ستة تحديات في 2022
2022-01-04
ياسر عبد العزيز
ياسر عبد العزيز

مع مطلع كل عام يكثر الحديث عن سُنة محمودة تتجسد فى التفاؤل والاستبشار وتوقع المآلات الطيبة، ومع ذلك فإن استقصاء المخاطر واستجلاء التحديات يظلان من مُستحبات الأمور فى مثل تلك الأثناء؛ إذ عبرهما يمكن أن تُقوَّم السياسات وتُتخذ الاحتياطات اللازمة للحد من سلبيات عانينا منها على مدار العام المنصرم.

وفى اعتقادى أن العام 2021، الذى رحل تواً غير مأسوف عليه على المستوى العمومى فى العديد من بلدان العام، لم يمض إلا وقد ترك لنا عدداً من الفخاخ والمزالق، التى لن تستقيم الأحوال، فى العام الجديد المنشود خيره والمُستعاذ من شروره، إلا من خلال التبصر العاقل بها، والإدراك الوافى لها، ومحاولة تفادى آثارها الضارة.

وتبرز ستة تحديات رئيسية خلَّفها العام الفائت كوديعة مُلغَّمة لخلفه الذى نأمل خيره؛ أول تلك التحديات لا يكمن مثلما يعتقد كثيرون فى جائحة فيروس «كورونا» ومتحوراته المراوغة والمتعددة فقط، وإنما يكمن أيضاً فى الهشاشة التى أظهرها المجتمع الدولى فى مواجهة الجائحة.

لقد اختبرنا قدرة المجتمع الدولى من جهة، والحكومات الوطنية من جهة أخرى، على مواجهة الفيروس اللعين الذى غيَّر حياتنا وطبَّعها بطباع الخوف والتخبط والحذر، فظهر لنا بشكل واضح لا مواربة فيه أن المنظمات الدولية المعنية بمواجهة مثل تلك الجائحة، ومعها عديد الحكومات، خصوصاً فى العالم المتقدم، أخفقت للأسف بدرجات متفاوتة فى التعاطى الاحترافى المُنظم مع هذا الوباء واحتواء تداعياته.

ولذلك، فإن التحدى الأول على الصعيدين العالمى والوطنى فى 2022 سيكون مدى قدرتنا على الخلوص إلى سياسات أممية ووطنية قادرة على التعامل بمسئولية واحترافية مع هذا الوافد غير المرغوب فيه والذى يمكن أن يصاحبنا لفترات قد تقصر أو تطول.

ويبرز التحدى الثانى فى مسألة الثقة العامة، التى يبدو أنها تضعضعت كثيراً وأخذت فى التراجع بمرافقة مخاطر الجائحة. وفى هذا المحور بالذات برز التعبير اللافت عن أن العالم إنما واجه جائحتين؛ إحداهما تمثلت فى الجائحة الصحية (كورونا)، وثانيتهما تجسدت فى الجائحة المعلوماتية.

وقد تكرَّس هذا التقييم واكتسب نجاعته لأسباب عديدة، أهمها يكمن للأسف فى تراجع ثقة الجمهور العالمى فى الحكومات والمؤسسات ووسائل الإعلام.

وقد لعبت وسائط ما يُسمى بـ«التواصل الاجتماعى» دوراً جوهرياً فى تراجع الثقة العمومية، عبر اعتمادها آليات تضليل وكذب وتلاعب، بسبب قابليتها الشديدة للتزييف، وعدم خضوعها لقدر ملائم من الضبط. ورغم مرور هذه المدة الكبيرة على تفشى «كورونا» العالمى، فإن كثيرين ما زالوا ينكرونه، ورغم التأكيد على ضرورة اللقاح، فإن تياراً واضحاً يعتبره «مؤامرة». يشير ذلك إلى صعود واضح لعدم اليقين وتردٍ ملحوظ للثقة العمومية، وهو أمر يجب أن تتضافر جهود عالمية ووطنية لتجاوزه فى العام الجديد.

ويأتى التحدى الثالث فى 2022 مجسداً فى التصاعد الكبير لدور التكنولوجيا فى عالمنا، فرغم الإقرار بأن التطورات التكنولوجية السريعة الأخيرة رفدت الإنسانية والحضارة بالكثير من الفوائد العظيمة، فإن هذا الصعود يطرح أسئلة ويفرض تحديات؛ خصوصاً أنه جاء محمولاً على أكتاف خمس شركات تكنولوجية عملاقة، وقد أظهر العام الفائت أن تلك الشركات تنطوى على نزعات احتكارية، وتحفل بأنماط الفساد، وتتقوى على الحكومات، وتبقى عصية على الضبط والمراجعة.

التحدى الرابع يتعلق بقضية شيوع الكراهية والنزعات الشعبوية، وهو أمر لا يتعلق فقط ببعض التيارات والأحزاب السياسية التى نجحت على أسنة رماح الخطاب العنيف والحاد والإقصائى فى التمركز فى الواقع السياسى والاجتماعى لعدد من الدول الكبرى والصغرى، وإنما يتصل أيضاً باحتلال خطاب الكراهية مساحة كبيرة فى حديث الناس، خصوصاً تلك التى ترد عبر وسائط «التواصل الاجتماعى».

لقد أدى هذا الشيوع لخطاب الكراهية ونزعات الإقصاء إلى تحذير واضح من أمين عام الأمم المتحدة، الذى رأى أن هذا الخطاب يسرى كما تسرى النار فى الهشيم، لكن يبدو أن مسارات معالجة أممية جادة لهذا التحدى لم تتكشف حتى الآن.

ويبرز التحدى الخامس فى تعمق الأزمة الاقتصادية العالمية، ورغم أن تلك الأزمة بانت ملامحها منذ نهاية العقد الفائت، فإن ضربات جائحة «كورونا» عززتها وجعلت منها غولاً يمكن أن يلتهم عوائد التنمية ويقوض خطط الرفاه.

يواجه العالم فى مطلع العام الجديد موجات متلاحقة من الغلاء والعطب فى سلاسل التوريد العالمية والارتفاعات المطردة فى الأسعار، وهو أمر لا يقتصر ضرره على مستويات المعيشة الفردية والعامة فقط، لكنه يمتد للأسف ليطرح تحديات على الأمن المجتمعى والسلم الأهلى والدولى.

واتصالاً بالضغوط على حالة السلم الأهلى والدولى، تتضح ملامح التحدى السادس الذى يتعلق بعدم قدرة النظام الدولى والأنظمة الإقليمية على احتواء المخاطر والحد من النزاعات.

بسبب تراجع تلك القدرة تزدهر الأحاديث عن احتمالات الصدام واندلاع الحروب فى أكثر من منطقة بالعالم، وتنضم تلك الاحتمالات القاتمة إلى الوقائع السوداء التى يشهدها عدد كبير من بلدان العالم وتتجسد ملامحها فى تضعضع السيادة الوطنية، وتفشى ظاهرة الهجرة غير النظامية، وعدم القضاء على خطر الإرهاب، وبروز أدوار الميليشيات والمنظمات الأقل من الدول، وصولاً إلى اندلاع الحروب الأهلية.

تلك هى أبرز ستة تحديات يواجهها العالم فى 2022، ورغم أنها تطرح احتمالات قاتمة ومآلات خطيرة، فإن الآمال لا تزال قائمة فى يقظة دولية تتبعها تدابير وسياسات يمكن من خلالها الحد من هذه الأخطار، وصولاً إلى عام جديد أفضل نرجوه جميعاً.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس –الوطن-



مقالات أخرى للكاتب

  • «السوشيال ميديا» قد تقودنا إلى الحضيض
  • الناتو الشرق أوسطى.. وخلل التوازن
  • علامَ تعتمد لمعرفة ما يجري في أوكرانيا؟






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي