالية، من بينها صفحات لهيئات رسمية يُعد الاطلاع على إفاداتها جزءاً من آليات صيانة المصلحة والسلامة العامة في البلاد.

وفي الأسبوع الماضي، انفجرت أزمة جديدة بين شركة «ميتا»، التي تملك «فيسبوك» و«إنستغرام»، وبين بعض الحكومات الأوروبية، حينما هدد مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي للشركة، بإغلاق عمليات شركته في أوروبا إذا لم يتم منحها الحق في نقل بيانات المستخدمين الأوروبيين ومعالجتها وتخزينها في خوادم بالولايات المتحدة الأميركية.

وقد رد وزيران أوروبيان، أحدهما ألماني والآخر فرنسي، على تهديدات زوكربيرغ رداً صادماً، حينما أكدا أن «الحياة ستكون أفضل» في حال تم تنفيذ تلك التهديدات. وهو أمر ربما يشير إلى احتدام الصراع بشأن أحد مسارات المستقبل الخاصة بـ«السوشيال ميديا»، وهو المسار الذي يتعلق باتجاهها إلى الضبط، أم إلى مزيد من الانفلات، في ملفات مثل: الخصوصية، ومشاركة الأرباح، واحترام الملكية الفكرية، ومعالجة المحتوى الضار، والحد من الجرائم الإلكترونية التي تجري عبرها.

تفيد تقارير بأن التطبيقات المحلية للتراسل وبث المحتوى الترفيهي تتزايد في دول مثل الصين وروسيا بقوة، ضمن إطار الجهود التي تكرس منحى «الإنترنت السيادي»، وتعاند خطط هيمنة الشركات الخمس التكنولوجية الغربية العملاقة، وهذا الأمر قد يتكرر كثيراً في السنوات القليلة المقبلة، ليخلق سيناريو مزدوجاً جديداً يتعلق بثنائية «الهيمنة الأميركية مقابل السيادة الوطنية».

ووفق هذا السيناريو، سيكون مستقبل «وسائل التواصل الاجتماعي» رهناً بمحاولات متعددة لتقييد نطاق عملها العالمي واجتراح وسائط محلية تخضع للسيادة الوطنية في بعض الدول التي سيقلقها «تجبر» الشركات القائمة على تشغيل تلك الوسائل، ومعاندتها لمحاولات التنظيم، وامتناعها عن احترام بعض استحقاقات السيادة والانشغالات الوطنية.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – الشرق الأوسط-



مقالات أخرى للكاتب

  • «السوشيال ميديا» قد تقودنا إلى الحضيض
  • الناتو الشرق أوسطى.. وخلل التوازن
  • علامَ تعتمد لمعرفة ما يجري في أوكرانيا؟






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي